في ذكرى التاريخ.. التاريخ يعود

في ذكرى التاريخ.. التاريخ يعود

د. رودريك نوفل

أين نحن اليوم من وعد بلفور وهل لا يزال تطبيقه ممكن أم نحن أمام حل وحيد وهو إقامة دولتَين حسب قمّة بيروت العربيّة 2002، وكما قال بايدن خلال زيارته القدس بعد أيّام على بدء حماس بالعمليات؟ ما مصير القدس، ستكون القدس بعد الحرب شبيهة بيروت خلال الحرب الأهلية في لبنان؛ شرقيّة وغربيّة، أم سيكون تدويل القدس سيّد الخيارات وأسلمها، وتصبح مدينة منزوعة السلاح خاضعة للأمم المتحدة؟

آرثر جايمس بلفور وزير خارجية المملكة المتّحدة 1917 هو الذي أوسَم بتوقيعه وعد المملكة البريطانيّة للشعب اليهودي، بإقامة وطن قَومي في هذه البقعة من الشرق التي كانت تحت سيطرة السلطنة العثمانية، حينها منذ عقود وقرون سابقة، سُطِّرَ الوعد منذ 107 أعوام تماماً كالتالي؛ “مكتب العلاقات الخارجيّة 2 نوفمبر- تشرين الثاني عام 1917 العزيز اللورد روتشيلد، من دواعي سروري أن أنقل لكم بالوكالة عن حكومة جلالته التالي: تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر. سأكون ممتناً إذا أمكنك نشر هذا التصريح ليكون معلوماً لدى دوائر الإتحاد الصهيوني آرثر جايمس بلفور”. وقد جرت المفاوضات بين البريطانيين والصهيونيين خلال الحرب العالميّة الأولى لتُتَوَج بمؤتمر حصل في شهر فبراير – شباط 1917 جمع عن بريطانيا السير مارك سايكس وقيادات صهيونية أبرزها اليهودي البريطاني اللورد ليونيل دي روتشيلد وحاييم وأيزمان الذي يُعَدّ أشهر شخصية صهيونيّة في التراث الصهيوني بعد تيودور هيرتزل، حيث طلب منهما آرثر بلفور في 19 يوليوز- تمّوز 1917 تقديم مشروع إعلان عام. تمت مناقشة هذا المشروع مع غيره من المشاريع والاقتراحات الأُخرى في مجلس الوزراء البريطاني خلال شَهرَي سبتمير وأكتوبر- أيلول وتشرين الأوّل مع مجموعات وشخصيات صهيونية ومعادية للصهيونية ورئيس بلدية يافا حينها الدكتور يوسف هيكل، الذي كانت لديه صفة تمثيليَة فلسطينية. كان واضحاً في النصّ عبارة “وطن قَومي” التي كانت تُعتبر سابقة في ذلك الوقت، كما يُسَجّل غياب أي وثيقة تُظهر حدود هذا “الوطن” المزعوم الذي حسب ما نقل بلفور في الرسالة عن حكومة جلالته يقع “في فلسطين”، وقد أكَّدت الحكومة البريطانيّة أن هذه العبارة تشير إلى أن الوطني القومي اليهودي المُشار إليه لم يُقصد أن يُغطي كلَّ فلسطين؛ الأمر الذي استدعى إضافة الجزء الثاني من الوعد لإرضاء المعارضين لهذه السياسة، متذرعين أنّ هذا الإعلان سيشجّع الفلسطينيين على معاداة الساميّة ورفع سقف عداوة اليهود. حصلت هذه الأمور في الوقت الذي كانت فيه جبهات الحرب العالمية الأولى مشتعلة والتنسيق البريطاني العربي يحصل على أعلى مستويات عُرفت لاحقاً باسم مراسلات الحسين – ماكماهون،‏ وهي سلسلة من الخطابات المتبادلة أثناء الحرب العالمية الأولى وافقت فيها الحكومة البريطانية على الاعتراف بإستقلال عرب آسيا وتقسيم التركة العثمانية من خلال إتفاقيّة سايكس بيكو بعد الحرب، عدا “عدن” التي كانت مَحميّة بريطانيّة مقابل إشعال الحسين بن علي شريف مكّة الثورة العربيّة للإستقلال عن السلطنة العثمانية. اللافت في الوعد أن حبر هذه الرسالة كان الحجر الأساس لإنشاء “إسرائيل” حيثُ أُدرِج في نَصّ الإنتداب البريطاني على فلسطين ومَهَّدَ لتوافد المهاجرين اليهود إلى المنطقة و خاصةً بعد النكبة. حدير بالذكر أنّ جامعة الدوَل العربيّة لم تُنتِج حلّاً حقيقاً لتلك المشكلة إذ أنها كانت تكتفي بالوعود والتمنيات والتضامن. دائماً ما يحصل بعد الحروب الكبرى إختفاء بلدان وجمهوريات نذكر “بروسيا” قبل ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر وظهور أُخرى مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وبولندا وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، كنتيجة أو جائزةَ تَرضِيَة كالحال في إسرائيل، نذكر أن في محيطنا السودان سُلِخَت عن مصر وتم الاعتراف بها كدولة مستقلّة قبل أن تُقسم إلى دولتَين مؤخراً حتى فلسطين نفسها كانت تتبع للسلطنة العثمانية. والسؤال ما الفائدة من الحروب طالما ظهور بلدان جديدة أمر واقع والتعايش أمر لا بدّ منه والسلام حَتمي، والحلّ الوحيد المنطقي هو ما طرحه الأميركي “دَولتَين”، طالما هو الأقوى. وما هو معلوم أن المنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ كما لا يحلو لهم، لا كما هي الوقائع. لتكن شجاعة السلام أكبر من شجاعة الحرب ولتكن القدس محايدة مفتوحة للجميع منزوعة السلاح منارة كما هي مهد لجميع الأديان السماوية.

Visited 40 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. رودريك نوفل

باحث وناشط سياسي لبناني