التغيير الحاصل في لبنان يترجمه الاحتضان العربي والدولي

التغيير الحاصل في لبنان يترجمه الاحتضان العربي والدولي

 أحمد مطر

          ما جرى يوم الاستشارات النيابية وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة بأكثرية 84 صوتاً، لا يمكن فصله عما حصل في الجلسة النيابية الرئاسية وانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية. نتائج تلك الاستشارات هي الفصل الثاني من المرحلة الجديدة والواعدة، التي كان فصلها الأول وصول رئيس جمهورية إلى بعبدا من خارج المنظومة السياسية الفاسدة، وجاء الفصل الثاني برئيس حكومة العهد الأولى من نفس الطينة، وبعيداً عن بؤر الفساد والزبائنية، ليكمل صورة المشهد السياسي الجديد في البلد .

شكّلت خطوة تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة العهد الأولى، بعدما نال أكثرية موصوفة من قبل الكتل النيابية، وبفارق كبير عما ناله الرئيس نجيب ميقاتي، لتزيد من حجم الآمال المعقودة على الحكم الجديد برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وترفع من منسوب التوقعات ببناء دولة القانون والمؤسسات التي تحدث عنها الرئيس عون في خطاب القسم الواعد. بالنظر إلى السمعة الطيبة التي يتمتع بها الرئيس المكلف في لبنان والخارج. وهذا من شأنه أن يفتح الطريق أمام تشكيل حكومة موثوقة وذات مصداقية، من أجل ترسيخ دعائم الدولة القوية التي يطالب بها جميع اللبنانيين. وإذا كان نواب الثنائي لم يمنحوا أصواتهم للرئيس المكلف، فإنهم مدعوون وفق ما تقوله مصادر نيابية إلى مد يد العون له، من أجل إخراج لبنان من مأزقه، من خلال إبداء الاستعداد للمشاركة في الحكومة العتيدة، وبالتالي عدم التذرّع بأسباب غير مقنعة، لعرقلة تأليف الحكومة. باعتبار أن أي شيئا من هذا القبيل، بمثابة عرقلة لانطلاقة العهد الجديد، من شأنها أن تحبط عزائم اللبنانيين التوّاقين إلى الخروج من الأزمات التي يعيشها البلد .

وترى الأوساط أن الاندفاعة العربية والدولية التي أوصلت الرئيس عون إلى قصر بعبدا، هي التي ستوصل رئيساً للحكومة وحكومة، وربما ستحدد طبيعة هذه الحكومة ووظيفتها، وما هي الأولويات الأساسية التي يجب أن تضعها أمامها، مشيرة إلى أن الأولوية الأساسية، هي أولوية عسكرية أمنية، والمتعلقة بانسحاب إسرائيل من الجنوب آخر الجاري، وكيف سيكون التعامل من أجل تثبيت وقف إطلاق النار.

وتعتبر أن العمل على إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية، يجب أن يكون في طليعة اهتمامات الحكومة الجديدة، إضافة إلى إعادة النظر بالقطاع المصرفي، بما يحفظ حقوق المودعين. لكن يبقى الأهم هو ضمان تنفيذ القرار 1701، وبما يسحب الذرائع من إسرائيل للاعتداء مجدداً على لبنان.

في سياق العودة ليوم الاستشارات النيابية، شبهت مصادر سياسية ما حدث من انقلاب شامل في مواقف اكثرية النواب، ليلة عملية تسمية رئيس الحكومة المقبل، واختيارهم القاضي نواف سلام، بدلا من رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، بليلة الانقلاب على تسمية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في مثل هذه الأيام من العام 2011، بتسمية الرئيس نجيب ميقاتي بدلا منه، مع فارق الزمن والظروف والتحالفات .

واشارت الى ان قوى المعارضة التي ضمت يومها، حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفاءهم، انقلبت على كل التفاهمات المنبثقة عن اتفاق الدوحة، وعلى نتائج الانتخابات النيابية التي فاز فيها تحالف قوى 14 مارس- آذار بزعامة سعد الحريري بـ 71 مقعدا في المجلس النيابي، مقابل 57 للمعارضة، وأسقطت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري من جانب واحد، ثم ضمت إلى صفوفها الرئيس نجيب ميقاتي، الذي كان ترشح على لائحة تيار المستقبل في طرابلس وفاز فيها بالمقعد النيابي، كما ضمت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط وكتلته، التي انشق عنها النائب مروان حمادة يومها.

وتحت ضغط التهديدات المتكررة، وعراضات حزب الله المسلحة وما سمي يومها بالقمصان السود، وضغوط الرئيس الاسد، رشحت هذه القوى الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، بدلا من الحريري في عهد الرئيس ميشال سليمان، وشكلت حكومة اللون الواحد، والتي اطلق عليها يومها حكومة حزب الله بامتياز، والتي ادخلت لبنان في دوامة الخلاف والانقسام السياسي الحاد، ونجم عنها الزج بلبنان في التحالف السوري الإيراني عنوة، وعزل لبنان عن الدول العربية الشقيقة والعالم، وتدهور الاقتصاد اللبناني، جراء تردي حركة التبادل التجاري واستنكاف المستثمرين العرب عن الاستثمار في لبنان، وتراجع ملحوظ في عدد الزوار والمصطافين العرب إلى لبنان .

يومها لم يراعِ تحالف الممانعة، التوازنات السياسية القائمة في لبنان، وتجاوزها من دون رفة جفن، وانقلب على نتائج الانتخابات النيابية، ولم يكرس المشاركة الحقيقية وصيغة العيش المشترك في الممارسة والواقع الا من بعض المستزلمين والمرتزقة، وكذلك الميثاقية التي يطالب بها بتشكيل الحكومة الجديدة في الوقت الحاضر، بقيت هامشية، وبعيدة كل البعد عن حقيقتها على ارض الواقع .

حاول تحالف الممانعة هذه المرة، تكرار الامساك بزمام الحكومة الجديدة، بترشيح ميقاتي والوقوف وراءه ودعمه، ليتسنى له، تكرار صيغة التحكم بسياسة الدولة وقراراتها، انطلاقا من ان رئاسة الجمهورية قد ذهبت إلى خصومه السياسيين بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون، وبالتالي يجب ان تكون الحكومة الجديدة من حصة التحالف المذكور، وأرفق محاولاته بالترويج أن انتخاب الرئيس يأتي ضمن صفقة، تكون رئاسة الجمهورية من حصة خصوم الحزب، بينما رئيس الحكومة الجديدة يجب أن تكون من حصة التحالف المستجد .

إلا أن واقع الأمور هذه الأيام وضغط المتغيرات، لم يطابق طموحات التحالف المذكور، وانسحبت بعض جوانب انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون، على عملية تسمية رئيس الحكومة المقبل، وبعدما كان ميقاتي متقدما على جميع خصومه المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، تبدلت فجأة مواقف معظم النواب الذين يؤيدون تسميته، باختيار القاضي سلام لهذه المهمة .

 ما كان يمارسه الثنائي الشيعي، وتحديدا حزب الله، بتخويف خصومه السياسيين بالسلاح، لفرض رئيس الحكومة والوزراء والحصص بالقوة على قياس الحزب ومصالحه، سقط إلى غير رجعة، وأصبح القبول بالواقع، أفضل من البقاء خارج اللعبة هذه الأيام .

ختامًا لا يمكن اعتبار تكليف نواف سلام تحدياً لأحد، ولا انتصاراً فئوياً أو سياسياً لأي فريق، بقدر ما يجب التعامل مع هذه الخطوة، بما يتطلَّبه الواقع الجديد من حكمة وحنكة وبُعد نظر، وحرص على انطلاق ورشة الإصلاح والإنقاذ، تحت المظلة العربية والدولية التي ترعى الوضع اللبناني المتداعي نتيجة الأزمات الداخلية المتراكمة، وبعد الحرب الإسرائيلية وما خلَّفته من دمار واسع في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان الوطن لجميع أبنائه، يستحق أن يعيش بأمن وأمان .

Visited 7 times, 7 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني