نتنياهو وإشكالية قانون التجنيد العسكري
سعيد بوخليط
”سنحدِّد أهدافا لتجنيد اليهود المتشدِّدين في الجيش الإسرائيلي وفي الخدمات المدنية الوطنية،وسنحدِّد أيضا وسائل لتنفيذ هذه الأهداف”. عبارة، أدلى بها نتنياهو خلال إحدى المناسبات، مؤكِّدا بالتالي رغبة حكومته قصد إعادة طرح قانون إعفاء اليهود المتشدِّدين من أداء الخدمة العسكرية، أثارت كثيرا حفيظة المتديِّنين المتشدّدين، أو مسَّت”بكيفية غير مقبولة” الوضعية التاريخية لجماعة الحريديم، نسبة إلى كلمة الحريدي التي تعني التقيِّ، وتشير إلى اليهود الأرثوذوكس، الذين اتَّسعت نسبة قاعدتهم العددية داخل المجتمع الإسرائيلي بحيث تقارب حاليا %24 ضمن نسيج عدد سكان، ويلعبون دورا مفصليا بخصوص تشكيل الحكومة وتأليف لبنات مكوِّناتها ثم إمكانيات نيلها ثقة الكنيست، ضمنها طبعا حكومة نتنياهو اليمينية المتطرِّفة. ذلك، أنَّ بقاءه في السلطة، يعتمد بنيويا على أصوات أحزاب الحريديم.
هؤلاء المتديِّنون، تمتَّعوا دائما منذ قيام الكيان العبري سنة 1948، بإعفاء قانوني من التجنيد الإجباري حينما اتَّفق آنذاك ديفيد بن غورين مع حاخامات الحريديم على استثناء أربعمائة رجل ينحدرون من هذه الجماعة ومكوثهم داخل المدارس الدينية بغية دراسة التعاليم التوراتية.
استمرَّ مفعول القرار غاية سنة 1998، حينما بادرت المحكمة العليا إلى إلغاء قانونيته، لأنَّه ينتهك مبدأ الحماية المتساوية وينبغي امتثال الحريديم للخدمة العسكرية، على غرار الجميع.
مع ذلك، راهنت الحكومات المتوالية بالتوافق مع الكنيست، على تثبيت آليات إرجاء القضية وتأجيلها بالصيغ السياسية، حفاظا على تكريس ودِّ الحريديم بخصوص دعم تشكُّلات هياكل الأجهزة الحاكمة في تل أبيب.
تمسَّكت المحكمة العليا، برأيها الدَّاعي إلى تقويض مبرِّرات الإعفاء تلك، وسريان التجنيد دون استثناء؛ فالوضع يستدعي حسب سياق التأويل دائما مشاركة جلِّ الإسرائيليين في اكتساب ثقافة الخدمة العسكرية. وتمثِّل نهاية مارس الجاري، موعدا أخيرا بهدف صياغة ميثاق اجتماعي عادل حسب اجتهاد المحكمة العليا. للإشارة، أعفِيَ خلال السنة الماضية، ستة وستون ألف شابٍّ.
مقابل ذلك، يرفض اليهود المتديِّنون رفضا باتّا أيَّ مراجعة قانونية، ويطرحون كبديل مثلما جرى الوضع معهم، التوجُّه إلى المعاهد اللاهوتية؛ التي تحظى رسميا بدعم كبير من طرف الحكومة، قصد الانكباب على فهم تعاليم اليهودية وتمثُّل مضامين التوراة، لأنَّه سعي لايقل أهمية عن الخدمة العسكرية، حسب تقديرهم، ثم ارتكاز الجيش على منظومة إيتيقية، مغايرة لطبيعة هويتهم الدينية وكنه طقوسهم وشعائرهم.
حقيقة، تضمَّنت عبارة نتنياهو الواردة أعلاه،التباسات لغوية، وتلاعب بالكلمات، وتحايل على الرأي العام، بحيث سعى إلى إخفاء الحقيقة وعدم الإقرار بما يضمره فعليا، مادام المقصود من كلامه ليس إلغاء القانون المثير للجدل، بل تطلُّعه نحو إقراره مرة أخرى من طرف الحكومة يوم الثلاثاء 26 مارس قبل تصويت الكنيست، بالتالي استمرار استثناء الحريديم من الخدمة الإلزامية، مقابل قبول الأحزاب الدينية الدخول إلى حكومته ومنحها الثقة. لبّ القضية، أنَّ نتنياهو التزم بضمان حماية الأحزاب الدينية بتمرير تشريع يحمي إعفاءهم من الخدمة العسكرية ويساوي بينها وكذا دراسة التوراة.
هكذا، توزَّع النقاش الدائر حاليا في تل أبيب جراء سجالات الموضوع، إلى وجهتي نظر متباعدتين تقابل بين طرفين كبيرين متعارضين، نعاين من جهة نتنياهو والأحزاب الدينية، في مواجهة الأطراف الأخرى العلمانية والعسكرية التي تلحُّ على ضرورة إلغاء هذا القرار والتحاق الجميع بالجيش:
*يتسحاق يوسف، الحاخام الأكبر لليهود السفارديم: نجل عوفايانا شاس، الزعيم الروحي لحزب شاس أو الشرقيين المحافظين على التوراة، يتمتع بنفوذ كبير ضمن ائتلاف حكومة نتنياهو، أثار زوبعة كبيرة في خضم الجدال الدائر، حينما أكَّد بأنَّه إذا أُجبِر المتديِّنون على الخدمة العسكرية فسيضطرُّون إلى تجهيز حقائبهم كي يغادروا إسرائيل: ”إذا أجبرونا على الالتحاق بالجيش، سنسافر جميعا خارج البلاد، نشتري التذاكر ونذهب”، وأضاف”لايوجد شيء من هذا القبيل، إنَّ العلمانيين يضعون الدولة على المحكِّ”.
* يائير لبيد،زعيم المعارضة الإسرائيلية: دعا إلى ضرورة إلغاء القانون الموروث وتجنيد اليهود الحريديم، في خضم ظرفية الحرب التي تجري أطوارها في غزة: ”نتحمَّل جميعا العبء نفسه، ومن رفض التجنيد لن يحصل على أموال الدولة، ثم إذا التحق ستة وستون ألف شابٍّ من الحريديم بالجيش، فستتعزَّز هيكلة الأخير بمائة وخمس كَتِيبة جديدة”.
*إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي :رغم أصولية تكوينه السياسي والإيديولوجي، تستمد جذورها من المنظومة الثيولوجية للحريديم ومرجعياتها التوراتية، لكن تصوره بناء على سياق هذا النقاش بدا مغايرا تماما، مؤكِّدا بأنَّ الخدمة في الجيش امتياز كبير لليهودي الذي يدافع عن نفسه وبلده.
*القادة العسكريون: هرتسي هاليفي (رئيس أركان الجيش)، يوآف غالانت (وزير الدفاع)، بيني غانتس (وزير الحرب). اتفق الثلاثة على توجيه انتقادات لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وحتمية سنِّ قانون جديد يلغي الإعفاء من التجنيد.
بالتأكيد، مكمن هذا الزخم ومستويات الحدَّة التي بلغها تصادم الآراء، بين المكوِّنات والأطراف الفاعلة داخل الساحة الإسرائيلية، أساسه المقاومة الأسطورية التي يواجه بها الفلسطينيون طيلة خمسة أشهر، فصول المذابح الكبيرة والجرائم البهيمية الفظيعة، وتسلِّي جبن الصواريخ بيوميات التدمير المجاني المجنون، مع إخفاق الجنود الإسرائيليين إضافة إلى خسائرهم البشرية النوعية، بخصوص تحقيق الأهداف الكبرى التي وضعها مجلس الحرب، أساسا استعادة الرهائن ثم قتل أو اعتقال قيادات المقاومة.