بين الرمزية اللغوية والقيم الروحية: قراءة في مصطلح “نزف لكم الشهيد'”

بين الرمزية اللغوية والقيم الروحية: قراءة في مصطلح “نزف لكم الشهيد'”
د. اليان سركيس
       عندما نقول “نزف لكم”.. نستخدم هذه العبارة تُستَعمَل عادة في المناسبات السعيدة، مثل الزفاف للعريس أو العروس أو الخطوبة، أو نجاح أو دبلوم أو غيره،  أو عبارة “مبروك” في اللغة العامة، أما الإعلان عن زف شخص قد توفى أو استشهد يعني يعبر بهذا الحدث المحزن عن سروره للموت، وهذا من المستغرب أن نفهمه، وخاصة للناس الذين يحبون الحياة ومتعلقون بحبالها حتى آخر لحظة، فقد يبدو اعتبار زف الأموات لهم استخدامًا ساخرًا أو متناقض للغة المتناولة.
 
 ولكن إذا تعمقنا في السياق الثقافي والديني الذي تأتي منه هذه العبارة، نلاحظ أن الموضوع يتجاوز مجرد الكلمات ويصل إلى مفهوم أعمق يتعلق بالمعاني الروحية والاجتماعية.
 
الموت في سبيل القيم والمعتقدات في بعض الثقافات، وخاصة في المجتمعات الأكثر متدينة، حتى الراديكالية التي تعطي أهمية كبيرة للشهادة. 
 
هذه الثقافة تعتبر الاستشهاد حالة من أقصى درجات الشرف والكرامة والشهامة ، حيث يُنظر إلى الشهيد على أنه شخص قد ضحى بحياته من أجل قضية أكبر من ذاته، سواء كانت دينية، أي الولاء والبراء للمطلق، دون سؤال إلى الفردوس الأعلى أو من بالوكالة عنه على الأرض بأشخاص فاعلين قادرين على ما يسمى غسل الدماغ. 
 
وغيرها إن كانت وطنية بالدفاع عن الوطن بشكل اختياري ومنظم  أو إنسانية، ولكن هذه الحالات نادرة جدا،  إلا في حالات نفسية صعبة . 
 
في هذا السياق، الأول يُرى موت الشهيد كنوع من “الزفاف” الروحي إلى الحياة الأبدية، أو كتحقيق للخلود من خلال تضحيته لتحقيق الحلم الحقيقي، أي الوصول إلى هدفه المنشود الفردوس الأعلى عن قناعة وإيمان تام.
 
هذه اللغة انها كوسيلة للتعبير عن بعض القيم التي تعكس ثقافية اجتماعية ممكن أن تكون خطيرة جدا للمجتمع، إذا استمرّ انتشارها لنقل مشاعر ومعانٍ قد لا تكون واضحة على الفور للكثير من الأشخاص، ولكن للغير تنقل مشاعر الفخر والتقدير للذين ضحوا بحياتهم من قضية ممكن أن تكون محلا للنقاش العميق وعدم فهمها عند ثقافة أخرى، لأن الله أعطانا الحياة وعلينا عدم التفريط بها تحت أي تأثير أو ظرف. 
 
التفسير الآخر، هناك الحالة النفسية للمجتمع في المجتمعات التي تعاني من الصراعات المستمرة، قد تتغير النظرة للموت لأن هؤلاء الأشخاص لا يرون أي فسحة أمل أمامهم إلا الموت وقد يكون الموت أو الاستشهاد، الخلاص صراعات الحياة وقساوتها. حيث قد يكون للموت معنى آخر غير الفقدان والحزن فقط، مثل الأمل في تغيير الوضع أو تحقيق العدالة. في هذه الحالة، يمكن أن يكون إعلان استشهاد أحدهم بطريقة مشابهة للإعلان عن مناسبة سعيدة تعبيرًا عن العزاء الجماعي والاعتزاز بالعمل الذي قام به الشهيد.
 
التناقض الظاهري والعمق الروحي بينما قد يبدو التعبير وكأنه يحمل تناقضًا، إلا أنه يعبر عن رؤية أعمق للحياة والموت. فالموت، من منظور روحي، قد لا يكون نهاية، بل بداية لشيء جديد. وهذا يفسر كيف يمكن أن يكون إعلان الموت حالة من السرور والحرية لبعض الناس.
 
الإبداع اللغوي والتعبير عن الألم تطوير هذا الموضوع يمكن أن يشمل تحليل الأبعاد اللغوية والنفسية لهذه العبارات، وكيفية استخدام اللغة للتعبير عن الألم والتضحية وفي نفس الوقت، للبحث عن السكينة والطمأنينة في الفقدان.
 
Visited 40 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

إليان سركيس

ناشط سياسي لبناني