الثقافة والتنمية في البادية المغربية
متابعة: يونس شفيق
احتضنت قاعة الاجتماعات بمقر جماعة دار الشافعي (إقليم سطات) بشراكة مع المجلس الجماعي لدار الشافعي وجمعية اقرأ للنقل المدرسي، بإشراف مختبر السرديات والقلم المغربي، ندوة تحت عنوان “بني مسكين، القبيلة والمجال”، وذلك يوم السبت 29 يونيو 2024، ضمن المهرجان الثقافي التاسع. وقد افتتحت فعاليات هذا اللقاء بكلمة ترحيبية ألقاها منسق أشغال هذه الجلسة شعيب حليفي، مرحبا فيها بالحضور من فلاحين وفنانين ومثقفين وباحثين ومنتخبين وكل الساكنة، مبرزا أهمية هذا اللقاء بوصفه مناسبة للاحتفاء بالذاكرة، خصوصا وأن المنطقة تحفل بموروث ثقافي مهم بالنظر إلى رجالاتها وذاكرتها الثقافية التي تشكل مبعث فخر واعتزاز. بعد ذلك تناول الكلمة حسن الريحاني رئيس جمـاعة دار الشافعي، معبرا عن اعتزازه باحتضان فعاليات هذا اللقاء لما تكتسيه قصبة دار الشافعي من أهمية بالغة في المجال المسكيني قاطبة.
استهلت المداخلات بورقة د/ رابحة صالح عنونتها بـ “التنمية وأسسها في منطقة بني مسكين”، مفتتحة إياها بسؤال مؤداه: كيف يمكن تنمية منطقة بني مسكين؟ انبرت المتدخلة إلى استعراض الأسس والمؤهلات التي تزخر بها المنطقة، وهي أسس متنوعة: طبيعية، بشرية، جيولوجية، فنية ورياضية، مشيدة بالإنسان المسكيني في قوته وصلابته وتحديه لإكراهات المجال وضغوطه، مختتمة ورقتها بتوصيات ومناشدات تسائل كل فعاليات المجتمع المدني بالمنطقة والمجلس الجماعي والجامعات المطالبة بتشجيع الطلبة على البحث في تراث المنطقة وذاكرتها واستثمار كل ما تزخر به للتشجيع على تحقيق التنمية المستدامة، لتسدل الستار على مداخلتها بمخرجات عدة، ترتبط في عمومها بضرورة الاهتمام بالتراث المادي واللامادي بالمنطقة، والمطالبة بتنظيم معرض وطني لسلالة الصردي بالمنطقة باعتبارها أيقونة بني مسكين وعلامة بارزة لهويتها.
بعد ذلك، تناول الكلمة عبد الله أميدي معنونا مداخلته بـ” التنظيم الرعوي ببني مسكين” مستهلا إياها بمحور الإنسان والمجال، متوقفا عند أصول القبيلة وارتباطها الوثيق بدينامية الترحال، معرجا على خصوصية المجال الجغرافي وبنيته الجيولوجية وخصائصه المناخية المعتدلة شتاء والحارة صيفا، مسهبا في الوقوف على خصائص الغطاء النباتي لهذا المجال الشاسع، عبر جرد لبعض النباتات التي تشتهر بها المنطقة، وكذلك بعض الأعشاب الأخرى المثمرة، مما جعل المنطقة مجالا ملائما لتربية الأغنام والماعز. وفي هذا السياق توقف المتدخل عند بعض الدراسات الأجنبية المبكرة التي خصت المنطقة بالدراسة والنبش أمثال دراسات بول طوريس وجاك بيرك وغيرهما، هذه الدراسات التي حللت التنظيم الرعوي بالمنطقة وخصوصية نمط الترحال فيها، مستعرضا في سياق هذا الجرد دينامية الانتجاع في المجال المسكيني وبعض نظم العيش المشترك فيه، مميزا في سياق ذلك بين الانتجاع الداخلي والانتجاع الخارجي.
الورقة الاخيرة، استعرض فيها أحمد الناهي ” الظاهرة القائدية ببلاد مسكين، آل الشافعي نموذجا”، متوقفا في البداية عند مفهوم القائدية، أصوله وأدواره، مستحضرا نماذج لأسماء قائدية طبعت مغرب القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين أمثال القائد عبد السلام بن رشيد بأولاد حريز، والقايد العيادي بالرحامنة والقايد الكلاوي بالحوز…متوقفا عند منطقة بني مسكين مستعرضا الظاهرة القائدية بها، بداية بمحمد بن منصور وأبنائه، وصولا إلى آل الشافعي، مبرزا ثنائية مفصلية حكمت الظاهرة وهي ثنائية: المخزن والقبيلة، في هذا السياق توقفت الورقة عند القائد الشافعي بن الجيلالي الغزواني وابنه أحمد بن الشافعي، مبينا تفانيهما في الولاء للمخزن وسهرهما على أمن العبور بين ضفتي أم الربيع التي توزع على طول جادتها بكل معابرها، سواء في اتجاه الرحامنة أو صوب تادلة، وإشرافهما على عملية الزطاطة، من جهة أخرى استعرض المتدخل إسهام القائدين وحضورهما المؤثر في عدد من المحطات الحاسمة في تاريخ البلاد، ودفاعهما المستميت عن هيبة المخزن، مذكرا بإسهام القائد الشافعي في عقد تحالفات مع جوار القبيلة والحرص على إطعام الوافدين، وتقديم الدعم لمبعوثي السلطان، واستخلاص الضرائب لفائدة خزينة الدولة ونقل الغلات إلى دار المخزن.
وفي ختام فعاليات هذه الندوة، تم الاحتفاء بمحمد عاطر الوجه الفني والإعلامي الذي كرس جانبا مهما من مساره في مجال التعريف بالبادية المغربية، وهو مسار وصفه حليفي بميزة التطور والبحث والحرص على الهوية والوطنية من منظور يتخذ من الإضحاك والبهجة نزعة يشاطره إياها الإنسان البدوي المغربي في تحد دائم لقوى الطبيعة وإكراهاتها.