مذكرات الخريف: معارك خفيفة (3-6)

مذكرات الخريف: معارك خفيفة (3-6)

صدوق نورالدين

       امتدت محاولاتي في الكتابة الرياضية على مدى ثلاث سنوات عرفت خلالها أشياء، وغابت أخرى. إذ استطعت بامتداد المدة تأمين مصاريف دراستي، خاصة وأن جريدة “الأنباء” أسهمت في دفع مكافآت عن محاولاتي جميعها. كانت الوحيدة _ مغربيا _ التي أولت الجهد المستحق. فالأستاذ والصحافي عبد الفتاح سباطة نبهني لذلك، فكنت كلما انتهى الشهر أتوجه إلى الرباط حيث مبنى وزارة الإعلام القريب من بنك المغرب. بناية بيضاء شبه معزولة يسورها الأخضر من كل جانب. وتبدو اليوم مهجورة.

كان الموظف المسؤول على دفع المكافآت يختلق أساليب ماكرة توحي بكونه يمر بأزمة مالية، فكنت رغم هزالة المكافأة أقدم له مساعدة رمزية. ومن بين ما حرصت عليه زيارة مكتبة “الأمنية” (حاليا “دار الأمان”)، فأوازي في الشراء بين كتاب نقدي وإبداعي. على ألا أغادر العاصمة إلا بعد تناول وجبة منتصف النهار.

انخرطت عضوا في تنظيم للصحافة الرياضية بعد آداء واجب الانخراط، وكان (15 درهما). فحصلت على بطاقة تحمل صورتي وتخول الدخول مجانا لمشاهدة المقابلات الرياضية. ولأكثر من مرة تابعت فريق الدفاع الحسني الجديدي في زمنه الذهبي، كما تأتى لي معاينة أشهر اللاعبين المغاربة الذين كانت أسماؤهم ترن في تلك المرحلة.

تحقق الانتقال من الكتابة الاجتماعية والرياضية، إلى الأدبية أواسط السبعينيات. فكتبت محاولات في النقد الأدبي والقصة القصيرة. وأذكر أن البدايات الأولى في النقد الأدبي نشرت على صفحات جريدة “الأنباء”. كتبت حينها عن رواية الروائي والأستاذ الراحل أحمد البكري السباعي “المخاض”( يا ترى من يذكره اليوم؟)، في محاولة للربط بين الرواية والتاريخ.

إلا أن ما أثار  الغضب المتابعة النقدية لقصة الأستاذ المفكر والروائي عبد الله العروي “الغربة”. ونشرت بأسبوعية “المغرب العربي” إن استحضرت الاسم بالضبط، وكانت ناطقة باسم الحركة

الشعبية. بيد أن الشاهد الذي أزعج باشا مدينة أزمور يتجسد في المقطع التالي:

” _ انظر إلى هذه المدينة. ماذا جد فيها منذ خمس سنوات. يصل صديقنا غدا فيجدها كما تركها نائمة تائهة. قبل أعوام معدودة كنا نتجمع حول آلات الإذاعة نتلقف الأخبار واليوم ننتظر عائدا نستفسره. قبل أعوام عجزنا عن أخذ المبادرة فلم نساهم في سير الأحداث. واليوم ها هو الشرطي يلعب الكارتة ونحن نغشى الأزقة ليلا وممثلو الحركة يتخاصمون فيما بينهم والباشا نائم ليلا ونهارا بين نسائه وبين المشتكين.” (“الغربة” / الطبعة السادسة/ 2000/ ص:11).

ولعل مما يلاحظ أولا، أن التمييز بين الكتابة في الشأن الاجتماعي المحض، والأدبي غير وارد. فمن قرأ المادة النقدية يجهل بأن سياق إنتاج المعنى يتسم بالبعد التخييلي. وثانيا، أن الزمن المتحدث عنه ليس ذاته زمن الراهن الذي يتلقى في ضوئه النقد المكتوب حول القصة. ثم ثالثا، هل قرأ المنزعجون الرواية كاملة؟

وكالعادة بدأ البحث عمن كتب المادة النقدية. وكالعادة سقط من الغيب من نبه بأن المادة لا علاقة تصلها بشخصية الباشا الذي أدار الشأن بالمدينة في تلك المرحلة، و أعتقده مولاي الطيب العلوي الذي ذاعت سلاطة لسانه.

وأما الغضب الثاني، فعكسه موقفي _ ربما القاسي _ من الديوان الوحيد الذي أصدرته الشاعرة سعاد فتاح “دعوني أقول”. وكتبت عنه مقالة نقدية في جريدة “المحرر” سنة (1979) عنونتها بـ”دعوها تقول لكن ماذا تقول؟”. وهو ما جعل الشاعرة تنفجر غضبا وتبالغ في معاتبتي حد التجريح، لولا أني في حضور الصديق الروائي والقاص محمد صوف لم أجرؤ على الرد واكتفيت بتلقي السهام فقط. والواقع أنه قد كان على الشاعرة كتابة رد يفحم ما ذهبت إليه.

Visited 138 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي