اليوم التالي!

اليوم التالي!

محمود القيسي

     في إحدى قصائده القصيرة، كتب الشاعر الفلسطيني الذي شاب باكراً.. الشاعر الذي غاب باكراً.. “علي فودة” لروحه السلام، قبل سنوات عديدة عن أيامنا هذه، وكأنه مازال يعيش ويموت كل يوم بيننا… كتب قائلا: “عن توزيع التموين واقف، وكيس الخيش بين يديّ واقف.. وصفّ العار كالأفعى، ومنذ الفجر واقف.. وبين الصف من كانوا ذوي عز وجاه، والمعارف.. وشرطي يصرخ: لا تخالف”!

    هناك “موضة” أو “بدعة” أو “كذبة” سياسية “جديدة” في لبنان هذه ألأيام تسمى “اليوم التالي”… بدعة اليوم التالي التي سمعها الساسة اللبنانيين من هنا ومن هناك وبدأوا باستخدامها تضيع للوقت من هنا ومن هناك…ناسياً أو مُتناسياً “صاحب” أو أصحاب تلك الحركات السياسية (الحاكمة بأمرها) إن كل بدعة ضلالة… وكل ضلالة بالنار في بعض أهم المفاهيم والمعتقدات الدينية في بلدٍ تحكمه الأرقآم الطائفية و عداداتها وأسلحتها… اما في البعد والمفاهيم الأخلاقية البدعة كذبة بالاختصار المفيد والمباشر.. وكل كذبة تشويه للحقائق والحقيقة رغم كل الأسلحة..!

    والكذبة السياسية عموماً أيها السيدات والسادة، هي تقنية دعائية تستخدم لأغراض سياسية، تُعرَّف على أنها: تشويه أو تحريف للحقائق، خاصةً عند استخدامها وسيلة من قبل دولة أو حزب (حاكم) أو هيئة رسمية أو “سياسي” على غرار أنهار الدماء التي ما زالت تجري في قطاع غزة تحت الأنقاض وفوقها… في حين يتحجج ويتبجح ساسة الكذب والضلال أنصاف الآلهة المسؤولين والغير مسؤولين حسب “الرادار” و “المناخ” بانتظار اليوم التالي… على غرار السياسيين اللبنانيين “الطالعين و النازلين” في مربعاتهم الأمنية وطوائفهم السياسية والعسكريتارية والمالية على مذاهب الأجندات العديدة والمتنوعة..!

    “لا أحد سيصب الحقيقة في عقلك، إنه شيء عليك أن تكتشفه بنفسك”. نعم، لا أحدٍ سيصب الحقيقة في عقلك، هذا ما أعادني الى حكمة أحد نزلاء مشفى للأمراض العقلية في بلاد الامراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية والنفسية المزمنة والمستعصية.. نعم، في مشفى الأمراض العقلية في “عش طائر الوقواق” اللبناني سأل الطبيب أحد المرضى: هل تستطيع أن تخبرني نحن في أي يوم.. المريض: طبعاً اليوم هو السبت..! الطبيب: صحيح وغداً ماذا سيكون..؟ المريض: سيكون السبت أيضاً..!

    الطبيب مستغرباً: فمتى يأتي الأحد..؟ أجاب المريض: الأحد يأتي عندما يختلف اليوم عن الأمس.. عندما نشعر أننا تقدمنا خطوة للأمام.. عندما تكون عدالة اليوم أكثر من عدالة الأمس، وظلم اليوم أقل من ظلم الأمس، عندها فقط أيها الطبيب سيأتي اليوم التالي. نعم، هناك من يشترون لحظة واحدة بكل حياتهم، هذا جنون، ولكنه جنون جميل لأنّ اللحظة أثمن من حياة ممتدة في وحل العجز والمهانة والكذب والخيانة بكل أنواعها وألوانها. وما يبقى العالم على قيد الحياة ليس الحقيقة، بل الإيمان بالحياة.

    هناك لحظة في الحياة نكره فيها الكذب أشد الكره، إنّها اللحظة التي يكذب علينا فيها أحدهم وقد منحناه ثقتنا العمياء. إن الإنسان الضعيف قد يصبح وحشاً مفترساً إذا أتيحت له الفرصة، وإذا كان يشعر بالحقد على الحياة والمجتمع. كما آنه لا يوجد ما هو أكثر قوة وأمانا لمواجهة طوارئ الحياة من الحقيقة المجردة… حيث أن جميع الحقائق التي نحتاجها كبشر في هذه الحياة موجودة وكامنة في أعماقنا منذ اليوم الأول لولادتنا بأستثناء أولئك الذينا يسرقون منًا الحياة.

    لا يعتمد سر القيادات اللبنانية الأساسي على ذكاء معين. بدلًا من ذلك، فإنه يعتمد على غباء غبي جدًا وبشكل ملحوظ لا يحتاج إلى أدلة… يتبع المسؤولين الحكوميين في لبنان المبدأ القائل بأنه عندما يكذب المرء يجب أن يكذب بشدة ويلتزم بالكذبة… إنهم يواصلون أكاذيبهم، حتى مع المخاطرة بالظهور بمظهر الكاذب الرخيص.. أو الكاذب الأجير لدى إحدى الأحزاب المربعة… على السياسي أن يزاول الحياة العامة خلال دورة واحدة أو دورتين، ويعود بعد ذلك إلى عمله الخاص ليخضع للقوأنين التي سنها هو ونساها أو تناساها أمام شهوة السلطة والمال.

    إنّ أزمة الإنسانية الآن وفي كل زمان، هي أنها تتقدم في وسائل قدرتها، أسرع مما تتقدم في وسائل حكمتها. بالمناسبة، ذكّرت الامانة العامة لمجلس الوزراء اللبناني البارحة، بوجوب تقديم الساعة ساعة واحدة اعتبار من منتصف ليل 30 – 31 آذار 2024. هذا دون أن يغيب عن بالنا الانقسام الطائفي الذي أنفجر بأبشع وجوهه العام الماضي 2023 على تقديم الساعة أو تثبيتها في بلد يموت من الفساد مرة في الشهيق ومرتين في الزفير.

     صراع أخذ كل أبعاده المقيتة مذهبياً وطائفياً ومازال يتمدد في كل الاتجاهات القاتلة، فوضع لبنان خارج الزمن وخارج السياق الذي أصبح معتاداً في البلاد التي أصبحت خارج الحسابات والرياضيات والفيزياء والكيمياء. نعم، غداً هو موعد تقديم الساعة في لبنان ساعة واحدةً عند منتصف الليل.. في حين لم يتقدم البلد منذ سنوات عديدة ساعةً واحدةً.. أو قيد أنملة أو قيد شعرة.. بفتح القاف أو بكسرها..!؟

Visited 41 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني