رونيه شار.. زاو أو – كي.. صنعة العلامات

رونيه شار.. زاو أو – كي.. صنعة العلامات

كاركاسون- المعطي قبال
       ثمة مراسلات ثقافية (أدبية، فنية، سياسية… الخ)، أضافت للثقافة في شتى صورها وأطيافها بعدا شخصيا، إبداعيا، فكريا، سيكولوجيا للذين خاضوا غمارها رجالا ونساء. فهي تخبرنا عن ذاك الكاتب أو الشاعر كما تقربنا من علاقة المبدع الموسيقي بالفيلسوف، الروائي بالناقد… الخ…
ويسجل تاريخ الثقافة العالمية مراسلات شهيرة قربتنا من الصراحة الواقعية لهذا الكاتب أو ذاك الفيلسوف. لأن كاتب الرسالة لا يختلق أحداثا ولا يضع مساحيق على الوقائع الخام. من بين هذه المراسلات نذكر رسائل فرديريك نيتشه إلى أخته إليزابيث نيتشه وصديقاته بول ري ولو فون سالومي. أو مراسلات أندريه جيد، أو المراسلات الشهيرة لألبير كامي ومارية كازاريس مراسلات ثروت عكاشة وراغب عياد ومحمد مندور للدكتور طه حسين وغيرهم. وتبقى المراسلات جنسا أدبيا قائم بذاته، له منطقه، أساليبه، منطقه السردي والتركيبي الخ… كما يخبرنا فن المراسلة عن نوعية الصداقة التي تجمع بين مبدعين، شاعرين أو كاتبين. ونقرأ بمتعة فائقة المراسلة التي تمت بين الشاعر الكبير رونيه شار والرسام التشكيلي زاو أو-كي Zao Wou-Ki ونشرت في كتاب بعنوان «سل خيوط كيس القنب».

يطرح العنوان مسألة سل خيوط كيس وحله خيطا بخيط. والاستعارة هنا تقربنا من عملية نزع الخيوط للوقوف على نوعية التبادل بين المبدعين. ينضاف إلى المحاورة والتبادل التقديم الذي وقعه وزير الخارجية الأسبق دومينيك دو فيلبان، الولهان بالشعر والذي له دراية عميقة بشعر رونيه شار.
صدر الكتاب ضمن المنشورات الشعرية التي تصدرها غاليمار ضمن سلسلة شعر. ويقع الكتاب في 121 صفحة. وقد كتب دو فيلبان تقديمه تحت عنوان «في طريق هذه الإشراقات». يبدأ بتعريف القصيدة على أنها «الحب الذي حقق الرغبة التي بقيت رغبة». فعل وانبثاق يشهد عليهما هذا العمل الذي بين أيدينا. ويوضح دوفيلبان اننا لسنا، من جهة بصدد قصائد، ومن جهة ثانية بصدد رسومات. بل هناك قصيدة، رغبة مشتركة ومتقاسمة، صداقة فكرية نزلت بصدفة على هذه الصفحات. لا وجود لأشياء مبعثرة. لا سيلان لحبر أزرق تم تنشيفه بواسطة الورق المقوى…

هنا التقت رغبة الرسم لدى شاعر برغبة القصيدة لدى رسام. ولشد ما عبر الاثنان عن هذا المبغى المكمل لبعضهما البعض مثل ما حدث في مراسلة رونيه شار وجورج براك، خوان ميرو، جياكوميتي، فييرا دا سيلفا وزاو أوو- كي أو مراسلات هذا الأخير مع هنري ميشو، إيف بونوا، روجيه كايوا وهي أمثلة بين العديد من المراسلات. لذا أمكن القول بأن النتاج رأي النور وأخذ انطلاقته بدءا من عتمة العدم.
لا يتعلق الأمر بغنائية شعرية ترد على تصوير تشكيلي، بل بإبداعين مستقلين وكل منهما تجرد فنها، تذوبه، تفككه إلى أن يتحول إلى لحمة من كيس القنب، أو يصبح هيكلا عظميا.يتعلق الأمر إذا بالقول والصورة المرسومة بصفتهما شعرا. بحثا كيميائيا للعلامة الخالصة.
يخلص دومينيك دو فيلبان إلى القول بأن هذا الكتاب بداية، وهو ككل البدايات يلاحق مسارات بعيدة المدى هي إشراقة الفن والعالم. ذلك أنه سواء لدى زاو أو-كي أو لدى رونيه شار، فإن الاثنان لا يفترقان. يغلق الكتاب من دون أن ينتهي من انخراطه في العالم. لن يجد خاتمته في أية قصيدة أو رسم مائي.

لذا تستمر عملية استلال الخيوط لأن المادة تشكلت وانحلت.

Visited 14 times, 14 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".