منشورات “مرسم” مجالا للتعدد الفني والأدبي
كاركاسون- المعطي قبال
تقف من وراء منشورات “مرسم” عائلة بكامل أفرادها، هي عائلة الشرايبي: رشيد وزوجته زينب ثم ابنه خليل عمر وتقوم مؤسسة عبد الرازق الشرايبي مقام الراعي والممون… وليس الأمر بغريب ولا باستثنائي على اعتبار ان دور النشر بفرنسا على سبيل المثال هي من إنجاز عائلات ميسورة مثل كالمان ليفي، ألبان ميشال، غاليمار، فايار أو فلاماريون الخ…
صحيح أن ثمة دور نشر أطلقها أفراد، غامروا بمالهم وبأوقاتهم، (مثل منشورات مينوي، ناشرة أعمال دولوز، بيكيت، ومارغريت ديراس الخ)، لكن التوجه العام هو لصالح تأسيس مشروع يساهم فيه كل أفراد العائلة وهذه حال رشيد الشرايبي ومن معه الذي يسير ويوجه مؤسسة تشمل نشر كتب الأدب والفن لكن تقوم إلى جانب ذلك بأنشطة فنية هي عبارة عن متاحف متنقلة لعرض فنون المغرب، من معرض مخصص للخيول إلى معرض للحلي والمجوهرات واللباس إلى معرض للمطبوعات. لكن تبقى الفنون التشكيلية وفنون المطبوعات في قلب الأنشطة التي تنظمها مؤسسة مرسم. تجوب هذه الأنشطة عدة صالونات فنية سواء المنعقدة منها بالمغرب أو بالخارج. وقد ساهم مرسم غاليري الفن ومحترف المطبوعات بالصالون المطبعي الذي انعقد ما بين 28 وفاتح ديسمبر 2024 بمدينة بيلباو بإسبانيا. كما شارك في صالون كتب الشباب المنعقد مؤخرا بمونتروي بباريس ما بين 27 نوفمبر و2 ديسمبر. على المستوى الوطني نظمت «غالريه لفن المطبوعات» بالدارالبيضاء معرضا في عنوان: «المرسم متحفا للمطبوعات كآثار». والمجالات التي يغطيها مرسم تشمل إصدارات أدب الشباب، أدب الكبار، الكتب الفنية، والبيبلوفيلية وكذا المطبوعات.لما نتصفح سيرة رشيد الشرايبي و«معاركه» لفرض مرسم كموقع للنشر والثقافة، نخلص إلى نتيجة أن عالم النشر لا يدخله إلا من لهم القدرة على السير خارج منطقة قشور الموز والمسامير. كان وزوجته زينب بن عبد الرازق وراء تأسيس مرسم.
في الحديث الذي أجريناه معه يشير رشيد الشرايبي «أن ثمة تعددية تطبع عملنا بحيث نصدر مؤلفات عن الأدب، أدب الشباب، دراسات في التاريخ، مؤلفات وكتب فنية. كما نصدر سيرا لفنانين ومؤلفات تزاوج بين الإبداع الأدبي، التشكيلي، الموسيقي…وقد انشيء مفهوم مرسم منذ حوالي 50 سنة. ولما أطلقنا المشروع التف من حولنا مجموعة من الفنانين والكتاب مثل اللعبي، الخطيبي ومحمد الواكيرة. أما الفنانون فقد رافقنا العديد منهم بالتشجيع على إحداث هذا المجمع الثقافي والفني… إصدارات مرسم هي في الغالب إصدارات مزدوجة اللغة وأحيانا بثلاثة لغات. شرعنا في نشر كتب بأربع لغات حيث اقتنينا حقوق دار نشر كبرى ستمكننا من نشر كتب شباب بأربع لغات. دخل المغرب في مرحلة جد هامة وهي النشر باللغة الإنجليزية. من جهة أخرى فإن الكتب الفنية هي بثلاث أو أربع لغات. الكتب الفنية في موضوع التراث، وفي موضوع الفنون الجميلة. رهان اللغات الأربع أصبح أحد مشاغلنا وحاولنا ترجمته في إصدارات أدبية، فنية، تشكيلية. وسيساعد لا محالة على التعريف بثقافات المغرب لا فحسب على المستوى المحلي، بل الدولي. هناك مجال نمنحه الأسبقية هو مجال الشعر، حيث نشرنا أزيد من مائة ديوان، نولي هذا الميدان أهمية من حيث الترجمة، ونجعل من الشعر مناسبة للتزاوج بين فن التصوير، فن الرسم والموسيقى. هناك مجموعة إصدارات هي مزيج بين الشعر والفن والتشكيل. أذكر على سبيل المثال «مفتاح غرناطة» للشاعر حسن نجمي وعبد القادر لعرج وسعيد الشرايبي. ثم هناك عمل آخر هام هو ديوان الشعر لمحمد بنيس وكمال بلاطة وسعد الشرايبي. وفي هذا الإطار أصدرنا مؤخرا أنطولوجية الشعر النسائي الذي يتضمن مختارات لأزيد من مائة وعشرين شاعرة مغربية بكل اللغات وقد أشرفت على هذا العمل الشاعرة الرومانية سيسيليا بورتيكا… سنقيم برنامجا تنشيطيا في بعض المؤسسات مثل دار المغرب، معهد العالم العربي، …بما أن قرابة 15 شاعرة تقيم بالخارج سنحيي بمشاركتهن سهرات وأمسيات شعرية. إنها طريقة لتشجيع القول الشعري المغربي بالخارج. من ناحية أخرى تبلغ نسبة المنشورات المخصصة للعلوم الإنسانية (تاريخ، سوسيولوجيا، أنثروبولوجيا، دراسات في الفكر العربي والفكر العالمي) عشرين في المائة من إصداراتنا. يمارس النشر بالمغرب أناس يتحلون بشجاعة كبرى وبسخاء لا نظير له. يرغبون في منح المغرب كل ما لديهم. بالنسبة لنا نحن داخل برنامج هام قادنا من الشرجة إلى بيلباو، من كندا إلى مونتروي، ثم فيما بعد صالون كتاب الشباب بالدارالبيضاء الخ… ».
وفي سياق توسيع رقعة التعريف بالشعر المغربي، بصفته مادة أساسية، أصدرت مرسم كما سبق القول تحت إشراف رشيد الشرايبي وسيسيليا بورتيكا أنطولوجية شعرية تضمنت ترجمة لنصوص 122 شاعرة مغربية مترجمة إلى الفرنسية كتبن بلغات عديدة مثل العربية، (الفصحى والدارجة)، الإسبانية، الإنجليزية، الأمازيغية. وفي مدخل الكتاب تشير المترجمة (التي لا تتقن العربية ولا الأمازيغية!) أن هذه الأنطولوجيا لم يسبق إنجازها من قبل بالمغرب وترجمة هذه الأشعار إلى اللغة الرومانية يبقى سبقا في ميدان علم الترجمة. ذلك أن الأنطولوجيا بلغتين تتنقل بشكل جيد وتفتح أكثر من أفق. ومن الفرنسية نقلت المترجمة هذه الأشعار إلى اللغة الرومانية. إصدار أنطولوجيا شعرية نسائية مغربية هي ذات أهمية قصوى، لأنها في حد ذاتها برهان تاريخي ومصدر لمعلومات إضافية للقيام فيما بعد بدراسات سوسيولوجية وتاريخية عن البلد. هي كارتوغرافيا للمغرب، مجتمعه ووضعه الفكري والروحي؟ هناك الشعر الغنائي، الملحمي، الشعر المستلهم للفلسفة والشعر الاجتماعي أو السياسي، الديني أو الذي يبحث عن القداسة والقدسية. ليست هناك تيمات معينة أو محددة بل يتعلق الأمر بالإلمام بكلية الشعر المغربي النسوي. في تقديمه يركز رشيد الشرايبي على مشاغل الشاعرات المغربيات التي غالبا ما تتجاوز الحدود الوطنية لمعالجة تيمات كونية. يبقى التنوع اللغوي أحد الخاصيات المثيرة في شغل هذه الشاعرات. ويعكس هذا التنوع الثراء الثقافي للمغرب.
في تقديمها للكتاب تشير المترجمة أن الأنطولوجيا التي بين أيدينا « عمل ضخم » وقد شرعنا في إنجازه منذ أربع سنوات. شرعت في ترجمة شاعرات وشعراء. وقمت ببحث بالمكتبة الوطنية بالرباط. واكتشفت أن هناك طاقة ومادة وافرة وغنية لإنجاز أنطولوجية متكاملة وقائمة بذاتها. بدأت بتجميع الترجمات التي أنجزت أولا باللغة الفرنسية. بعدها أنجزت الترجمة إلى اللغة الرومانية. وكان لي اتصال مع شاعرات يكتبن باللغة الأمازيغية وبعض المترجمين بجامعة اكادير ترجموا نصوصا من اللغة الامازيغية إلى الفرنسية. عندنا أيضا شاعرات تكتبن باللغة الإسبانية وقمت بالترجمة من الإسبانية إلى الفرنسية ثم الرومانية. لجأنا إذا إلى مترجم وسيط في حالة اللغة العربية. لا أجيد التحدث أو الكتابة باللغة العربية وليست لدي القدرة على ذلك. لذلك نتحدث هنا عن أنطولوجية باللغة الفرنسية والرومانية. ونحن بصدد 5 لغات : الدارجة، الفصحى، الفرنسية، الإسبانية، الأمازيغية. المادة غنية ومتنوعة. هذا العمل له بعد تاريخي وسوسيولوجي ومقاربة للمخيل النسوي ولإبداعية النساء. علاوة على ان هذه النساء لا تكتبن الشعر وحسب بل هن طبيبات، باحثات، مهندسات، مديرات مدارس… المرأة المغربية امرأة متشبثة بالروح والثقافة. يجب النظر إلى هذا العمل إلى أنه ليس بعمل شمولي بل تمهيدا لعالم شعري نسائي ونسوي شاركني في إنجازه رشيد الشرايبي. وقد يستفيد منه بالكاد الطلبة والباحثون في هذه المجالات.
ثمة ملاحظات لا بد من ابدائها عن هذه الأنطولوجيا التي كان مطمحها هو التعريف بتجارب شعرية نسوية مغربية:
على مستوى التمثيلية ثمة شاعرات لا محل لهن من الإعراب وبالرغم من تأليفهن يبقى شعرهن ضحيل وبلا كثافة خيالية أو أسلوبية أو استعارية.
إحياء بعض الشعرات وهن رميم لا يخدم هذا المشروع.
ترجمة النصوص إلى الفرنسية قبل نقلها إلى الرومانية من الفرنسية لربما يتسبب في ضياع معنى وتركيب القصائد.
عدم إتقان المترجمة للأمازيغية، العربية الفصحى والدارجة كان عائقا في عملية توصيل الدلالة الشعرية ما بين لغتين أو ثلاثة.
على أي تبقى هذه الأنطولوجيا مادة مرجعية للتعرف على بعض من التعابير الشعرية المغربية كحقبة هامة من الشعر النسائي المغربي.