لبنان ما بين الحرب والفساد
د. اليان سركيس
يعيش لبنان واحدة من أصعب الفترات في تاريخه الحديث، حيث تترنح البلاد تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية متفاقمة. في خضم هذه الفوضى، بات من الصعب تصور كيف يمكن للطبقة السياسية الفاسدة التي نهبت المال العام وسرقت أموال المودعين أن تؤتمن على قيادة البلاد نحو بر الأمان. إن النتيجة الحتمية لمثل هذا النظام المنهار، مهما كانت نتائج الانتخابات، هي استمرار الفساد وتفاقم معاناة الشعب الذي بات مقهورًا بلا حول ولا قوة ومهدد بحرب تأكل ما تبقى من الأخضر واليابس مع استعراضات القوة في حرب مشاغلة لن تودي إلا الى الدمار والخراب لا إلى انتصارات مزعومة في الخطابات السياسية لمن ادعى في حرب العام 2006 إنه “لم يكن يعلم”.
لا يمكن لأي نظام فاسد أن يحقق الاستقرار والازدهار. الفساد ليس مجرد مسألة أخلاقية أو قانونية، إنه سرطان يأكل مؤسسات الدولة من الداخل، يقوض الثقة في النظام ويمنع أي تقدم حقيقي. في لبنان، أصبحت اليرقات السياسية التي نمت وترعرعت في كنف هذا الفساد هي الحاكم الفعلي، وهي التي قادت البلاد إلى هذا المنحدر الخطير.
الانتخابات، التي تُعتبر في الأنظمة الديموقراطية وسيلة لتغيير السلطة ومحاسبة المسؤولين، لم تعد في لبنان سوى مسرحية هزلية. تتغير الأسماء ولكن المنظومة نفسها تبقى، معادية لمصالح الشعب ومصممة على حماية مصالحها الذاتية بأي ثمن. هذه المنظومة، التي ترتكب كل يوم جريمة جديدة بحق اللبنانيين، لا يمكن أن تكون الحامي لمصالحهم أو الضامن لمستقبلهم.
لقد بلغ الشعب اللبناني مرحلة من القهر واليأس تجعل من الصعب تصور أي أمل في تغيير حقيقي. فالأزمات المتراكمة – من انهيار العملة الوطنية إلى فقدان الثقة في القطاع المصرفي وصولاً إلى الشلل الحكومي – لم تترك للبنانيين إلا شعورًا بالعجز والخذلان. الشعب الذي كان يأمل يومًا في نهضة وطنية حقيقية بات اليوم محاصرًا بين مطرقة الفقر وسندان الفساد.
في ظل هذه الظروف، يبرز السؤال الحتمي: هل من أمل في التغيير؟ هل يمكن للبنانيين أن يثقوا مجددًا في أي عملية سياسية تأتي بها هذه المنظومة الفاسدة؟
الجواب على هذا السؤال طبعا لا والف لا ويطبق على الجميع بدون استثناء مع الحصرية الكاملة في الوقت الحالي لجبهة الممانعة وحلفائهم هم المعطلون والمعضلة العصيبة للتوصل إلى الحلول المرجوة سريعا ، لكنه كل هذا بالتأكيد يستدعي نظرة عميقة إلى حقيقة الوضع. فالتغيير الحقيقي لن يأتي من صناديق الاقتراع وحدها لاننا نعرف جيدا كيف تطبخ خلف الكواليس، ولكن الحل الوحيد ياتي من إرادة شعبية صارمة تتحدى هذه المنظومة وتطالب بمحاسبتها.
في النهاية، يبقى الأمل في قدرة الشعب اللبناني على الصمود وحده، حتى في أحلك الظروف. لكن هذا الصمود يجب أن يكون مقرونًا بالوعي والحذر، فلا يمكن السماح لمن سرقوا البلاد بأن يستمروا في قيادة دفتها. المعركة ليست سهلة، ولكنها معركة مصيرية من أجل إنقاذ لبنان من براثن الفساد واستعادة كرامة شعبه وحقه في حياة كريمة.