نتنياهو يستفيد من الوقت الضائع في الإدارة الأمريكية
أحمد مطر
أصبح معلوما أنه قبل تسلم الرئيس الأميركي ترامب الملفات الداخلية والخارجية، وتحديدا الملف اللبناني، يدخل العدوان الإسرائيلي مرحلة انتقالية تستعر فيها المواجهات بين حزب لله وإسرائيل وتستكمل فيها حرب الاستنزاف بكل الوسائل، فيما يبقى قرار وقف إطلاق النار معلقا، وبالتالي أي كلام عن قرب التوصل إلى الحل أشبه بالفراغ. تجمع التوصيفات على اعتبار هذه المرحلة بالأكثر خطورة بفعل تطور مسار العدوان مواصلة التوغل والمعارك بين الحزب وجيش الاحتلال، وانتهاج سياسة التدمير وملاحقة قادة الحزب أينما وجدوا واستهدافهم. ما من هوامش يلتزم بها طرفا النزاع، لأن لكل منهما أدوات وعدة استراتيجيات. لن يذعن حزب لله لأية شروط تخدم الجانب الإسرائيلي الذي بدوره يحاول فرض الواقع الذي يرغب مهما كلفه الأمر لاسيما في أولوية إعادة مستوطني الشمال وحماية أمنهم لما تحمل من وسائل لذلك إخراج لبنان من دوامة العدوان والقتل والخراب، يتطلب الكثير من الحكمة، والكثير من الجرأة، والكثير الكثير من الواقعية في العودة إلى كنف الدولة.
رغم مآسي المرحلة العصيبة، والأخطار المحدقة بلبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين، مازالت حالة المكابرة والإنكار تُهيمن على خطاب البعض، فيما البعض الآخر غارق في حسابات حزبية، وأولويات شخصية، تستولد المزيد من الخلافات والتباعد في الطروحات والمواقف، في وقت أشد ما يكون فيه البلد إلى تصليب الجبهة الداخلية، وتنشيط قنوات الحوار بين الأطراف السياسية، بهدف البحث والتوصل إلى خطوات وحلول، تخفف من أوجاع الناس في هذه النكبة التي حلت بالبلد.
ما يزال اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، لإنهاء الحرب الدائرة بينها وبين حزب لله، يدور في دوامة الأخذ والرد، وطرح الشروط والمطالب الإسرائيلية، التي تتجاوز القرار الدولي رقم1701 وتتعارض مع الموقف اللبناني، من دون تحقيق أي تقدم، أو اختراق ملموس يؤدي للتوصل إلى الاتفاق المنشود، برغم كل التسريبات التي تصدر عن الجانب الإسرائيلي، وتوحي وكأن الاتفاق على وقف إطلاق النار، أصبح قاب قوسين وأدنى.
وتكشف مصادر ديبلوماسية أن تبادل الأفكار والطروحات بين إسرائيل ولبنان، من خلال الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين، لم يتوقف منذ ما قبل توسع الحرب الإسرائيلية ضد حزب لله ولبنان، وكانت ركيزة الموقف اللبناني، تنفيذ القرار الدولي رقم1701، باعتباره يتضمن كل نصوص وتفاصيل، إنهاء الحرب الإسرائيلية العدوانية، وتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية، وتم التوصل إلى أكثر من مسودة اتفاق بين الجانبين، ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عطل كل ما كان يتم التفاهم حوله، بطرح شروط ومطالب مستجدة، تتعارض مع مضمون القرار 1701، حتى أنها تتجاوزه بأشواط، ما يعرقل التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام.
وحددت المصادر العقبات والعراقيل التي طرحها الجانب الإسرائيلي، ويفاوض عليها تحت النار، وضع ملحق جانبي من خارج الاتفاق على وقف إطلاق النار، تستطيع بموجبه إسرائيل، تحريك جيشها للتدخل العسكري، عندما تدعو الحاجة، لإزالة المخاطر التي يتسسبب بها تمركز عناصر من حزب لله مع أسلحتهم في المناطق الخاضعة لاتفاق وقف النار، الأمر الذي ووجه برفض من لبنان، باعتباره يشكل التفافا على مضمون القرار المذكور، ويبقي الاتفاق معرضا للاهتزازات والسقوط من جديد، ويضع المنطقة الحدودية في خضم التوتر وعدم الاستقرار من جديد.
وتضيف المصادر أنه في ضوء الرفض اللبناني، لأي ملحق من خارج اتفاق وقف إطلاق النار المرتكز للقرار الدولي رقم1701، طرح الجانب الإسرائيلي الحصول على ضمانات أميركية، تضمن نجاح تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وبموجبها، يمكن التدخل سريعا، لمعالجة أي خرق أو تجاوز لنصوص أي اتفاق يتم التوصل إليه.
ومع أن الجانب اللبناني، لم يعلن رفضه وجود الضمانات الأميركية، باعتبارها الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكثر نفوذا وتشكل عاملا مساعدا لتنفيذ الاتفاق الذي يتم التوصل إليه، إلا أن النقاشات الدائرة تتناول حاليا، مدى تاثير الضمانات في تنفيذ اتفاق وقف النار، وعدم استقواء إسرائيل فيها، لتجاوز الاتفاق أو الالتفاف عليه.
ولاحظت المصادر أن إسرائيل بتوسعة نطاق القصف والاعتداءات على لبنان، تسعى حاليا لاستغلال الوقت الضائع بين انتهاء ولاية الرئيس الاميركي جو بايدن وتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب لمهماته، لممارسة أقسى الضغوطات على لبنان، للقبول بملحق الاتفاق المطروح، مقابل استمرار الرفض اللبناني، ما يبقي الحرب الإسرائيلية العدوانية متواصلة بكل خرابها وتداعياتها السلبية والمأساوية.
ختامًا يقف لبنان اليوم عاجزا عن وقف هذا العدوان الإسرائيلي التدميري الممنهج، وكأنه أصبح متروكا لقدره، ينتظر مصير الوساطة الأميركية من هنا، أو المبادرة الفرنسية من هناك، بينما تبدو السلطة اللبنانية عاجزة وغير قادرة على اخذ المبادرة، وتولي زمام الأمور، لمنع استمرار استعمال لبنان ساحة مستباحة لإيران، لتحقيق مصالحها على حساب اللبنانيين من دون رادع، ومسلسل الاعتداءات الإسرائيلية متواصل، بلا أي رادع.