قتله التخاذل الإيراني قبل أن تقتله إسرائيل

قتله التخاذل الإيراني قبل أن تقتله إسرائيل

نضال آل رشي

    نجحت إسرائيل في اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. قائد الحزب الذي كان يُنظر إليه على أنّه الحليف العسكري والأمني والإيديولوجي الأكثر قوّة وفعاليّةً ونجاحاً للجمهورية الإسلامية في إيران، ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم أيضاً بدءاً من أفريقيا وليس انتهاءً بأمريكا الجنوبية.

لا شك بأن أطنان المتفجرات التي ألقيت على مربعٍ سكني في الضاحية الجنوبية كانت السبب المباشر للقتل، ولكن التدهور الذي أدى للوصول إلى قرار الاغتيال كان قد بدأ منذ السابع من أكتوبر وأنّ السؤال الأساس في الساعات القادمة سيكون: كيف سمحت إيران بذلك؟

للإجابة عن هذا السؤال علينا إعادة قراءة ما تعرض له ” محور المقاومة ” خلال العام الماضي وتداعياته على عملية الاغتيال.

 انهيار مفهوم الردع

    كان يُنظر إلى “محور المقاومة” بقيادة إيران، على أنه يشكل قوة ردع فعّالة ضد العدو الإسرائيلي، ولكن مع تزايد الضغوطات العسكرية والإنسانية على كل من حركة حماس في قطاع غزّة وحزب الله في لبنان، انكشف مدى هشاشة هذا المفهوم. الأحداث الأخيرة أظهرت أن حماس وحزب الله والبيئة الداعمة لهما، لم يكونا قادرين على تحقيق أي ردع وأنّ غزّة سويت بالأرض وفقدت حماس كامل قدرتها الصاروخية تقريباً وجزءاً كبيراً من مقاتليها وبنيتها التحتية الاستراتيجية التي بنتها منذ اعتلائها السلطة في القطاع المنكوب، كما فقد أكثر من خمسين ألف فلسطيني حياتهم، وباتوا يعيشون كارثةً إنسانية غير مسبوقة.

في الوقت نفسه فقد حزب الله أغلب قياداته الميدانية من ذوي الخبرة والتاريخ الطويل في القتال بدءاً من لبنان وحتى سوريا والعراق واليمن، قبل ان تبدأ إسرائيل بتصفية قادة الصف الأول من أعضاء المجلس الجهادي وخلفاؤهم المحتملين وتوجيه ضربة أمنية قاضية للجهاز الأمني واللوجستي الخاص بالحزب بإخراج أكثر من خمسة آلاف عنصر من خلال تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بهم، الأمر الذي سلط الضوء على مدى الإختراق الذي يعاني منه الهيكل الأمني الخاص بحزب الله. لا ننسى أيضاً الضربة التي وجهتها إسرائيل لإيران تحديداً بقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وسط طهران وفي مبنى خاص بالحرس الثوري الإيراني. إن لم يكن كل ما سبق يستحق رداً إيرانياً حقيقياً وصادقاً لا يشبه الرد المسرحي التي قامت به بعد ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق فمتى يكون الرد؟ وما الذي يستحق الرد؟

انهيار مفهوم وحدة الساحات:

    مفهوم وحدة الساحات ليس مفهوماً جديداً على الساحتين السياسية والعسكرية، ففي العام 1939عندما احتلت ألمانيا النازية بولندا، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا بعد “يومين فقط”. كان هذا الرد نتيجةً للالتزامات والضمانات الأمنية التي قدمتها كلا الدولتين لبولندا في حال تعرضها لأي هجوم.

في الحالة الإيرانية، يبدو أنّ هذا المفهوم له معنى مختلف، وما جرى بعد السابع من أكتوبر فضح هذا الاختلاف، فلا الحربُ أُعلِنت ولا عشرات آلاف الصواريخ انطلقت ولا الجيوش الجرارة سارت ولا الجبهات فُتِحت.

إيران اكتفت بالمشاهدة والتعليق، سوريا انكفئت على جراحها وباتت غائبة تماماً عن المشهد، الحشد الشعبي في العراق يغفو ويصحو حسب النغمة، الحوثيون في اليمن قاموا بقرصنة أغضبت أصدقاءهم قبل أعدائهم، وحزب الله في لبنان انشغل لأكثر من عشرة أشهر بكاميرات المراقبة على طول الشريط الحدودي لتعمية العدو بينما كان هذا العدو قد تغلغل في كل مفاصله الحساسة ويعرف تحركات كل أفراده.

 مفهوم وحدة الساحات يعني الشراكة، يعني وحدة المسار والمصير، أما التعامل مع الأمور بهذه الطريقة من قبل إيران يعني أن العلاقة ماهي إلّا علاقة استغلالية نفعيّة باتجاه واحد فقط.  

بناءً عليه، بات واضحاً أنّ التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل لم تعد تُخيفها، وأن هذه التهديدات ليست إلا للاستهلاك الإعلامي والتعبئة الجماهيرية ومحاولة الحفاظ على ماء الوجه، وفي ظل عدم قيامها بأي رد فعل جدّي على المستويين العسكري والأمني، قامت إسرائيل وسط صمت دولي ودعم أمريكي بتكثيف عملياتها دون خوف من العواقب وصولاً إلى استباحة دماء نصر الله الأمين العام لحزب الله والوكيل الشرعي لخامنئي في لبنان.

Visited 67 times, 67 visit(s) today
شارك الموضوع

نضال آل رشي

كاتب وباحث