متحرِّشو سياج الفندق
سعيد بوخليط
تواجد الفندق عند زاوية إحدى الشوارع الرئيسة في مدينة مراكش، اعتُبِر قبلة لسيُّاح قدموا من مختلف أنحاء العالم وليس فقط جغرافية معينة كما الحال بالنسبة لفنادق أخرى، مما حوله إلى ملتقى هويات عدَّة، جعلت منظومة اللقيا الفسيفسائية داخله ثريَّة للغاية.
أحاط بطوبوغرافيا الفندق المترامية مساحتها بكيفية ملحوظة من أوَّل وهلة، سياج مُلَوْلَب متراخية أوصاله دون اجتهاد إضافي، بحيث لا يدثِّره حجاب معين أو تنميق يذكر بخصوص منظومة المراقبة، مادامت الحاجة إلى ذلك لم تكن ملحَّة أو بالكاد حاضرة، لأنَّ فترة سياق استدعاء ذكرى هذا الحديث، اتَّسمت خلاله مراكش تماما بالبساطة والطمأنينة والرحابة والعمق والثراء الروحي والإنساني، لذلك كانت حماية الفندق مثل باقي الفضاءات العامة على سجيتها وطبيعتها؛ بغير ارتياب زائد أو حسٍّ متأهِّبٍ.
سياج يحدِّد صوريا الإطار المكاني للفندق، لكنه فعليا لا يواري حرفيا ما يجري وسطه بل يكشف تماما للعلن؛ خاصة للعابر الفضولي، تفاصيل ساحة الفندق التي يشغلها حوض مسبح كبير إلى حد ما، لذلك استدرج دائما زبناء من خارج الفندق رغم تكلفة التذكرة لقضاء يوم واحد غطسا في الماء فقط دون وجبات، ابتداء من أولى أسابيع الصيف غاية آخر شهر سبتمبر، بعدها يتراجع عنفوان موسم السياحة، لكن يمكن تعويض ذلك بالعودة متى أمكن قصد ارتشاف فنجان قهوة أمام صفو الماء الحالم صحبة السكون على صوت موسيقى هادئة.
إذن، اشتهر الفندق بمعلَمة هذا المسبح، الذي يتيح للأشخاص القادرين على توفير هامش مادي، إمكانية الاسترخاء بجواره صيفا وشتاء، وفق وتيرة متواصلة، بالارتماء في حوضه المنعش بهدف تخفيف لهيب الحرارة، أو الجلوس بمحاذاته شتاء.
طبعا، خلال فترة الصيف، يكون الصخب والضجيج سيَّد الموقف، نتيجة اكتظاظ المسبح بأجيال وأذواق وهويات مختلفة، حيث الهرج والمرج بامتياز، تجعل المسبح أبعد عن حوض مائي للهروب لحظيا إلى الذات، مثلما يفترض، وأقرب إلى شاطئ عمومي مكتظٍّ بلا جمالية أو أدنى حدود للخصوصية.
عموما، هي إشارات تبقى متجاوَزَة، قياسا لأخرى في غاية الغرابة، يصعب على أصحاب العقول السليمة والنفسيات المتوازنة، تصوُّر إمكان حدوثها علانية بتلك الطريقة على أرض الواقع، لأنها تحيل أولا وأخيرا على سيناريوهات ذات منحى كوميدي بممثِّلين إباحيين غير مكترثين قط سوى لإلحاح شهوتهم وجموح أجهزتهم.
كل صباح، وبعد تناولهم وجبة الفطور، يبدأ نزلاء الفندق في الالتحاق بالمسبح، وقد هيَّأ لهم المستخدمون الأجواء اللازمة. مع تقدُّم ساعات اليوم، وتوسُّط الشمس كبد السماء، يصير المسبح في أوج نشاطه، تؤثِّثه نساء من شتى الأطياف والأعمار، يكمن الاختلاف بينهن في كيفية ارتدائهن ملابس السباحة وطريقتها ثم طبيعة الحدود والمسافات التي تأخذها حيال حساسية جوانب أجسادهن المثيرة، بناء على هندسات متباينة حسب رؤى كل واحدة لجدلتي المحظور ثم الجائز.
تمتلئ أركان المسبح، يتركَّز المشهد العام كلية على حضور النساء، لأنَّ صيحات أجسادهن ستشكِّل سببا كافيا لتجمُّع ذكوري بدوره متباين الحالات والأشكال والعدد، يكمن الجامع بين مكوناته التقاط موجات نداء اللذة الأثيري، النابع مجانا وبيد ممدودة من قلب الفندق.
هكذا، يرابط خلف سياج الفندق، عدد من المستجيبين للنِّداء وقد تقاطروا من أحياء مختلفة، اتفقوا ضمنيا أو فعليا على ارتداء ألبسة تقليدية فضفاضة أساسا أقمصة تراثية و الأنكى جلابيب شتوية صوفية للمفارقة في عزِّ لهيب الصيف، كي يحظوا بمتعة لحظات تلصُّصهم، واختلاسهم النظر، وهم يتابعون في خضمِّ غيبوبة إيروسية تحرُّشا افتراضيا بأجساد طريَّة، لا قِبَل لهم بها، ممتلئة حياة وشهوة، قادمة من غياهب جليد الشمال، زاخرة بكل معاني الرَّخاء الأوروبي وفيض مكامن اللذة والرغبة، حيث سياق أوروبا المرتبط بسياق حديثي هذا، يعود إلى حقبة اطمئنانها وقد انبلجت ثانية على أنقاض تداعيات سقوط الاتحاد السوفياتي بداية التسعينات، والتئام شملها مرة أخرى بعد كوابيس الحرب الباردة، تحاول التعافي من مخلفات تلك العقود الطويلة المرتبط مصيرها الوجودي بقرار مزاجي للزّرِّ النووي. هي الآن، مسترخية، تتقلَّب تحت سخونة حرارة شمس الجنوب، عطشى لتوقُّد أهل الجنوب.
يتسارع رواد سياج الفندق، صوب الوجهة المعلومة، تحديدا أكثر الزوايا استراتجية واستشرافا دقيقا لتفاصيل المسبح، قصد تحقيق مستوى أكبر من الارتدادات الشهوانية على المتلصِّص وزيادة مفعولها الايجابي، ومن جهة أخرى جعل موقع الرؤيا أكثر أمانا واختباء، من فضول بعض المارَّة وتعليقاتهم المستغرِبة أو المستنكرة وكذا الساخرة في أفضل تـأويلاتها، لاسيما وأنَّ حكاية هؤلاء المطارِدين للمتعة خلف سياج، مع تزايد نسب أعدادهم واحتشادهم بطريقة مريبة دون سبب يذكر خلف سور فندق أضحت موضوعا خضبا لجلسات المقاهي.
يصطفُّ الواحد بجانب الثاني، وأحيانا يتكدَّس أكثر من واحد عند ذات النقطة،بألبسة رحبة وفسيحة كي تخفي كفاية ماستفعله أياديهم جيئة وذهابا بأعضائهم التناسلية في تنافس وتسابق مع الزمان، بخصوص سبر أغوار المسبح، ومدى قدرة كل واحد منهم على إغناء وإثراء الشبق بما يقدر عليه من ملاذات الخيال المحلِّقة.