فلسطين في قلب الإبادة

فلسطين في قلب الإبادة

كاركاسون- المعطي قبال

      في الأصل كان الكتاب ثلاثة شهادات أنجزها في كل من رام الله، غزة والقدس، كل من الديبلوماسي الثقافي والناشر جيل كريمير، الصحافي كريم لبحور، والمؤلف الدرامي المسرحي محمد القاسمي. على ضوء أحداث غزة وما تشهده من رغبة إبادة الشعب الفلسطيني، قرر الناشر إعادة إصدار هذه الشهادات والتحقيقات في كتاب واحد ليكون مرآة يشهد فيها القارئ وقائع وأحداث ملازمة يومية لفلسطين ومنكتبة بأحرف نارية ودامية على تاريخها الماساوي.هذه الأحداث التي عادة ما يتم تغييبها في العلاقات السياسية والتحاليل الجيو-سياسية على قنوات الإخبار.

    في التقديم الذي وقعه الصحافي دومينيك فيدال، المتخصص في العمل الذي أنجزه وينجزه المؤرخون الإسرائليون الجدد، يشير إلى أن هناك زمن للحرب وزمن للسلم، وأنه يجب الخروج من منطق الموت وعدم النسيان بأن الحياة ممكنة بغزة، بالضفة الغربية وبإسرائيل. وفي جوانية ما هو حميمي وعن معرفة بما يقع يوميا، أنجز هؤلاء المحققون عملهم ليقفوا عند حقيقة صلبة وهي أنه لن يستقر للوضع قرار من دون الفلسطينيين. اعتقد الإسرائليون وحلفاؤهم الأمريكان، وأيضا الأوروبيون والعرب، أن «اتفاقيات أبراهام» يمكنها أن تصالح بين الإخوة الأعداء. لكن صدمة السابع من أكتوبر 2023 فجرت هذه الأوهام.

  يذكر فيدال بعنوان الكتاب «أيام هادئة بفلسطين» الذي يستشف منه بعض الاستفزاز، فيما المقصود في الحقيقة هي السخرية من واقع دموي، شن خلاله الجيش الإسرائلي على الفلسطينيين حرب إبادة اعترفت بحقيقتها ووقائعها المنظمات الدولية.

  أية حياة إذا في خضم هذه الإبادة المنهجية؟ يتساءل دومينيك فيدال. وفي سلسلة التحقيقات التي أنجزها هذا الكتاب ثمة قطيعة مع منطق الأرقام والإحصائيات والتبسيطات للحديث ببساطة عن الحياة، حياة الفلسطينيين والفلسطينيات، أحد مفاتح فهم وبناء المستقبل.

  إن حدث السابع من أكتوبر 2023 لم يكن نتيجة فراغ، بل هو نتيجة تراكم قرن من التعسفات، النهب المنظم والتقتيل الجماعي…

 في شهادته ابتداء من رام الله التي عين بها مستشارا ثقافيا عام 2004 إلى غاية 2007، كان هدف فرنسا عبر العمل الثقافي هو خلق تقارب سياسي وثيق بين العالم العربي وأوروبا، وذلك في أفق خلق ظروف كفيلة لقيام دولة فلسطينية. كانت الدولة الفلسطينية آنذاك رحى الديبلوماسية الفرنسية. لكن شتان بين الأمس واليوم، حيث عبر الرئيس ماكرون في خطابه الأخير، ومن دون مواربة، عن رفضه قيام دولة فلسطينية، بحجة أن الظروف لم تتوفر بعد. ما نستنتجه لدى قراءة تقرير المستشار الثقافي هي المفارقة الصارخة بين دينامية الثقافة الفلسطينية من فنون تشكيلية، موسيقى، سينما، هندسة.. الخ، ورغبة إسرائيل في تقويض هذا التراث الثقافي…

  اليوم رغبة إسرائيل هي وأد كل ما يمث للثقافة الفلسطينية بصلة قرب، وضرب للتقارب الفرنسي – الفلسطيني، الذي يرغب ماكرون في فصله بدوره عن روابطه التاريخية.

 أين لنا بالفرق بينه وبين شيراك، الذي انتفض في وجه الحراس منددا بالوضع الذي يعيشه الفلسطينيون؟

 من رام الله إلى غزة إلى القدس وبقية المدن الفلسطينية نفس الحصار، نفس الاستفزازات وطيش القتل العبثي والاغتيالات. إذ جعلت إسرائيل من فلسطين سجنا مسيجا بالأغلال.

بالمقابل يثني المحقق كريم لبحور على سخاء الغزاويين ورغبتهم في مقاسمة الحياة اليومية مع الأجنبي، بالرغم من أسرهم في وضعية عبثية.

  هذا ما يشدد عليه الكتاب، من خلال هذه التحقيقات التي لم تفقد راهنيتها ولا رسالتها الإنسانية والسياسية.

____________________

* أيام هادئة بفلسطين، منشورات ريفنوف. 449 صفحة.

Visited 67 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".