التسوية السياسية للجبهة اللبنانية قبل ملف الرئاسة
أحمد مطر
مع ارتفاع منسوب التصعيد العسكري على الجبهة الجنوبية، تنفي مصادر ديبلوماسية حصول أي تبدل في أولويات الإدارة الأميركية، لتقديم اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، قبل إنهاء التوتر والاشتباكات الدائرة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، والتوصل إلى اتفاق نهائي لاستتباب الأمن وإرساء الاستقرار في المنطقة الحدودية للجنوب اللبناني، تمهيدا لتمكين السكان المدنيين من جانبي الحدود، العودة إلى مساكنهم وقراهم.
وتؤكد المصادر إلى أن تقديم اهتمام الديبلوماسية الأميركية لمعالجة الأوضاع جنوبا قبل إتمام إجراء الانتخابات الرئاسية، ينطلق من خطورة الأوضاع السائدة هناك، جراء استمرار الاشتباكات المسلحة جنوباً والخشية من تدهورها نحو الأسوأ، بعد تعثر التوصل إلى صفقة التبادل بين حركة حماس وإسرائيل في غزة وإنهاء الحرب الحاصلة هناك، وتباطؤ الديبلوماسية في التوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل لوقف إطلاق النار، بالرغم من المساعي والجهود الديبلوماسية التي قام بها المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين بين البلدين طوال الأشهر الماضية، لاسيما مع اقتراب موعد مرور عام كامل على اندلاع المواجهات العسكرية، وما نتج عنها من تهجير متبادل للسكان المدنيين على جانبي الحدود.
وركزت المصادر على أن تسهيل واشنطن التجديد لليونيفيل جنوباً، يصب في خانة إعطاء دفع للعمل الديبلوماسي، لتهدئة الأوضاع جنوبا والتوصل إلى اتفاق نهائي بين لبنان وإسرائيل والتزام الأطراف المعنيين، بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701، وهذا هدف أساس للإدارة الاميركية، وهي مستمرة في مساعيها لتحقيقه، وتُجري اتصالات مستمرة مع سائرالاطراف، لتفادي التصعيد وضبط النفس، وإعطاء فرصة للديبلوماسية للوصول إلى الاتفاق المنشود، بالرغم من العقبات التي ماتزال تعترض ذلك، وفي حال تم التوصل إلى هذا الاتفاق، سينتج عنه حلحلة سياسية في الداخل اللبناني، ومن خلالها يمكن التحرك للمساعدة على حل أزمة الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس للجمهورية، بالتعاون مع جميع الأطراف المعنيين.
وتعتبر أنه إذا بقيت المواجهة العسكرية مستمرة جنوباً، والتوتر متواصلاً، ستستمر الاوضاع السياسية الداخلية مشدودة، وتتأثر سلباً وبالتالي يصعب معها مقاربة الملف الرئاسي، وتقريب وجهات نظر الأطراف السياسيين من بعضهم البعض، والتقدم باتجاه الاتفاق المطلوب لانتخاب رئيس للجمهورية.
وتشير المصادر الديبلوماسية إلى أن الإدارة الأميركية تتواصل مع باقي أعضاء اللجنة الخماسية، لتنسيق المواقف، وإجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة، مع الأطراف السياسيين بالداخل، وهناك تلاقٍ في وجهات النظر بأن معالجة الوضع في الجنوب ضرورية وملحة، لتفادي انفجار واسع يلوح بالافق، وهناك قناعة لدى أعضاء اللجنة، بأن الخيار الديبلوماسي هو السبيل الوحيد لحل المشكل القائم بالمنطقة.
أي تقييم للأمور الحاصلة على الساحة اللبنانية وما ينتج عنها من عوامل قد تفضي إلى دمار ما تبقى من مؤسسات في الجمهورية اللبنانية يبقى يتيماً في ظل انعدام الرؤية لدى من هم في سدّة المسؤولية، فالواضح أن هذه الطبقة السياسية عاجزة تماماً عن القيام بأي مبادرة والدليل ما قاله دولة رئيس مجلس الوزراء في الأشهر الماضية عن عجزه في إيقاف الحرب أو الاعتداء على لبنان، نعم يعجز لأن حكومته ليستْ اللاعب الوحيد على المسرح السياسي اللبناني، بل هي مجرد مجموعة من الوزراء المتناحرين المقسومين والمرتهنين لأمراء الطوائف. وعطفاً على ذلك مواقف القادة الروحيين والذين يدعون العفّة السياسية أفعالهم تثير العديد من التساؤلات لأنها فعلاً غير بريئة وإن جاءت بلبوس ديمقراطي أو المطالبة بتطبيق الدستور، ولكنها لزوم ما لا يلزم لأنها أفسدت ما هو فاسد ولم تنتج .
ساسة الأمر الواقع يسرحون ويمرحون ويتطفّلون على مواقع القرار ويدعون أنهم أتقياء سياسة، بينما هم مجرد طبقة سياسية فاسدة نقيض الحياة الديمقراطية، والانتخابات على قادة القانون المعمول به ما كانت إلّا كذبة كبيرة وانسلاخ عن واقع الرأي العام، وبات مجلس النوّاب مظلّة لمخالفة القوانين من قبل كل الأطراف السياسية. بينما الحياة الديمقراطية تستدعي مجلساً نيابيّاً وحكماً نزيهاً قائماً على الثوابت الوطنية وهذا الأمر يتناقض مع عمل كل من الحكومة ومجلس النواب.، إن هذه الأفعال تخفي في طياتها أهدافاً لأجندة غريبة وبعيدة كل البُعد عن الدستور اللبناني والنظام الديمقراطي.
الوضع السياسي السيء ووجود ساسة يحملون الطابع السيء أمران خطران على الجمهورية وعلى الشعب اللبناني، وخصوصاً على المؤسسات الرسمية وعلى الجيل الشبابي، ومن المستحيل أن نبقى تحت راية هؤلاء الساسة الذين ينتهجون نهج العمالة السياسية، وهذا أمر خطير يهدد الكيان اللبناني، ووفقاً لعلم السياسة نحن بحاجة لثقافة سياسية على أن تكون جزءاً من بيئة سياسية نظيفة نزيهة تُحْدِث سلوكاً سياسياً بين رجال السياسة والنظم السياسية للاستقرار السياسي، الأمني في لبنان والعالم العربي والدولي.
على كل مراكز الأبحاث في لبنان وبالتعاون مع المراكز العربية والدولية أن تتوصل إلى منظومة سياسية تُسهم في تحقيق الاستقرار السياسي، والحيلولة دون وقوع الاضطرابات وتجيير السيادة وتعكير السلم الأهلي الإقليمي، الدولي، ومَنْ باستطاعته لعب هذا الدور مجموعة سياسية – أمنية – اقتصادية، اجتماعية تحمل مشروعاً سياسياً وطنياً يستظل تطبيق وثيقة الوفاق الوطني والقرارات الدولية: 1559، 1680، 1701 حيث يكون لها دوراً مهماً في التأثير على الاستقرار السياسي، ويتمثل ذلك بقيام نظام انتقالي لمدة محددة يعمل على تطبيق ما أدرجناه أعلاه، علماً أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية أمر غير مرتاح مرحليا بسبب سوء الوضع السياسي والساسة السيئين، حيث يبقى النظام الانتقالي المدخل لإعادة انتظام المؤسسات. هل من يعي خطورة ما يحصل ويستفيق من هذا الدرك.
ختامًا الوضع في لبنان أصبح مأزوماً ومهزوزاً على كافة المستويات السياسية، الأمنية، الاقتصادية، المالية الاجتماعية، كما إننا بتنا نفتقر إلى القيم والمبادئ الوطنية والتعاطي السياسي الواقعي، وباتت العمالة للغريب سيدة الموقف، لا بل هي الطاغية على كل الحلول. الظاهـر جلياً أن هناك طرفا بمواكبة إقليمية وبمعيّة أطراف لبنانيين يلعبون بمصير الجمهورية اللبنانية وحوّلوها إلى جهنم مستعرة ونيرانهم أحرقتْ الأخضر واليابس وعلى ما يبدو الإنقاذ بعيد جداً.
Visited 45 times, 1 visit(s) today