مذكرات الخريف: مراسلون (5)

مذكرات الخريف: مراسلون (5)

      صدوق نورالدين

         لا أعرف _ وبالتحديد _ من أين جاء الخوف من الكتابة. ذلك أني وبقدر ما كنت مغامرا جريئا في تناول قضايا محلية تخص المدينة، بقدر ما نصحت من الوسط الذي عشت فيه بضرورة البعد، لأن الكتابة قد تقودني إلى فقدان حريتي.

بداية نقل إلى الخوف من أصدقاء أطلعتهم على ما كتبت من أخبار قصيرة ترتبط بالمدينة، ونشرت بداية بجريدة “البيان” لما كانت تصدر أسبوعية في شكل “تابلويد”. حينها أحسست وكأن هؤلاء يرغبون في التخلص مني وعدم الاستمرار في امتداد الصداقة التي ربطتني بهم. كانوا يخافون من المقدم ومن يدعون أنهم مخبرون. إذ تجرأ أحدهم في إحدى المرات على القول بصراحة  مطلقة بأن لا داعي لتستمر في ربط علاقتك بنا فقد يقال بأننا من يزودك بالأخبار التي تقدم على نشرها في الجريدة الشيوعية.

وأما مصدر الخوف الثاني، فكان أمي. فلم يثبت أني رأيتها تقرأ في كتاب، بل إن بيتنا خلا في تلك المرحلة التي أتحدث عنها من الكتب. من ثم تولد السؤال عن الداعي إلى الخوف الذي لم أجد له _ وإلى اليوم_ مبررا مقنعا. إلا أني وكلما اجتهدت في التفكير وقد انتهت السيدة فاطمة رحمها الله تعالى إلى الغياب، حدست إلى أن ذلك قد يكون نفسيا محضا، فقلب الأم دليلها. إذ كنت كلما نشرت مادة إخبارية محلية تنتقد وتفضح واقعا ما، تتوسل من أحد إخوتي الذين لم يكن يكتب منهم أحد، قراءة المادة وشرح مضمونها. فلم تكن أسرتنا “تيمورية” ولا “معلوفية”.

لم يكن في أزمور غير ثلاثة أشخاص يراسلون الجرائد والصحف بشكل دائم ويكتبون فيها..

كان الأول رحمه الله تعالى منتميا لحقل التعليم، ومعتمدا من الجريدة التي عمل على مراسلتها. إذ يقوم باستمرار _ وهي مهمته _ بتغطية الأنشطة الرسمية والتدشينات التي تنهض على القيام بها الجهات الرسمية. يتفرد بأناقته، نظافته وتواضعه. فلم يعرف عنه موقف سياسي أو مساندة جهة ما محافظة أو معارضة. ولا أذكر أن بعد وفاته أقدمت الجريدة على تعويضه بمراسل آخر.  

وأما الثاني، فطويل القامة مفرط في أناقته. يرى متجولا في صباحات المدينة أو مساءاتها مرتديا بدلة متناسقة ألوانها، بحيث لم تفارقه ربطة العنق على امتداد فترات تردده على أزمور. لم خبر أي واحد  وظيفته أو مهنته التي يقوم بها. يكتفي بشكل معتاد بإجراء تحقيقات مطولة حول المدينة تنشر في جرائد _ على الأغلب _ أسبوعية، إذ لم تعد الذاكرة تسعف على استحضار أسماء المنابر التي تولت النشر.

لم تربطني بالأول صلة بحكم تباعد السن، بينما جالست الثاني غير ما مرة، فاتضح بأنه يعرف أسماء أدباء وكتاب ومثقفين تدوولت نهاية الستينيات وبداية السبعينيات. إلا أنه لم يكن قارئا ولا مثقفا وإنما اكتفى بما لديه. وانتهى مسؤولا على القسم الصحافي لنقابة عمالية معروفة.

وأما ثالث الثلاثة، فكاتب هذه المذكرات.    

Visited 91 times, 15 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي