الاحتفالية: ظاهرة الجماعات وثقافة البيانات

الاحتفالية: ظاهرة الجماعات وثقافة البيانات

د. عبدالكريم برشيد

فاتحة الكلام
       وجاء المسرح الاحتفالي. وكان نقطة فاصلة في التاريخ. نقطة افترق فيها مسرحان مختلفان لحد القطيعة. وكان الإعلان عن بيان المسرح الاحتفالي في ربيع سنة 1976 بمثابة بيان لإعلان الحرب. هكذا أرادها المسرحيون والنقاد الذين اهتزت الأرض تحت أقدامهم. ووجدوا أنفسهم أمام ذلك الجديد المفزع والمرعب. ولم يكن ذلك الجديد سوى أفكار فقط. مختلفة ومخالفة بكل تاكيد. ولكنها هادئة ورصينة وعاقلة. ومع ذلك. فقد اشتعلت تلك الحرب. التي لم يكن لها ما يبررها. والتي كان من الممكن أن تظل في حدود الاختلاف بين الكائن والممكن، وبين الجمود على الموجود والتبشير بالممكن الوجود،ّ ولقد جاء ظهور جماعة المسرح الاحتفالي مصحوبا بكثير من الصجيج والصخب. ومطوقا بكثير من المواقف والمواقف المضادة. ومصحوبا بكثير من الإشاعات ومن الاتهامات ومن التفسيرات ومن التحليلات ومن التاويلات ومن التحذيرات. ومن التصنيفات ومن المزادات والمضايقات..
نحن اخترنا مسرحنا. ومن خلال هذا المسرح اخترنا موقعنا على خرائط الوجود وعلى خراىط الحياة وعلى خرائط التاريخ. ولقد قلنا وكتبنا بأن هذه الاحتفالية ليست اكتشافا وليست اختراعا. ولقد ميزنا، في أدبياتنا، بين الاحتفالية البائدة. والتي يمثلها المسرح اليوناني القديم. برؤيته المأساوية. وتمثلها مسارح الشرق القديم. والتي هي طقوس وشعائر دينية أكثر منها احتفاليات إنسانية واجتماعية شعبية. هي احتفاليات تنتمي إلى مجتمعات زراعية ورعوية قديمة. يحضر فيها المقدس. ويحضر فيها الغيبي. ويحضر فيها الاسطوري. وبخلاف هذا فإن احتفاليتنا الجديدة أو المتجددة لا علاقة لها بالمسرح الطقوسي والكهنوتي. لأنها فعل إنساني يومي له علاقة بأفراح الناس وبأعيادهم البسيطة. ولهذا فقد أكد الاحتفالي على أن هذا المسرح الاحتفالي الجديد (قد نشأ ابتداء من عصر التنوير ومع بداية عصر العقل والإنسان. وتعزز بالثورة الفرنسية وبالثورة الدينية في أوربا ودعوة جان جاك روسو إلى انتزاع الاحتفال المسرحي من الآلهة ومن الكنيسة ومن النبلاء ومن الإقطاع. ورده إلى الناس الأحياء الشعبين. ولقد ظهرت هذه الجديدة مع أنطونان أرطو وجان فيلار وغيرهما، حيث تمت العودة إلى أعياد الناس الشعبية.. وهذا كل ما في الأمر.
 
نحن والحلم الاحتفالي
    وداخل تلك الحرب. الغريبة والعجيبة. والمعلنة من جانب واحد فقط، ظل الاحتفالي محافظا على قناعته. ومحافظا على هدوئه. وظل متمسكا بقدسية حريته. وفي كتاب (المؤذنون في مالطة) والذي صدر سنة1999 عن منشورات الزمن – كتاب الجيب – نجد صوتا من داخل جماعة المسرح الاحتفالي يقول:
(وفي موقفي الاحتفالي.. أحتفظ بحريتي دائما، في أن أرى الجميع. وأن يراني الجميع، وأن أكون حيث ينبغي أن اكون، ويكفيني أن أمتلك كلمتي. وأمتلك حروفي وعباراتي ومواقفي، وأمتلك رؤيتي الصادقة والشفافة والمتجددة.
إنني أفهم السياسة. كما يفهمها الإنسان الشعبي البسيط في بلدي. وفي كل البلدان كذلك. فهي عنده – وعندي أيضا – تفيد التاني والتسامح والرصانة. وتفيد الحكمة وبعد النظر).
لقد سعى البعض إلى جر الاحتفالية إلى فضاء السياسة. وبالتحديد إلى مستنقعها الحزبي، الضيق والمحدود. والذي يقوم على اختصار كل الجهات في جهتين اثنتين. اليمين واليسار فقط. وعلى اختصار كل الإنسانية في رجلين اثنين. أحدهما تقدمي وتنويري والثاني تخلفي أو رجعي أو ظلامي.. ولقد اختاروا لنا أن نكون نحن في الخانة الثانية مع المتخلفين ومع الرجعيين ومع الضالين المضلين.
بعض الناس من أهل العلم والفن سألونا. هل هذه الاحتفالية منهجية مسرحية خالصة. وقلنا لهم بل الاحتفالية فلسفة حياة قبل أن تكون منهجا في التمثيل المسرحي. وهي قبل أن تطرح سؤال. كيف نمثل في فن المسرح، فإنها تطرح سؤال الوجود في الوجود وتطرح سؤال الهوية (وهي تربط التمثيل بالمجتمع ككل. وبالوجزد الإنساني العام. وليس بتلك الرقعة الضيقة والمحدودة التي تسمى المسرح.
إن الشيء الأساس في الاحتفالية هو كيف نحيا الحياة بشكل صادق وحقيقي وحيوي، وهو كيف نعيش اللحظة الحية. وذلك في عمرها الداخلي باتجاه الأحلام والأوهام والأساطير، وفي امتداداتها الخارجية، وذلك باتجاه الماضي والمستقبل وباتجاه الكائن والممكن والمحال). هكذا تحدث الاحتفالي في (الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الثاني.
وفي ذلك الزمن اامعطوب. سياسيا وفكريا. انحاز الاحتفالي إلى الحلم الإنساني الجميل والنبيل. رافضا الشعوبية والشعبوية والفئوية والقبلية والعشائرية والحزببة . وأمن بالحلم، وبالحق في الحلم. وكفر بكل أوهام كثير من الزعماء ومن القياديين ومن العرافين الذين لا يعرفون شيئا، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي:
(إنني أحلم. مثل كل الناس. ولكن بأعين مفتوحة، والحلم عندي مجال آخر لتعميق وعيي بذاتي وبالآخر وبالعالم، وتنتابني نوبات الغضب – حينا بعد حين – وإنني لا أحرص على أي شيء آخر أكثر من حرصي على أن يكون هذا الغضب رصينا ومتزنا ومتوازنا، وأن ينزل على نفسي بردا وسلاما، كما أنني لا أبارك الهدم. إلا إذا كان بناء. أو وعدا حقيقيا بالبناء والتشييد).
وأسألكم. هل سبق أن رأيتم أو سمعتم يوما عن حلم جماعي بسعة الحياة وبسعة التاريخ؟
هو حلم يغطي نصف قرن من الزمان. ليس من الغياب والغيبوبة، ولا من النوم والعطالة، ولكن من اليقظة ومن الجد والاجتهاد ومن التجريب ومن البحث ومن السؤال والتساؤل ومن التصدي ومن الصمود ومن الإصرار على الوجود وعلى الحضور وعلى الحق في الاختلاف؟
وبخصوص هذا الحلم نقرأ في (البيان الثاني لجماعة المسرح الاحـتفالي- تطوان 1980) ما يلي:
(إننا نحلم حقا، ولكن ليس كافراد، ولكن كجماعة متماسكة، نحلم جهرا وليس همسا، ونحلم واقفين وباعين وعقول مفتوحة، ولقد أكد التاريخ أنه عندما تحلم الجماعة، فإنه لابد أن يتغير التاريخ، هذا الحلم ليس حركة باطنية. تعيش وتموت بالداخل، وذلك من خلال صور ذهنية فقط، ولكنه – في حقيقته وجوهره – تجاوب وتفاعل بين التصور الباطني – النفسي والذهني – وبين الواقع الخارجي).
تلك قناعتنا إذن. إنه عندما تقكر الجماعة. فإنه لا يمكن أن يكون تفكيرها إلا تفكيرا جادا وجديدا ومجددا. والله مع الجماعة كما يقول الناس. وفي الاجتماع عنف وقوة وصدق ومصداقية بكل تاكيد، ولقد راهن الاحتفالي دائما. فردا وجماعة. على الثابت. وعلى الدائم، وعلى الصادق. في الناس والأشياء. وفي الكلمات والعبارات أيضا. وفي الأسماء والمصطلحات وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي:
(كما إنني لست من عشاق الشعارات. ولا يستهويني اللعب بالكلمات. وأرى أن الشعار في السياسة ما هو إلا محاولة يائسة لتبسيط المركب واختزال ما لا يقبل الاختصار والاختزال).
(القلب يوجد في اليسار) ذلك هو الشعار الذي أطلقه الحزب الاشتراكي الفرنسي في الانتخابات الرئاسية الماضية – زمن ميتران -: وهو شعار ناجح بكل تأكيد. ولكنه غير حقيقي، وذلك لأن القلب يوجد في المركز. ومنه تخرج الدماء وإليه تعود. ومنه تواصل دورتها المنجددة).
وإنني أنا الاحتفالي. أهتم بالشأن العام. وعن هذا الاهتمام المشروع والمباح والمتاح. وجدت من يقول بأنه سياسة، وفي هذه السياسة التي اختارتني ولم اخترها. فإنني (لست يمينيا ولا يساريا، ولست حداثيا ولا محافظا، ولست عدميا ولا فوضويا، ولست محترفا ولا هاويا. ولست مغامرا ولا مقامرا. وبحمد الله فإنني لا أومن بالمقولة الشعبية المشهورة (ربحة ولا ذبحة)، ولست من الذين (يتوقعون) أن تصاب البلاد. وفي أية لحظة بالسكتة القاتلة. ولا من الذين ينتظرون قيام الساعة. وينتظرون أن تغرق البلاد كما غرقت باخرة التيتانيك في عرض المحيط الأطلسي).
وإنني أومن بالتناوب. كما هو في الطبيعة بين الفصول. وكما هو في الحياة بين الأجيال المتعاقبة. وكما هو في مجال الأفكار القديمة والأفكار الجديدة. وعندما انتقل هذا التناوب إلى المجال السياسي في المغرب كنت من المرعبين به. لأن الاحتفالي والاحتفالية ضد الاحتكار ولقد قلت وكتبت يومها: (إنني أبارك هذا التناوب السياسي، وأتمنى أن يرافقه تناوب في مجال السلطة الثقافية، وفي كل المجالات الأخرى الكائنة والممكنة).
 
مسرح يؤسس ثقافة الاختلاف
    والاحتفالية تعبر عن رأيها وعن رؤيتها. وتحترم رأي الآخرين. وتحترم رؤيتهم. وترى أن التعدد حق من أهم الحقوق. وأنه في هذا التعدد يقيم الغنى الفكري وبقيم الغنى الحضاري. وأن من حق الجميع أن يحلم. كما حلم الاحتفالي. كما أن من حقه أن يقترح مسرحه الذي يشببه. ولقد الاحتفالي وحلما بدرجة مسرح. واختار مسرحا بسعة الواقع وبسعة التاريخ وبسعة الوجود.
وأجمل شيءٍ، أو أصدق شيء بالنسبة للاحتفالي، هو أن يكون هذا الحلم الجماعي فعلا تأسيسيا. وأن يخرج للوجود تاريخا جديدا. وبالنسبة للاحتفالي (دائما) فإنه لا شيء أجمل من فعل التأسيس إلا ما يضاعفه أو يتجاوزه. والذي قد يكون معناه إعادة التأسيس. أو استعادة روحه وجوهره، وليس تكرار نفس الفعل مرتين لإنتاج نفس الشيء مرتين أو أكثر). هكذا كتب الاحتفالي في كتاب (الاحتفالية وهزات العصر).
وتأسيس هذه الجماعة الاحتفالية. وتحديدا في المغرب. وفي مدينة مراكش. وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي. لم يكن ترفا. ولا كان فعلا بلا معنى. كما لم يكن حبا في الظهور وفي التميز. ولا كان عشقا في الزعامة في الحقل المسرحي. ولكنه كان ضرورة تاريخية. وكان استجابة لنداء الإنسان. من أجل مسرح إنساني. وكان استجابة لنداء الحياة. من أجل مسرح أكثر حيوية وأكثر عفوية وأكثر صدقا ومصداقية. كما كان استجابة لنداء المدينة. من أجل مسرح متمدن وعاقل وحديث ومتجاوب مع العصر ومع متطلبات العصر ومع علوم العصر ومع فنون العصر ومع تقنيات وآليات العصر. وفي (البيان الثاني لجماعة المسرح الاحتفالي) يمكن أن نقرأ ما يلي:
(إن المسرح إطلالة على الوجود الإنساني، وأن كل إطلالة لابد أن تتم من زوايا محددة ومعينة، فمن أية زاوية إذا سنطل (نحن) على الواقع؟ وما هي الأدوات الأكثر فاعلية لاستيعابه أولا. ثم التعبير عنه ثانيا؟ ثم،  وهذا تساؤل أساسي وجوهري، من نحن؟ إن الحواب لا يمكن أن يتم إلا من خلال مساءلة الذاكرة.. ذاكرة الجماعة التي يمثلها التراث المشترك وليس ذاكرة الفرد).
من نحن؟ وأين نحن؟ وفي أي زمن نحن؟ تلك هي الأسئلة التي اختزلتها جماعة المسرح الاحتفالي في الأقانيم الثلاثة. والتي هي نحن – الآن – هنا. وبهذا كان تأسيس جماعة المسرح الاحتفالي جزء أساسيا وحيويا من فلسفية التعييد الاحتفالي. والقائمة أساسا على المشاركة والاقتسام وعلى الحوار وعلى التكامل وعلى التفاعل وعلى التناغم.. وهذا ما لم ينتبه إليه كثير من المسرحيين ومن النقاد ومن الباحثين المسرحيين المغاربة والعرب.
والشيء الآخر الذي أغفله المسرحيون. قبل تأسيس جماعة المسرح الاحتفالي، هو أنهم عملوا في الحقل المسرحي كأفراد ولم يعملوا كجماعات. وأنهم نظروا إلى المسرح كجزئيات منفصلة عن بعضها، وليس ككل متكامل.. وكما فصلوا بين المسرح والحياة، فقد فصلوا أيضا بين كل الوسائل التعبيرية المختلفة التي تكون اللغة المسرحية ككل، من هنا إذن، جاءت ضرورة خلق الجماعة. وذلك حتى تكون معالجة المسرح معالجة شاملة ومتكاملة، يسهم فيها المؤلفون والنقاد والمخرجون والممثلون والمنظرون والرسامون والتقنيون والمهندسون والمغنون والشعراء وكل الذين لهم علاقة – من قريب أو بعيد- بهذا الفن الذي يسمى المسرح).
ومباشرة بعد صدور (البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي) والذي تزامن مع صدر (بيان مسرح الحكواتي)، نظمت مجلة (البيان) الكويتية ندوة فكرية استدعت لها مجموعة كبيرة من المسرحيين زمن الباحثين العرب. ومن ضمن ما قيل في تلك الندوة هذا الرأي الذي عبر عنه د.أحمد عثمان أستاذ الأدب اليوناني.. ( وعندما شرعنا في في قراءة بيان المسرح الاحتفالي بالذات فوجئنا بصورته التي تشبه البيانات العسكرية والمنشورات النارية). مما يدل أن هناك من قرأ هذا البيان في ضوء الواقع العربي. والذي عرف الانقلابات العسكرية. ولم يعرف الانقلابات الفكرية والجمالية، أو بيانات تقترح أنظمة أدبية وفكرية وجمالية جديدة.
وبخصوص هذه البيانات الاحتفالية (المرعبة) لأنها تذكر ببلاغات الانقلابات العسكرية. فقل قلنا وكتبنا. وعلى امتداد عقود طويلة. بأنه ما هي إلا حكي حكواتتين من أحفاد شهرزاد. وميزة هذه البيانات أنها تحكي عن المستقبل وعن الزمن المستقبلي وعن المسرح المستقبلي وعن لغة المسرح المستقبلي. وهي بهذا رؤية ورؤيا. وهي (تحكي مثل شهرزاد. وهي تلعب دور الحكواتي . وترتدي زيه، وذلك من أجل أن تحيا. ومن اجل أن تفوز بالصباحات الأخرى، ومن أجل أن تكون لها اعمار اخرى . فهي تهرب من السكون إلى الحركة ومن الصمت إلى النطق ومن الفراغ إلى الامتلاء ومن العتمة إلى النور. ومن الغنوض إلى الوضوح ومن الفوضى إلى النظام ومن الممكن إلى المحال ومن هذه اللحظة إلى ما بعدها).
وكل هذا الحلم المحكي. لم يتم بأسلحة. ولم يأت على ظهر الدبابات. ولم يتم سوى باقتراحات جديدة وبتصورات جديدة وبتمثلات جديدة. ولم يكن في هذا الحلم ما يستلزم أن نقول عنه بأنه صائب أو أنه خاطئ. كما قال كثير من النقاد. لأن من طبيعة الأحلام أنها صادقة كلهاةدائما. ووحدها الأوهام هي التي يجوز في حقها أن نقول بأنها خاطئة. ويشهد التاريخ الحديث أن هذه الاحتفالية قد كانت حلما ولم تكن وهما.
ويؤكد الاحتفالي الذي استعان بالبيان من أجل تقديم حلمه للناس والتاريخ، (أن هذه البيانات الاحتفالية هي أوراق بالأساس. أوراق خضراء في شجرة الحياة وشجرة المعرفة وشجرة الوجود . وهي أوراق الهوية، وفيها الاسم والنسب وتاريخ الميلاد ومكانه وظروفه. وفيها لون عينيها وكل العلامات المميزة لها، كما أنها – من جهة اخرى – هي أوراق اعتمادها. وذلك في سفاراتها لدى التاريخ ولدى الحياة ولدى الناس ولدى الحقيقة ولدى الأشياء ولدى المعرفة ولدى السماء. فهي كلمات وحروف. وماذا يمكن أن تكون الكلمات .وماذا يمكن أن تكون الحروف؟).
ففي هذه الحروف والكلمات والعبارات تكمن رؤية اخرى جديدة للعالم. وتكمن أرواح إنسانية حية. وتختبئ أسرار علمية وجمالية. وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي:
(وفي الحرف الذي نصوغ به هذه البيانات نختزن كل شيء. ونختزل كل شيء، ونخبئ كل شيء. ففيه يوجد الناس، وتحضر الأشياء وروحها. وبتجدد التاريخ ومساراته، ويتولى الله زمنه وتشرق حكمته).
 
الاحتفالية في مرمى الاتهامات
    لقد مارست جماعة المسرح الاحتفالي. انطلاقا من مبدأ أن الشغب الاحتفالي. وكما يقول عنه الاحتفالي،  هو (شغب تجريبي وليس شغبا تخريبيا. وذلك لأنه. في جوهره جزء حيوي وأساسي وحيوي. من شغب هذا العصر ومن قلقه ومن ظلاله. والذي هو شغب معرفي وجمالي وأخلاقي أسسته فورة الشبابح، وهندسته الأفكار الحية، وذلك في حوارها وجدلها وفي صيرورتها. كما دشنته الحالات المنفلتة والمتدفقة والجديدة والمتجددة) هكذا تحدث الاحتفالي في كتاب (الاحتفالية وهزات العصر).
وطوال عمر هذه الاحتفالية. وعبر كل محطاتها، فإنها لم تهادن أية جهة من الجهات، ولم يكن بإمكانها أن تفعل غير ذلك.. لأن الظرف التاريخي الذي ولدت فيه – كحركة – كان ظرف حروب متعددة .. حروب ساخنة وباردة، وسياسية وفكرية واجتماعية وابداعية).
ويوم خطت الاحتفالية خطوتها الأولى خرج من يقول (زمن الاحتفالية انتهى).
هذا المسرح الاحتفالي. في بداياته الأولى. تم فهمه فهمه خاطئا. وبذلك غقد أصبح في بعض الكتاباتةالنقدية مجرد خرافة. أما جماعة المسرح الاحتفالي. فقد أصبحت عند البعض مجرد جوقة. اما المسرح الاحتفالي فقد مسخه وسلخه في كثير من هذا النقد العدواني والاتهامي ليصبح اسمه ( المسرح الاهتبالي) والذي هو اللامسرح او هو شيء قد يسبه المسرح أو مسرح (حامض وهو مر.. وهو مفزع ومرعب. وهو خارج سياق الواقع. وخارج سياق التاريخ. وهو عربة تسبق الحصان. وهو تنظير بلا ممارسة. وهو حلم خارج اليقظة. وهو أنانية وزعامة، وهو هذيان وحمى. وهو استعراض نرجيسي. وهو جهد ضائع).
ويقف د. مصطفى رمضاني موقف الأستاذ المصحح أمام هذا النقد الانفعالي. والذي (لا يأخذ من كلام برشيد غير ما يؤكد انفعاله النقدي وهذه خيانة علمية كثيرا ما نجدها في هذا النقد العاطفي).
وهذا أستاذ جامعي يسقط على الاحتفالية أحكاما غريبة وعجيبة. لا علاقة لها لا بالعلم ولا بالفن ولا بالغكر ولا حتى بالحس السليم والذوق السليم. ونجده يتمثل هذه الاحتفالية في صورة (أمنا الغولة) وهي عنده. وبدون مبررات ولا تفسيرات (نظرية استحواذية ذات نزعة عدوانية)، وهي نظرية استحواذية كيف؟ واستحوذت على ماذا؟ على أفكارها واختيارتها ودعوتها للحوار وللتلاقي الاحتفالي والعيدي؟
وآية عدوانية في حركة ثقافية تشتغل في الحقل الرمزي باقتراحات فكرية وجمالية؟
ومتى كانت الدعوة إلى التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر عدوانية؟
وهذا أستاذ جامعي آخر. من نفس مدرسة النقد المدرسي. وجدناه يشيطن الاحتفالية. ويشيطن الاحتفاليين. ويلتفت إلى نواياهم وإلى خفاياهم. ولا يقرأ مقترحاتهم الفكرية خفاياهم والجمالية. ولا يناقشها مناقشة علمية هادئة ورصينة. وهو يكتفي بأن يشكك في خلفيات هذا الإبداع الاحتفالي. في الفكر والفن معا. وذلك لأن (محركاته ليست بريئة من الأنانيات الشخصية أو من تلاعبات المؤسسة الرسمية).
ومتى كانت الأنانية السعيدة. في الفن والفكر والإبداع. ذنبا وجريمة؟
ونحن نعرف أنه. حتى أشعار أكبر شاعر في اللغة العربية، والذي هو المتنبي (ليست بريئة من الأنانيات الشخصية).
وهل كان هذا الأستاذ ينتظر منا أن نتبرأ من فكرنا وعلمنا واجتهانا واختياراتنا حتى لا نتهم بالنرجيسة؟
والصحيح أن نقول بأن جماعة المسرح الاحتفالي قد كانت دائما. وسوف تبقى. جماعة فداىية. مهمتها خدمة المسرح العربي وخدمة الفكر العربي وخدمة الفن العربي وخدمة المجتمع العربي وخدمة المستقبل العربي. وخدمة كل القيم الإنسانية الجميلة والنبيلة.
Visited 3 times, 3 visit(s) today
شارك الموضوع

د. عبد الكريم برشيد

كاتب مغربي