ما الذي يعنيه تعيين أندريه بيلوسوف وزيراً للدفاع؟
د. زياد منصور
اقترح الرئيس فلاديمير بوتين تعيين النائب الأول لرئيس الوزراء السابق أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع. وسيتعين على الرئيس الجديد لوزارة الدفاع تنفيذ الكثير من المهمات بما فيها تحسين طبيعة العمليات العسكرية في الجبهة الأوكرانية، وتحسين الإدارة العسكرية، وضمان تحسين العمليات في المجمع الصناعي العسكري في البلاد، بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المحللون أن النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء سيبدأ على الأرجح في استعادة النظام في الجهاز الإداري لوزارة الدفاع. وتم تعيين سيرغي شويغو في منصب سكرتير مجلس الأمن في الاتحاد الروسي والذي سيساعد في ضمان التغييرات اللازمة في سياسة الهجرة في الاتحاد الروسي.
وبعد الموافقة على ترشيح ميخائيل ميشوستين لمنصب رئيس الوزراء في 10 ماي-أيار، بدأت المناقشات حول تشكيل حكومة جديدة. لأول مرة، سيتم تعيينه وفقًا لإجراءات محدثة: وفقًا للتعديلات التي أدخلت على دستور الاتحاد الروسي المعتمدة في عام 2020، يوافق مجلس الدوما على ترشيح رئيس الحكومة وترشيحات نائب رئيس الوزراء والوزراء. الاستثناء هو رؤساء وكالات إنفاذ القانون ووزارة الخارجية ووزارة العدل – يقوم بترشيح هؤلاء مباشرة من قبل رئيس الاتحاد الروسي.
في 12 ماي- أيار، اقترح فلاديمير بوتين تعيين أندريه بيلوسوف، الذي شغل سابقًا منصب النائب الأول لرئيس الوزراء وزيرًا للدفاع. سيحل الرئيس الحالي للإدارة العسكرية، سيرغي شويغو، محل نيقولاي باتروشيف كأمين لمجلس الأمن في الاتحاد الروسي. فيما أعلن الكرملين إن شويغو سيشرف على عمل الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري الفني وسيواصل العمل في مجال “يعرفه من الداخل” كما يقال. ولا يزال من غير المعروف ما هو المنصب الذي سيشغله باتروشيف.
شغل سيرغي شويغو منصب وزير الدفاع منذ عام 2012. فعلى مدى أكثر من عشر سنوات من القيادة، فأعاد تنظيم الجيش الروسي بشكل كبير: تم إرجاع الفرق التي كان سبق حلها وتحويلها إلى ألوية، وتم إعادة هيكليتها. بالإضافة إلى ذلك، في عام 2012، تم تشكيل قوات العمليات الخاصة ضمن القوات المسلحة، وفي عام 2015، تم تشكيل القوات الجو فضائية. أيضًا، في عهد سيرغي شويغو، رفضت القوات المسلحة الروسية شراء معدات عسكرية أجنبية لصالح منتجات المجمع الصناعي العسكري الروسي.
وفي عام 2019، تجاوز عدد الجنود المتعاقدين في القوات المسلحة الروسية لأول مرة عدد الجنود والبحارة الذين يخدمون في الخدمة العسكرية (400 ألف و267 ألف على التوالي). وفي عهد سيرغي شويغو، ضمنت القوات المسلحة الروسية الأمن خلال عملية ضم شبه جزيرة القرم مع روسيا (في عام 2014)، وشاركت في عملية عسكرية في سوريا (في عام 2015)، وبدأت أيضًا في إجراء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا.
أما أندريه بيلوسوف، فهو يتمتع أيضًا بخبرة إدارية واسعة النطاق: فهو يعمل في الحكومة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في الفترة 2013-2020، كان مساعدًا للرئيس للشؤون الاقتصادية، وفي أبريل وماي (نيسان وأيار) 2020، في ذروة جائحة فيروس كورونا، شغل منصب رئيس الوزراء بالنيابة بسبب مرض ميخائيل ميشوستين. وفي الوقت نفسه تم تعيينه في منصب النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية.
أثبت أندريه بيلوسوف نفسه ليس فقط كمسؤول مدني، بل كشخص “ترأس بنجاح وزارة التنمية الاقتصادية في روسيا”. ولا شك فإن تعيين بيلوسوف مرتبط بالحاجة إلى تحسين العمليات في تطوير المجمع الصناعي العسكري، وهذا يأتي عمليًّا إثر مواقف وتصريحات للرئيس فلاديمير بوتين دعا فيها، وتحديدًا أمام الجمعية الفيدرالية إلى تطوير المجمع الصناعي الدفاعي بطريقة تزيد من الإمكانات العلمية والتكنولوجية والصناعية.
وفي نهاية شباط الماضي أعلن بوتين عن الحاجة إلى توزيع الموارد بأكبر قدر ممكن من العقلانية وبناء “اقتصاد فعال للقوات المسلحة، وتحقيق الحد الأقصى من إنفاق كل روبل على التسليح الدفاعي”. بالإضافة إلى ذلك من المهم أن تشرع القيادة الجديدة في استعادة النظام في الجهاز الإداري لوزارة الدفاع.
وعلى الرغم من أنه في النظام العسكري الروسي، فإن وزير الدفاع ليس بالضرورة أن يكون عسكريًّا ولا يقود عمليات قتالية بشكل مباشر، ولأجل ذلك يوجد رئيس للأركان العامة وهيئة الأركان، وبذا تتمثل مهمة وزير الدفاع في العمل مع المجمع الصناعي العسكري ومكاتب التصميم وإنشاء المرافق التي ستكون مطلوبة خلال 5حمس إلى عشر سنوات قادمة، بمعنى آخر هو شخص يعمل على تجاوز الزمن في مجال الدفاع والتسليح ، وبالتالي من المتوقع أن يقوم الوزير الجديد ببناء قوات مسلحة يمكنها مواجهة التهديدات المستقبلية على وجه التحديد.
في الواقع، سيصبح بيلوسوف ثاني وزير دفاع في تاريخ روسيا الحديث، والذي لم يكن لديه في سيرته الذاتية إي إشارة للخدمة في المناصب العليا في وكالات إنفاذ القانون. كان الوزير الأول في 2007-2012. هو أناطولي سيرديوكوف، الذي عين شويغو في مكانه. ومن المعروف أن الكلام عن تغيير وزير الدفاع ليس مفاجئًا إذ جرت مناقشة الأمر إثر الانقلاب الذي قام يفيغيني بريغوجين والتمرد الذي أعلنه ضد القيادة العسكرية، حيث اتهم الأخير الجيش الروسي بقصف معسكرات مجموعة فاغنر بطلب من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي أقسم أن يوقفه بالقوة. ومنذ ذلك التاريخ ظهرت شائعات حول استبدال شويغو، وكان كلما اقترب موعد تنصيب الرئيس، كلما كانت تتم مناقشة قضية الاستبدال بطريقة واسعة، بما في ذلك على خلفية ما كان يتردد على قضايا فساد في الوزارة.
واللافت في هذا السياق ما أشار إليه السكرتير الصحفي للرئيس بوتين وهو أن “الرابح اليوم في ساحة المعركة هو من يُظهر المزيد من الابتكارات ويقوم بتنفيذها الفوري”. ولذلك قرر بوتين في المرحلة الحالية أن يرأس وزارة الدفاع مدني. “وهذا ليس مجرد مدني، ولكنه شخص ترأس بنجاح وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، والذي كان لفترة طويلة مساعد الرئيس في القضايا الاقتصادية وكان أيضًا النائب الأول لرئيس الحكومة في الفترة السابقة.
عمليًّا يتمتع أندريه بيلوسوف بخبرة سنوات عديدة في العمل في القطاع الاقتصادي، أي في منصبه السابق في وزارة التنمية الاقتصادية، وفي الجهاز الحكومي، وفي الإدارة الرئاسية، حيث أظهر قدراته الإبداعية كخبير اقتصادي مختص على مستوى الدولة، حيث يجمع بمهارة بين مكونات السوق والتخطيط، ولذلك يعتبر أكثر خبير اقتصادي موهوب في مجال عمله، وشخص ذكي وبراغماتي للغاية، وسيتعين عليه، على ما يبدو، حل مسألة المكون الاقتصادي لوزارة الدفاع. بالإضافة إلى ذلك، فهو من المخلصين لبوتين.
بالإضافة إلى التفكير الاقتصادي، والقدرات التنظيمية، فإن وزير الدفاع الجديد يعرف كيفية تنظيم العمل، وهو أمر مهم بشكل خاص في هذه الأيام التي تخوض فيها روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا. ومما يضفي الثقة على عمله هو أنه لم تسجل أية إخفاقات في أنشطة أندريه بيلوسوف، خاصة في العامين الماضيين، اللذين كانا الأصعب على الاقتصاد بسبب العقوبات غير المسبوقة.
على هذا فإن مهمة بيلوسوف، كشخص ذو رؤية استراتيجية وتفكير تنظيمي ومتخصص في مجال الاقتصاد، هي في بناء أساس اقتصادي وبنية تحتية للجيش للقتال، ولكن على المستوى التكنولوجي المناسب، فهو ضليع في قضايا الاقتصاد العسكري، ولكن ليس لديه خبرة في قيادة وبالتالي فإنه من المتوقع أنه بعد تعيين الوزير الجديد، قد يتبع ذلك حصول تعديلات في قيادة الوزارة، بدءا من رئيس الأركان العامة (يشغل هذا المنصب جنرال الجيش فاليري غيراسيموف، الذي تم تعيينه في عام 2012 بعد وصوله).
ويعتقد بعض الخبراء أنه في الوقت نفسه، لا ينبغي توقع إجراءات حادة يمكن أن تلحق الضرر بسير العملية العسكرية الخاصة، وبالتالي فإن هذا التعيين على الرغم من الاهتمام الغربي المنقطع النظير بشأن ما يحصل لن يغير بأي حال من الأحوال في منظومة وطبيعة العمليات العسكرية، مع الإشارة إلى أن قدوم بيلوسوف يتزامن مع إنجازات عسكرية للجيش الروسي وتحقيق اختراقات استراتيجية في جبهات خاركوف، وخيرسون، وغيرها ، على الرغم من أن هذا الأمر سيبقى من اختصاص القائد الأعلى للقوات المسلحة إي الرئيس بوتين، ومن اختصاص رئيس الأركان العامة.
بالإضافة إلى معرفته العامة الممتازة بالاقتصاد العسكري، والتي لها أهمية قصوى على ما ستؤول إليه نتيجة العملية العسكرية الخاصة، يفهم بيلوسوف جيدًا بدور الابتكار العسكري، فليس من قبيل المصادفة أنه لعب مؤخرًا أحد الأدوار الرائدة في تنظيم إدخال المركبات غير المأهولة الآليات المسيرة عن بعد في العمليات العسكرية- وهذا مشروع يعادل إنشاء أسلحة نووية وتكنولوجيا الصواريخ والدفاع الجوي في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في فترة ما بعد الحرب، ولربما أن هذا الابتكار كان من بين أبرز الأسباب لتعيينه في هذا المنصب، حيث ستكون إحدى أهم مهامه إدخال التقنيات الجديدة في القوات المسلحة.
التعيينات الحكومية الأخرى
في المقابل سيحتفظ باقي الوزراء ودوائر إنفاذ القانون (رئيس وزارة حالات الطوارئ ألكسندر كورينكوف، ورئيس وزارة الداخلية فلاديمير كولوكولتسيف، ووزير العدل قسطنطين تشويتشينكو)، بالإضافة إلى وزير الخارجية سيرجي لافروف، بمناصبهم في منصبهم. مجلس الوزراء.
من المهمات الرئيسية هي تلك المتعلقة بوزارة الداخلية، فأولاً وقبل كل شيء هناك حاجة للعمل مع السكان، ومعالجة الشكاوى وشرحها، وجعلها أكثر علنية، وهو ما تفعله وزارة الدفاع بشكل أكثر حيث تخاطب الناس، وتشرح الإجراءات والخطوات، على عكس وزارة الداخلية التي فقدت التواصل مع المجتمع في الآونة الأخيرة – وهذا يحتاج إلى التجديد والتغيير ورسم السياسات الجديدة.
واقترح فلاديمير بوتين الموافقة على ألكسندر بورتنيكوف لمنصب مدير جهاز الأمن الفيدرالي، وفيكتور زولوتوف لمنصب رئيس الخدمة الفيدرالية لقوات الحرس الوطني، وديمتري كوشنيف لمنصب مدير جهاز الأمن الفيدرالي، وألكسندر لينتس لمنصب رئيس إدارة البرامج الخاصة للرئيس.
كما اقترح بوتين تعيين بوريس كوفالتشوك، رئيس لديوان المحاسبة، وهو المنصب الذي ظل شاغرا لمدة عام ونصف. حتى شهر تشرين الثاني ر 2022، شغل أليكسي كودرين هذا المنصب. وفي الظروف الحالية، يتزايد دور ديوان المحاسبة بشكل يتطلب مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المجامع الروسي.
إذ إنها الهيئة التي تراقب إيرادات ونفقات الموازنة. ومن المتوقع أن تنمو بشكل ملحوظ في السنوات المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دور تمويل الميزانية للاقتصاد ككل يتزايد بشكل ملحوظ، وبالتالي من الملح أن يعين ك شخص مسؤول وخبير في منصب رئيس ديوان المحاسبة.
المهمات الجديدة:
الآن أصبح أمام مجلس الأمن المركزي وظيفة مهمة تتمثل في تغيير سياسة الهجرة. وبالتالي يجب التعاطي بكثير من الحنكة والدقة مع سياسة الهجرة الآسيوية والقوقازية، أولاً مع الأخذ بعين الاعتبار قضايا الأزمة الأوكرانية والمشاركة النشطة لمسلمي الشيشان وداغستان وتتارستان وأبناء الجاليات الأخرى الذي حصلوا على جنسيات روسية في جبهات القتال الأوكرانية وكان لهم دور في معارك مفصلية كباخموموت، وأزوف ستال، وتشيسوف يار وغيرها، وكذلك وضعية قوات حفظ السلام الروسية في طاجكستان، وقيرغيستان، أرمينيا، وأوسيتيا وغيرها، وبالتالي المطلوب اتباع سياسة منطقية لا تسهم فعليًّا في تأجيج المشاعر والعصبيات القومية والأثنية والدينية، وخصوصُا إثر العملية الإرهابية التي جرت في كروكوس، وما تتطلبه من إجراءات صارمة في هذا المجال..