هدفُ الكيانُ الصهيوني أبعدُ من القضاء على حركة حماس
عبد السلام بنعيسي
النغمة الدعائية التي تُغطي حرب الإبادة الجماعية التي يشنُّها الكيان الصهيوني العنصري المجرم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة تُختزلُ في عبارة تدمير حركة حماس واجتثاها من الوجود، بغرض الوصول إلى الأسرى الصهاينة لتخليصهم من أيدي المقاومة.
إننا أمام عملية دعائية ضخمة لشيطنة حركة حماس وتركيز كل الاهتمام حولها، واختصار كل ما يقع للشعب الفلسطيني في وجودها. فلولاها، وفقا للسردية الدعائية الصهيونية، ما كنا نعاين هذه المجازر والمذابح التي ضجَّ العالم بأسره منها، ولم يعد الكثيرون يطيقون، حتى مشاهدة صور أشلاء وجثامين الضحايا من الأطفال، والنساء، والشيوخ، سواء مطوية في أكفانها لتدفن في قبور جماعية، أو ملقاة تحت الردم لا أحد يستطيع انتشالها لدفنها، ناهيك عن الدمار الهائل غير المسبوق الذي شمل القطاع من ألفه إلى يائه…
وفي الواقع ليست حركة حماس وحدها التي تواجه القوات الإسرائيلية وتتصارع معها في هذه الحرب غير المتكافئة. يوجد إلى جانب الحركة، تنظيم الجهاد الإسلامي، وكذلك الجبهة الشعبية الديمقراطية، وإذا أردنا الدقة، فإن جميع أبناء الشعب الفلسطيني يتصدون للعدوان الصهيوني، كل واحد منهم بوسائله الخاصة. فالقصف والتدمير والقتل يطال جميع الفلسطينيين دون استثناء. ويفرض هذا الواقع القاسي على الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم، إنهم مجبرون على ذلك، ولم يترك لهم العدو أي خيار أمامهم سوى مقاومة الاحتلال بالوسائل المتاحة لديهم.
ولكن لحجب هذه الحقيقة الفاقعة، يتمُّ إقصاء الشعب الفلسطيني من المعادلة، وإلغاؤه من الساحة، ويُروِّجُ الإعلام الغربي ورديفه الصهيوني، دعاية أن المستهدفة بهذه الحرب هي حركة حماس دون غيرها. تحاول هذه السردية الزائفة أن توحي للعالم بأن الشعب الفلسطيني لا يُقتل، ولا تدمر مؤسساته، ولا يحصل له أي مكروهٍ على الإطلاق، إنه يعيش آمنا مستقرا، والمقصود بالحرب، والذي يُضربُ فيها، هي حركة حماس دون سواها. وبطبيعة الحال، هذا كذب صريح، وتضليل في تضليل.
قبل حركة حماس كانت في الساحة الفلسطينية حركات مقاومة أخرى عديدة ومن ضمنها حركة فتح، وكانت تحمل السلاح، وتكافح من أجل الحصول على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة، وكانت الحرب مُشنة على فتح من طرف الدولة العبرية، بكافة مؤسساتها، وتم اغتيال العديد من كوادرها، وكان الشعب الفلسطيني يعاني من تبعات الاعتداءات التي كانت تشنُّ عليه بدعوى مطاردة عناصر حركة فتح التي كانت تُنعتُ، إسرائيليا، بالإرهابية.
لقد اغتالت إسرائيل خليل الوزير الرجل الثاني في منظمة التحرير وفي حركة فتح، واغتالت ياسر عرفات وهو رئيس السلطة الفلسطينية والذي وقّع اتفاقيات أوسلو معها، الاتفاقيات التي ظلت حبرا على ورق ورفضت إسرائيل تنفيذ أي بند من بنودها، بل استغلت تلكم الاتفاقيات لتكثيف حركة الاستيطان في الضفة الغربية، حتى أن الاستيطان التهم كل الأراضي التي كان يفترض أن الدولة الفلسطينية العتيدة ستقام عليها.
واليوم يرفض الكيان الصهيوني التعامل مع سلطة أوسلو، إنه يعتبرها غير موجودة، ويتصرف في الضفة الغربية على أساس أنها مرتع خصب له، ولا أثر لأي سلطة فيها. إذا كانت حماس كما يزعمون حركة متطرفة وتريد تدمير الكيان الصهيوني فماذا عن سلطة محمود عباس؟ أليست هي التي وقعت معه اتفاقيات أوسلو؟ ألا تقوم سلطة رام الله بالتنسيق الأمني مع الأجهزة المخابراتية الإسرائيلية على الوجه الأكمل لضبط الوضع الأمني في الضفة، ومنع اندلاع انتفاضة تؤازر المقاومة في قطاع غزة؟ ماذا جنت هذه السلطة من اعترافها بدولة الاحتلال وتعاونها معها، أمنيا واستخباراتيا، ضد المقاومة؟
لنفترض أن حركة حماس قد أزيحت من الساحة وتمَّ تدميرها وتفكيكها، فهل يعني هذا أن الشعب الفلسطيني سينعم بحقوقه، ويحصل على دولته المستقلة بعاصمتها القدس، وسيضمن تفكيك المستوطنات، وعودة اللاجئين، وأنه سيعيش في أمن واستقرار، وستصبح سيادته محترمة، ومصانة من طرف الكيان الصهيوني؟ وأنه سينطلق في بناء ذاته، وتحقيق تنميته في حرية تامة؟ لا أظن أن حتى بارونات سلطة رام الله، يجرؤون على الزعم بأن هذا الاحتمال ممكن ووارد.
الكيان الصهيوني لا يريد القضاء على حركة حماس لأنها تسمى حماس، وترفض الاعتراف به كيانا قائما. إنه لا يكتفي بمحاربة فكرة المقاومة، ويريد استئصالها من النفس الفلسطينية، ويسعى لاجتثاث مفهوم الممانعة من الساحة العربية، الكيان الصهيوني يريد فلسطين بدون فلسطينيين، إنه يريدها بأكملها، ورغبته الحقيقية التي يعمل من أجل الوصول إليها، هي تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وقتل من تبقى منهم فيها، ألم يقل الكاتب الصهيوني توماس فريدمان، إن هذه الحرب في غزة تحولت إلى مفرمة للقضاء على أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، لإفراغ فلسطين من أهلها؟
المشكل ليس في وجود حماس من غيره. بالنسبة لدولة الاحتلال، الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، ولذلك نرى هذا الكمَّ الذي فاق كل تصور من القصف والتدمير والحرق في قطاع غزة. إنها رسالة موجهة لكافة العرب، يقول ملخصها: إذا لم تقبلوا بإسرائيل القوية الكبرى التي تقود المنطقة، وتكونون خدما عندها، فإن مصيركم سيكون هذا الذي يعيشه شقيقكم الشعب الفلسطيني.
نحن أمام استعراض لأقصى درجات العنف والبطش مُصوَّبةٍ ضد الفلسطينيين، ولكن المعني به أيضا هي عموم الدول العربية. هذا الاستعراض للعنف المطلق في غزة يقول للحكام العرب باختصار شديد، وببساطة لا غبار عليها: إن المدن الزجاجية التي بنيتموها، والأخرى التي تسعون لتشييدها على شاكلة نيوم وغيرها، تحت طائلة مرمانا، ويمكننا تخريبها بألف وسيلة ووسيلة، وحتى دولكم يمكننا تقسيمها وتفتيتها، كما فعلنا في العراق، وليبيا وسوريا، ولا خيار أمامكم سوى التطبيع معنا، والقبول بنا سادة عليكم.
المقاومة الفلسطينية تناهض هذه الغطرسة الصهيونية، والمسعى للهيمنة الكلية على المنطقة، وتكافح من أجل كبحها ودفْعها، وتقدم في سبيل ذلك تضحيات عزَّ مثيلها، ولكن للأسف، أنظمة عربية تستثمر في الإبادة الجماعية والتضحيات السخية التي يقدمها الشعب الفلسطيني، للتوغُّلِ في مزيد من التطبيع مع الكيان الصهيوني والارتماء في حضنه، والذي لم يطبع من النظام الرسمي العربي، منشغلٌ في الاستثمار في ذات الإبادة والتضحيات الفلسطينية، من أجل تلميع صورة النظام الذي يحكمه، دون تقديم أي شيء مادي ملموس لمؤازرة الشعب الفلسطيني في المهمة القومية التي يتحمل أوزارها..
أليست هذه هي درجة الصفر في الانبطاح، والتآمر، والخيانة، والدعاية التافهة والرخيصة؟؟؟ لا يمكن لشعوبنا العربية أن تغفر لهذه الأنظمة الحاكمة تخاذلها، وتآمرها على حاضرها ومستقبلها، وستنتقم منها واحدا واحدا…