هل تُشكِّلُ تعزيةُ الرئيس الجزائري للعاهل المغربي عنوانا لمرحلة مغايرة قادمة؟

هل تُشكِّلُ تعزيةُ الرئيس الجزائري للعاهل المغربي عنوانا لمرحلة مغايرة قادمة؟

عبد السلام بنعيسي

     كانت عباراتٌ منتقاة بعناية تلك التي كُتبت بها البرقية التي بعث بها رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون إلى العاهل المغربي محمد السادس يعزيه بواسطتها في وفاة والدته، الأميرة لطيفة أمحزون. فلقد وصف الرئيس الجزائري الملك محمد السادس بأنه ” ملك المملكة المغربية الشقيقة”.

 إطلاق مصطلح ” شقيق” عن المغرب، من طرف الرئيس الجزائري، يبدو أمرا مثيرا وملفتا، ليس لدقة الوصف وتعبيره عن الحقيقة الثابتة المتمثلة في كون الشعبان شقيقان حقا، وتربطهما فعلا أواصر تاريخية متينة، ولكن مصدر الإثارة يتجلى في أن هذا الوصف صدر عن الرئيس الجزائري، بشكل مفاجئ من غير مقدمات، وجاء في هذه الظروف التي تتميز فيها العلاقات بين الدولتين الجارتين، بالتوتر الشديد، وبالقطيعة التامة…

لنتذكر أن الحدود مغلقة بين البلدين، وأن الطيران المغربي ممنوع من التحليق فوق السماء الجزائرية، والبواخر المغربية غير مرخص لها بالرسو في الموانئ الجزائرية، ولنتذكر أن الاتهامات بالتآمر متبادلة بين الطرفين، ولنستحضر أن وزير العدل الجزائري حين جاء في زيارة إلى المغرب، لتقديم الدعوة لحضور أشغال مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في الجزائر، رفض الجلوس لتناول مجرد كأس شاي في مقر وزارة الخارجية المغربية، وأنه اكتفى بتسليم الدعوة، وعاد مباشرة إلى بلده، في الطائرة التي كانت تُقلهُ، في رسالة بارزة تؤشر على عمق الأزمة المستفحلة في العلاقات بين الدولتين حينئذ.

ولذلك لم يكن خارجا عن المتوقع عدمُ إرسال الرئيس الجزائري تعزية إلى العاهل المغربي، فعدم إرسالها كان أمرا واردا ومنتظرا، لكن إرسال التعزية، وبهذه العبارات الرقيقة والدافئة التي تتضمنها هو ما شكّل المفاجأة الطيبة. أن يصف الرئيس الجزائري المغرب، بالبلد الشقيق، في ظل معطيات تشير إلى وجود أزمة عميقة في العلاقات المغربية الجزائرية، لعله أمرٌ يدعو إلى التفاؤل، ويخلق الانطباع لدى الشعبين بأن تطورا إيجابيا في هذه العلاقات، قد بدأت تباشيره تلوح في الأفق، وأن الخروج من النفق الذي كانت محجوزة فيه تلكم العلاقات بات أمرا محتملا، وربما واردا.

يقول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في تعزيته: ” تلقيت بأسى نبأ عودة روح والدتكم إلى خالقها وبارئها”. هذه العبارات الصادرة عن السيد عبد المجيد تبون، ليست دارجة في البرقيات التي يتبادلها الرؤساء والملوك بينهم، حيث تكون في الغالب اللغة التقريرية البسيطة والمألوفة، هي المستعملة في البرقيات والرسائل المتبادلة. فنحن أمام عبارات تتضمن نوعا من النفحات الشعرية، ” عودة روح والدتكم إلى خالقها وبارئها” عبارات بديعة ولطيفة، قد يكون الهدف من اختيارها، هو ملامسة المشاعر الحساسة لمتلقيها، ولكي تؤدي فيهم، وظيفتها التواصلية، بطريقة بليغة…

 وتابع الرئيس الجزائري في برقية التعزية قائلا: “كان لهذا الخبر المحزن الذي ألّم بكم وبالأسرة الملكية، بالغ الأثر”. مضيفا: ” فباسمي الخاص وباسم الشعب الجزائري، أتوجه لجلالتكم بأصدق التعازي”. وختم التعزية قائلا: ” كما أسأل المولى عزّ وجلّ، أن يلهمكم وكل أفراد العائلة الملكية الكريمة، جميل الصبر والسلوان لتجاوز هذه المحنة الأليمة”. لاشك في أن هذه التعزية ذات العبارات الحارة التي خصّ بها السيد عبد المجيد تبون محمد السادس، ستُخلِّفُ صدى طيبا في نفس العاهل المغربي. في هذه اللحظة الحزينة التي يواري فيها في التراب جثمان والدته رحمة الله عليها، سيكون لتعزية تبون وقعٌ محمود في نفس محمد السادس. إنها بمثابة المفاجأة السارة للملك، وهو في ” محنة أليمة” كما ورد في التعزية.

المؤكد هو أن العاهل المغربي سيرحب ببرقية التعزية التي توصل بها من الرئيس الجزائري، ولاشك في أنه سيبادر إلى الرد عليها بتحية في مستواها أو أحسن منها، ألا يحثنا ديننا الحنيف على ضرورة الرد على التحية بمثلها أو بأحسن منها؟ والمرجو هو أن يغتنم الطرفان، المغربي والجزائري هذا الحدث، وأن يحولوه إلى مناسبة، تشكل منطلقا، للعمل معا من أجل تهدئة النفوس، وتنقية الأفئدة من الأحقاد المتراكمة في الجهتين، وترطيب الأجواء وتلطيفها، والعمل معا لإعادة العلاقات بين الدولتين إلى حالتها الطبيعية.

والمقدمة لذلك، تكمن في إعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الدولتين معا من أجل وقف حملات التراشق الإعلامي، والتحريض وبث الكراهية بين الشعبين في الصحافة التابعة لهما، سواء المكتوبة أو السمعية البصرية، أو في أجهزة النت، أو مواقع التواصل الاجتماعي، فلكل دولة من الدولتين كتائبُ إلكترونية تكاد تكون وظيفتها هي نشر التغريدات وكتابة التعليقات وبث الفيديوهات والصور التي تحرض على الفرقة والعداوة بين الشعبين، لمنع تقاربهما وتصالحهما. عناصر هذه الكتائب يتعين لجمها ووقفها عند حدها لكي لا تعكر أجواء هذه التعزية وما قد يليها.

ففي ظل المخاطر الجمة المحدقة بالعالم والتي تتعاظم يوما بعد يوم، وفي ظل التنافس المحموم الجاري بين القوى العظمى على مصالحها في منطقتنا، ولسد الطريق على من يريد استغلال الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر لإذكاء نار الفتنة بينهما بغرض السيطرة الكلية عليهما، لا خيار للدولتين سوى الجلوس إلى طاولة التفاوض، إن لم يكن للحلّ العاجل للخلافات القائمة بينهما، فعلى الأقل، التخفيف من حدتها، بتنفيس الاحتقان الذي يكاد يفجرها، إعدادا لمرحلة أخرى مغايرة…

يمكن لتعزية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للعاهل المغربي محمد السادس أن تكون عنوانا لهذه المرحلة المغايرة لما سبقها من المراحل في العلاقات المغربية الجزائرية التي كانت مطبوعة بالتوجس والقطيعة. التعزيةُ فرصة يمكن استغلالها والبناء عليها للشروع في إعداد الأرضية لطي ملف الخلافات الحادة التي عمرت طويلا بين الدولتين. فهل ستسمح لهما بذلك الدولة العميقة في الجهتين؟ لعل هذا ما يتمناه كل مغربي ومغربية، وكل جزائري وجزائرية، خصوصا منهم أبناء الطبقة الشعبية التي تكتوي بنيران الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة في منطقتنا المغاربية.

Visited 28 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي