منطق الأحقاد الصهيونية

منطق الأحقاد الصهيونية

 اليزيد البركة

       يعلم الجميع أن الشعب الفلسطيني تحت نير الاستعمار، وهذه الحقيقة صرحت بها شخصيات كبيرة، تفوق بآلاف المرات، في رصيد السيد الشرعي من التاريخ أو من القانون الدولي أو المواثيق الدولية. كما أن هذه الشخصيات، تضم ليس فقط من له موقف رافض للصهيونية، بل أيضا من هم صهاينة ومن اليهود من مختلف التوجهات. ويعترضنا سؤال للنظر في هذه المسألة: هل يحق للشعب الرازح تحت الاستعمار أن يقاومه؟ الجواب عند القانون الدولي ولدى كل شرفاء العالم من غير أذناب الاستعمار: نعم. لكن عند السيد الشرعي لا. إذا كان البلد المستعمِر ديمقراطيا. وذهب بعيدا في دعم الاستعمار العنصري، الذي لا يعترف بأي ذرة من حقوق من هو غير يهودي في “دولته” إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أنشئت من أجل الدول الدكتاتورية، وليس من أجل الدول الديمقراطية!

عجيب منطق السيد الشرعي، وهو منطق لم يسبق أن كان له شبيه في التاريخ الإنساني، وإن كانت السفسطة لها به علاقة قرابة. أنت الوحبد في العالم الذي يقول إن المحكمة أنشئت لمواجهة “الدول المتوحشة”، وليس “الدول المتحضرة”.. وكأن الدول الرأسمالية الكبرى لا تقوم بالإبادة ولا تقتل المدنين ولا تُجوِّع. إن نظام روما الذي يحدد اختصاص المحكمة لم يأت فيه ما قصده الشرعي، بل الدول الأطراف، ويقصد التي وقعت على نظام روما. وتضيف البنود عددا من الإشارات الأساسية عند كلامها عن الجرائم التي تشغل المجتمع الدولي، وعن الجرائم الإنسانية، بما يفيد أن المحكمة تنظر أيضا في هذه الجرائم، بغض النظر عن الدولة المقترفة للجرائم، طرف موقع أو غير موقع على النظام إذا كانت الجرائم تشغل المجتمع الدولي. كما أنه في بند آخر يوضح العلاقة بين المحكمة وبين الأمم المتحدة.

لنفترض جدلا أن السيد الشرعي يقصد أن على الشعب الفلسطيني أن يستكين وأن يخضع للاستعمار، وأن إسرائيل التي هي “دولة ديمقراطية” ستمنحه استقلاله انطلاقا من مدى خضوعه له، وهنا يظهر أن الشرعي لم يطلع جيدا على تاريخ الشعب الفلسطيني في علاقته مع الطلائع الأولى للصهيونية قبل “الدولة” المنشأة بقرار أممي، والمشروطة بدولة إلى جانبها فلسطينية، وكيف كانت تبيد إبادة جماعية سكانا عزلا وبدون سلاح، بمن فيهم أطفال ونساء وعجزة، وعلاقته بها أيضا أثناء “الدولة ” وبعد “الدولة”. لقد جرب في تاريخ طويل من المعاناة الاستكانة والحرب غير المتكافئة، والهجرة الجماعية والعيش في المخيمات انتظارا للإنصاف الدولي، ثم المقاومة العسكرية، ثم المقاومة السلمية، وجرب أيضا الاعتراف بإسرائيل والخضوع لقوانيينها، والأمر يتعلق بما يسمى “عرب إسرائيل”، وظهر لهؤلاء جميعا أن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية، وأنهم ظلوا في درجة متدنية جدا من المواطنة، ولا حقوق لهم مثل باقي السكان من اليهود في شراء الأراضي، وفي الوظائف السامية على سبيل المثال. على عكس ما صرح به الشرعي الذي يظهر على أن له عين خاصة به ينظر بها إلى الديمقراطية والعنصرية.

أحمد الشرعي لدى استقباله من طرف رئيس الكيان الصهيوني
أحمد الشرعي لدى استقباله من طرف رئيس الكيان الصهيوني

نقطة جاءت في المقال هي هجوم حماس، ويعني به هجوم على “دولة إسرائيل”، وهذا خطأ كبير مقصود في المقال. حماس هجمت على ما تسميه الصحافة بغلاف غزة، وهي مستوطنات ليست من أراضي الدولة التي أنشأتها الأمم المتحدة،

بل هي أراضٍ تم الاستيلاء عليها وجُلب إليها المستوطنون لقطع كل أسباب الفلاحة والزراعة عن غزة. وهذا الأمر شبيه إلى حد ما بسبتة ومليلية والجزر الجعفرية، مع التحفظ حول بعض الاختلافات، وهي أن اسبانيا لا يمكن لها أن تكون لها أراض خاصة بها بدون استعمار في الضفة الأخرى من البحر المتوسط. لكن بين الحين والآخر نسمع بعض الأصوات في المغرب تقول حول الهجرة إن المغرب يصدر المهاجرين إلى اسبانيا، وأنه يتلكأ في تشديد الرقابة على حدوده، عن أي حدود يتكلم هؤلاء، هل الحدود التي وضعها المستعمر بالحديد والنار أو الحدود التاريخية والجغرافية، المغرب لو أراد أن يطبق الحدود التاريخية ليس عليه فقط أن يمدد رجليه، ولا أدري إن كان هذا صحيحا على مستوى القرار، بل أن يسمح بحرية التنقل على كافة أراضيه التاريخة المستقلة وغير المستقلة. وعلى العموم اسبانيا وخاصة الحكام المنتمين للحزب اليميني في اسبانيا، في سبتة على الخصوص، يقومون بكثير من الاستفزازات ضد المغرب، ولا أستبعد أن يقع رد الفعل من طرف المغرب بمناوشات طفيفة.

مقال السيد الشرعي خارج التاريخ وخارج المنطق، ولكن يظهر أنه مرتبط بالمنطق المصالحي. فـ”دول السبع” تعتقد اجتماعات مستمرة علنية وكواليسية لتوحيد الموقف حول قرار المحكمة الجنائية، وهناك تضارب كبير في المواقف

والصهيونية تحرك أدواتها المختلفة لإظهار أن العالم لا يضم فقط أنصار الشعب الفلسطيني، بل هناك أنصار للصهيونية يصلون إلى حد الحقد على أي شعب تحت الاستعمار ويطالب بأن يبقى مستعمرا، ما دام يقاوم ويرفض الإذلال. وهذه هي الرسالة المحتملة لمقال غريب في المضامين، وغريب في اللحظة، وغريب في الأهداف، وغريب في الهوية الإنسانية.

Visited 32 times, 3 visit(s) today
شارك الموضوع

اليزيد البركة

كاتب وصحفي مغربي