الغريق يتعلق بقشة
فهد جابر
الغريق يتعلق بقشة – هذا هو حال المواطن العربي المعادي لإسرائيل. وبسببٍ إحباطه من انتصارها الدائم، وبسبب تفوقها المدعوم غربيا، وبسبب هزيمة 1967، التي كسرت ظهر النظام العربي الذي ادعى التقدمية. فترى المواطن العربي غاضبًا شاتمًا مخونًا العرب، الذين خاضوا حروبًا غير متكافئة معها، وقد كانت مسنودة دائما بدول الغرب الاستعماري وأمريكا الامبريالية .
وللتذكير بحرب 1973 التي لم يستطع السادات أن ينتصر فيها بشكل حقيقي، حيث تدخلت قوى الغرب وضمنهم الروس، لدفعه لإجراء مفاوضات الخيمة 101، وعاد بعدها لمبادرة دراماتيكية بزيارة إسرائيل وعقد معاهدة سلام استعاد بواسطتها سيناء، مما أربك الصهيونية العالمية برمّتها، فعملوا على اغتياله بواسطة الإسلاميين. ثم أتت الحرب الأهلية في لبنان، وأتى بعدها الاجتياح الذي أنهى وجود منظمة التحرير ونفاها إلى تونس، وترك الاجتياح الإسرائيلي نواة قوة عسكرية شيعية في لبنان، قامت بنفسها بالقضاء على جبهة المقاومة الوطنية (جمول)، وعادت وخاضت حربا ضد مخيمات الفلسطينيين، موقعة أكثر من خمسة آلاف قتيل منهم .
هذا الغرب الذي كان يتدخل عسكريا لمنع انتصار العرب، فخسروا أراض وعشرات آلاف الشهداء ومئات مليارات الدولارات. مما دفعهم قسرًا لقبول قرار التقسيم الذي رفضته دولهم قديما، وأطلقوا منذ العام 2000 مبادرة (الأرض مقابل السلام)، شرط إنشاء دولة للفلسطينيين، ولو كانت أقلّ مما لحظ قرار التقسيم لعام 1948 .
كل تلك المفاوضات والسعي لحل الدولتين، أجهضه انقلاب الليكود الرافض لقيام دولة فلسطين، وأجهضته حماس التي كانت ترى في قيام دولة بمثابة انتهاء لمشروع الإخوان العالمي، الذي هدفه السيطرة على دول غرب قناة السويس، وهي مصر وتونس وليبيا والسودان، ولاحقا الجزائر، والتي مني مشروعهم الإرهابي فيها بهزيمة على يد جبهة التحرير الجزائرية الحاكمة .
لقد تأمن الدعم لحماس من قوى إقليمية طامعة ومراوغة، تختبئ خلف إعادة الخلافة وخلفيتها الإخوان وقطر وتركيا، التي أرسلت قوات مسلحة إلى ليبيا وادعت أن تلك البلاد من ممتلكاتها العثمانية. وكانت هناك أحيانًا أصابع لسلطنة عمان، تصب في نفس مشروع الهيمنة. وكلهم ينفذون السياسات الأمريكية القذرة،
بالإضافة طبعا لإيران، التي دخلت بشمّاعة فلسطين منتحلةً التشيّع. بيد أنه صفوي ينضح بحقد فارسي وسعيٍ للانتقام التاريخي من العرب. ومستغلًا قضية فلسطين ليتَمكن من إقناع جماهيرنا الصادقة بأنه هو المنقذ.
وهكذا فلوعدنا إلى التاريخ…
فكما كانت إيران مند عام 1600 م شرطيا للغرب، بدءًا من البرتغال وانتهاء بالانجليز، فساعدوها لاحتلال الأحواز العربية، ثم أميركا التي أقامت لها كل قاعدتها الصناعية في عهد الشاه، لتقف بوجه السوفييت، وبعبعًا للعرب.
وحين ضعف الشاه أزاحوه وأوصلوا الخميني. واستمروا بإطلاق يدها والتغاضي عن تهريب تكنولوجيا النووي والصواريخ والمسيرات، ومكنوها من السيطرة على العراق والتدخل في سوريا والهيمنة على لبنان وجزء من اليمن، كأذرع لها تستخدمهم لصالح مشروعها .
إن ما يحدث بين حلفاء الضرورة َوخصوم تضارب المصالح هو مرسوم مضبوط. تهدف منه أمريكا إظهار إيران قَوية قادرة وتدعمها بأسباب القوة. والإيحاء للعرب باللجوء لأمريكا لتحميهم من خطر إيران. ولقد فهمت مصر والسعودية والأردن ودول الخليج تلك اللعبة، فقاموا بربط نزاعهم معها وتعاونوا مع الصين وروسيا. لخلق توازن مقبول بينهم .
والسؤال هو: هل كانت إيران قادرة على احتلال أربع دول عربية والعبث بها دون موافقة أمريكية؟!
أي تنظيم استطاعت إيران أن تبني أذرعا لها في العراق واليمن ولبنان، انتظموا تحت سيطرتها، تم تدمير وإسقاط مقومات الدولة فيها وجرها إلى الفقر والفوضى والصراع المذهبي والديني والقومي .
وليتذكر الجميع ما حصل بعد زيارة أحمدي نجاد لمصر، عند وصول مرسي رئيسا، حين اقترح عليهم البدء بإنشاء حرس ثوري للنظام، على غرار إيران، قائلا إن الجيش النظامي لن يحمي نظامهم الإخواني، وعليهم إضعاف الجيش لصالح تشكيلات مسلحة وأحزاب تنبثق من تنظيمهم تكون هي الحامية .
إن ممارسات الإخوان في مصر ضد الجيش المصري والتآمر عليه في سيناء، وقتل العشرات منه تحت أسماء وهمية، كالتكفير والهجرة، والتخابر مع حماس وأجنحتها المتطرفة، كانت كلها عوامل حاسمة في دفع الشعب المصري للتظاهر ضد الإخوان وإمساك الجيش بالسلطة بعد اعتقال مرسي ومواجهته بالأدلة والتسجيلات التي أثبتت تآمره، وحكم عليه بسببها .
إن إسرائيل تريد إيران قوية، لكن لا تريدها نووية… وهذا هو محور الخلاف الحاصل منذ بدء الكلام عن ملفها النووي… إسرائيل لا تريد أن تكون وحدها العدو للعرب، فأوجدت إيران بالاتفاق مع أمريكا والغرب، لتكون المخفر الثاني والفزاعة التي تخيف بها العرب، مما جعل العرب يرون في إيران خطرا أعظم من خطر إسرائيل. بذلك دفعت بعضهم وستدفع الباقين للتطبيع معها. وبذلك تقترب منهم كي تقنعهم بالتقرب منها للوقوف بوجه أطماع إيران فزاعتهم .
وقد صرَّح وزير سابق حليف حتى العظم لإيران، عن حديث وزير خارجية إيران بالوكالة، وقد جاء فيه ما يلي :
لن نسمح بالهدوء حتى نحصل على كل ما نريد، حتى ولو سقط 100 ألف قتيل في هذا الصراع الوجودي لنا. (طبعا ليس فيهم فارسي واحد).
وللصادقين المؤمنين بالقضية من أهلنا وإخواننا في لبنان وفلسطين نقول:
لا تصدقوا أقوال الفرس، فتأَخُّر الرد يريدونه ردّا من لبنان واليمن والعراق…
وربما هو نتيجة مفاوضات ومباحثات لضربة تقوم بها طهران لحفظ ماء وجهها،
وكم كان ذكيا السيد نصر الله حين حشر إيران ليردوا ويدافعوا عن شرفهم بأسلوب موارب . لكنه نسي وتناسى أن هنية والحاج فؤاد لن يكونا عند إيران أهم من سليماني ومَغنية وبدر الدين.. والآلاف من أهل غزة ولبنان.
وهنا يصح قول المثل القديم :الحِمْلُ بحال والجَمَّالُ بحال .
ولا شك أن إيران تستغل بطولة شبابنا، ودماء شهدائنا، وهدفها كليا بعيدا عن أهدافنا، فلا القدس تعنيهم ولا فلسطين..
إن الأنظار مشدودة اليوم لمعرفة إلى أين ستؤول الأمور في المرحلة المقبلة .
فلا تنتظروا (الدبس من.. النمس).