الملتقى 14 للسرديات الجهوية: التاريخ والذاكرة والتخييل والمحلية في روايات جهة الشمال

الملتقى 14 للسرديات الجهوية: التاريخ والذاكرة والتخييل والمحلية في روايات جهة الشمال

متابعات:

         في إطار مواصلة الانفتاح على المنجز السردي المغربي، وبشراكة مع الجمعية الوطنية لخدمة اللغة العربية (المكتب المركزي بطنجة)، عقد مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الملتقى الرابع عشر(14) للسرديات الجهوية، دورة روايات الشمال- طنجة، في موضوع ” روايات جهة الشمال: التاريخ، الذاكرة، التخييل، والمحلية، وذلك ابتداء من الساعة الثالثة، بالمركز الثقافي إكليل بطنجة، بمشاركة ثلة من النقاد والباحثين من مختلف ربوع المملكة، وبحضور المبدعين من جهة الشمال: أم الخير العسري، محمد نافع لعشيري، محمد بورحو، عبد النور مزين، عبد الجليل التهامي الوزاني، ونسيمة الرواي.  

انطلق اللقاء في جلسته الافتتاحية برئاسة عماد الورداني، بكلمة ترحيبية لعمر الشاعر ممثلا للجمعية المغربية لخدمة اللغة العربية، ونيابة عن مدير المركز الثقافي إكليل طنجة، أعرب فيها عن سعادته الغامرة بهذا الجمع الاستثنائي للاحتفاء بأدب الشمال، ووقف عند أهمية هذه الملتقيات للتعريف بالثقافة والآداب المغربيين. تلتها كلمة مختبر السرديات والتي قدمتها سلمى براهمة، ذكرت فيها بأهمية هذه اللقاءات بالنسبة للمختبر الذي آمن منذ تأسيسه بالمغرب المتنوع والمتعدد، لذلك انطلقت ملتقيات الجهة منذ 2012 لتسليط الضوء على المنجز المغربي الثقافي والإبداعي، خاصة في المدن النائية والبوادي، لاستنطاق هذا المخزون في علاقته بالذات والمجتمع والواقع، والذاكرة الفردية والجماعية، والخصوصية المحلية، ولم تنس أن تنوه بمجهود الباحثين المتميز، وترحب بالمبدعين الذين حضروا من مدن مختلفة، وأبوا إلا أن يواكبوا كل أشغال هذا الملتقى.

تواصلت بعد ذلك، أشغال الجلسة الأولى التي ترأستها سلمى براهمة، بمداخلة ليونس الإدريسي بعنوان: “سردية العودة في رواية “الأنجري”: المهاجر العائد وسؤال الهوية” حيث تتبع الباحث فيها سردية العودة من خلال الكيفية التي يتم بها تمثيل مجموعة من العناصر والصور التي تشكلها، انطلاقا من فرضية تتأسس على أن عودة المهاجر في هذه الرواية ليست مجرد عودة جسدية إلى فضاء جغرافي بعينه، بل هي رحلة عودة لاستعادة هويته الضائعة عبر التفاعل الحاصل بين الذات والوطن، الذات والجماعة، الذات عينها، الذات والمكان. ليتوصل إلى أن الرواية تطرح سؤال العودة من منطلق حصولها وتحققها فعلا وحقيقة.

وفي المداخلة الثانية، التي تقدمت بها بشرى قانت، والموسومة ب ” رواية “الفرناتشي” للكاتبة المغربية ” أم الخير العسري”: بين تشجير السرد والتمثيل السردي للخصوصية المحلية” أشارت إلى أن الرواية تميزت بتعدد المحكياتِ وشخصياتِها، إلى جانب سبك عِقد سردي وَاسِطَتُهُ الشخصية المبأرةُ “الفرناتشي”  بما تختزنه من دلالات تشير إلى الطابع التراثي والحس التاريخي والميسم المحلي، فضلا عن تمثلات العقل الجمعي والهوية الشعبية، دلالات تومئ إلى جدلية النار والماء بامتداداتها وبإيحاءاتها الموصولة بالجدل القائم بين الشخصيات، بأبعاده القيمية والتاريخية وتجلياته الاجتماعية والعاطفية والنفسية.

لينتقل الحضور مع تجربة مغايرة تنفتح على المستقبل مع رواية الخيال العلمي، إذ قدم سعيد العيماري مداخلته المعنونة ب”التجريب في رواية الخيال العلمي والاشتغال السردي للذكاء الاصطناعي، رواية “طيف الحرة” لآسية بودرع نموذجا”، حيث كشف عن منحى التجريب الذي خاضت فيه الرواية لتجعل مسارات السرد تشتغل على استلهام الماضي المقترن بحلم العودة إلى الأندلس، وإمكانية تحول الغرائبي إلى واقعي، وذلك بالاعتماد على التناوب الحكائي بين محكيي عائشة/المستقبل، والسيدة الحرة/ الماضي، مع ربطه الانتقال بين المحكيين بالاشتغال السردي للذكاء الاصطناعي، وتتبع علاقتهما بهولوغرام الطيف ودوره في تشييد تركيب سردي للشخصيتين يؤصل الارتباط بالهوية الثقافية، كما طرح أيضا هاجس الاستعباد الجديد الممكن ممارسته على البشر عبر الاستعمالات الخبيثة للذكاء الاصطناعي.

وبالعودة للتراث والتاريخ قدمت نهاد القزوي مداخلة بعنوان: “جمالية توظيف التراث في رواية “في رحاب الأخيار” للمبدع الوافي الرحموني” وتوصلت فيها إلى أن الروائي عمل على استلهام التراث بأشكاله المختلفة، وتوظيفه في روايته عبر إعادة تشكليه و منحه دورا ضمن السياق التخييلي للنص، فتحولت الكتابة في النص إلى بحث دؤوب عن حياة جديدة، إذ إن هاجس الموت والنسيان وتوقف الحياة عند مرحلة التقاعد دفع الروائي إلى خلق حياة جديدة للبطل الذي يدوس بقدميه مرحلة تعد بمثابة إرهاص نحو الموت، حاملا سلاح التاريخ والماضي، وهو ما حذا به إلى التشبث بالماضي الذي ظل تابثا وخالدا، وجعل الرواية تحفل بمختلف تجليات التراث من تراث تاريخي و أدبي وديني ثم شعبي.

بعد ذلك قدم محمد أعزيز في ورقة بعنوان: “التأمل بوصفه استراتيجية سردية، قراءة في رواية “المشاء” لمحمد الغويبي، عمل فيها على تبيان الآليات التسريدية المسهمة في تشكل النص الروائي، ومساءلتها  لكشف مدى قدرتها على استضمار الرؤية الفكرية التي تؤطر المحكي باعتبار أن الرواية المدروسة تسعى إلى استشكال تشظي الذات الإنسانية في عالم معقد يرخي بظلاله على هوية الإنسان من حيث ماهيته ووجوده، إذ تستحيل الذات في هذا العالم إلى كيان متسم بالهشاشة والتيه في ظل تحديات معاصرة مستجدة تهدد مصيره وتتلاعب بوعيه.

وفي مداخلة بعنوان: “الأنثوي والأنساق في رواية “المرأة الأخرى” للمبدعة شيماء أبجاو”، حاولت كريمة الهجام، رصد مظاهر التحول وتجلياته في الرواية، وذلك من خلال تتبع سياق التحول عبر محورين: المحور الأول وهو المقاربة التماثلية وتناوب الأدوار، والتي بنيت على ما يصطلح عليه بالمقارنة الاستلزامية، والتي تستلزم غياب شيء ما حضور شيء آخر، أما المحور الثاني فجعلته معنونا بمتلازمة المرأة الخارقة وميلاد الحكمة.

وفي الجلسة الثانية برئاسة فريد خمال، انطلقت أولى المداخلات بورقة سعاد مسكين: “تسريد الإرهاب في رواية “خريف العصافير” للمبدع خالد أقلعي” أكدت فيها أن الرواية لا تخرج عن سرب الروايات التي استثمرت “الإرهاب” في متخيلها السردي بوصفه تنويعا جديدا يعزف على إيقاعات العنف والثورة والتطرف، إيقاعات تمخضت عن توتر العلاقة بين الأفراد والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية بسبب وجود هوة فاصلة بين رغبات وأحلام ومصالح هذه الأفراد وقوانين وضوابط المؤسسات، مما أدى إلى عزلة بعض الأفراد وانكماشهم داخل تكتلات جماعية، تغريهم بالإصلاح والتغيير في حين أن جوهرها تدميري، وأفعالها انتحارية.

أما أسماء الريسوني فقد أشارت أن الغاية من ورقتها الموسومة ب “الذاكرة والبعد التاريخي في رواية “تطاون… أواصر وأشجان” للروائي عبد الجليل الوزاني، هي الكشف عن قصدية استدعاء الذاكرة وحضور البعد التاريخي فيها، انطلاقا من الإشكال الآتي: إلى أي مدى ساهم استدعاء الذاكرة في هذه الرواية ” في تقديم صورة عامة عن موقف المؤلف من واقع الحياة التطاونية في فترة الستينيات والسبعينيات؟ وهو ما قدمته في مبحثين: الذاكرة وتعرية الواقع؛ وأثر البعد التاريخي في نقد الواقع.

وفي مداخلة نجيمة جدراوي: “الذاكرة في رواية “طوق الفقد” لسعاد الناصر”، توصلت الورقة إلى أن الكاتبة حاولت في روايتها الكشف عن استراتيجيات جديدة، إذ أقدمت على طرح مجموعة من القضايا الحساسة والواقعية والتاريخية التي تعايشها أو عايشتها في رحلتها في الحياة، إلى جانب ذلك فقد عملت أيضا على استدعاء إمكانات فنية وجمالية وعملت على طرح مواضيع جديدة، أبرزها موضوع الذاكرة.

وحاول علاء الدين الطماوي في ورقته: “الحداثة التيماتية في رواية “تياترو ثيرفانتيس” لنسيمة الراوي” النبش في التيمات والموضوعات المعاصرة التي فرضت حضورها على القارئ، وهو ما يعكس مسايرة الرواية المغربية المعاصرة، للتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية داخل المجتمع، فقضايا من قبيل الهوية، والذاكرة والحب والخيانة والصراع بين الماضي والحاضر، جعل شخصية أحلام تتأرجح لحظاتها بين ما أسماه بالاستعباد الإنساني، وبالتلاشي الإنساني، باعتبارهما محورين رئيسين وتيمتين كبيرتين، تنصهر فيهما التيمات السابقة، وتصير سببا ونتيجة لهما في الآن نفسه. ليخلص في الأخير إلى نتيجة مؤداها أن أحلام ما هي إلا رمز للإنسان المعاصر الذي يعيش تناقضا صارخا بين قيم الماضي والحاضر، وأن مسرح ثيرفانتيس ما هو إلا رمز للتراث الثقافي والهوية المفقودة في عصر العولمة بمدينة طنجة.

وفي المداخلة الموالية لمحمد بنحساين عن “صورة المرأة القروية بين الألم والأمل دراسة في رواية “زهرة الجبال الصماء” للروائي البشير الدامون”، تحدث فيها الباحث عن محاولة الروائي سبر أغوار الذات الأنثوية بالمغرب، وخصوصا بمنطقة الشمال، وحاول وضع صورة المرأة كأرضية صلبة لجل كتاباته، فانحاز بقلمه السردي لتصوير المرأة الهامشية، التي تعيش بين تلابيب الأحياء وفي جنبات القرى.

وفي المداخلة ما قبل الأخيرة والمعنونة ب”بلاغة الصورة السردية في رواية “جسر النعمانية” لعبد النور مزين” قدم محمد لعريفي تحليلا للصورة السردية في هذه الرواية من منظور بلاغي، عبر دراسة كيفية بناء المشاهد السردية وتشكيل الشخصيات والأحداث من خلال مجموعة من الصور البلاغية والسمات النوعية. وقد كان هذا الاختيار نابعا من أهمية المقاربة البلاغية الرحبة في هذا الصدد وقدرتها على تفكيك الدلالات العميقة للصورة السردية، وربطها بالسياق العام لرواية جسر النعمانية.

ورقة سارة الأحمر “من الغربة إلى الاغتراب: صراع الهوية والمنفى في “حلقت الببغاوات لمحمد بروحو”، والتي قُرئت بالنيابة، حاولت فيها تعقب مظاهر الاغتراب وتفكيك أبعاده النفسية والاجتماعية والسياسية في هذه الرواية من خلال تجربة البطلة المتأرجحة بين عالمين؛ عالم الهروب المثخن بالحرب والكره والبؤس، وعالم العبور الذي يعزز الشعور بالحنين والفقد والاغتراب، دون أن تحس بالانتماء لأي منهما.

وقد اختتمت هذه الدورة  بالتأكيد على مواصلة الحفر في النصوص الإبداعية والأصوات الجديدة وكذلك النقاد الذين يحملون مشاريع بحثية، كما تم الإخبار بأن أشغال هذه الدورة ستصدر في كتاب جماعي.

كرونولوجيا الملتقيات السابقة:

7 يناير 2012:الملتقى الأول للسرديات الجهوية، الدورة الأولى بجهة بني ملال خنيفرة- بولنوار: التاريخ والذاكرة والمجتمع.

8 فبراير 2014: الملتقى الثاني للسرديات الجهوية، الدورة الأولى بالدروة:  التجربة السردية لدى بشير جمكار.

8 نونبر 2014: الملتقى الثالث للسرديات الجهوية، الدورة الأولى بآسفي- الجديدة، بآسفي : البعد المحلي في المتخيل الروائي.

22 ماي 2015: الملتقى الرابع للسرديات الجهوية، الدورة الثانية بآسفي- الجديدة، الجديدة: السرد والتخييل والتاريخ.

15أبريل 2017: الملتقى الخامس للسرديات الجهوية، الدورة الثانية بجهة بني ملال خنيفرة-  خنيفرة: هويات السرد والحلم.

02 أبريل 2018: الملتقى السادس للسرديات الجهوية، الدورة الأولى بالجهة الشرقية – وجدة:الخيال الاجتماعي في الرواية المغربية بالجهة الشرقية.

05 و06 أبريل 2018: الملتقى السابع للسرديات الجهوية ، الدورة الثالثة بجهة  بني ملال خنيفرة-  بني ملال: لغات الحكاية في الرواية المغربية.

20 أبريل 2019: الملتقى الثامن للسرديات الجهوية، الدورة الرابعة بجهة  بني ملال خنيفرة – وادي زم : السرد وتوثيق الهوية.

02 ماي 2019: الملتقى التاسع للسرديات الجهوية، الدورة الثانية للرواية بالجهة الشرقية – الدار البيضاء: الرواية وصور الذات في المغرب الشرقي.

24 يونيو 2021: الملتقى العاشر للسرديات الجهوية، الدورة الخامسة بجهة  بني ملال خنيفرة-  بني ملال. مختبر السرديات ومنتدى الأطلس للثقافة والفنون بخنيفرة  بتنسيق مع دار النشر فاليا  ببني ملال ونادي القلم المغربي في موضوع: الزمن وتخييل المكان

26 فبراير 2022: الملتقى الحادي عشر للسرديات الجهوية في دورته السادسة بجهة بني ملال- خنيفرة بقرية أولاد بوغادي ، في موضوع: “الرواية والتحليل الاجتماعي” وبشراكة مع جمعية الشعلة- فرع مدينة خريبكة، ومنتدى أطلس للثقافة والفنون بخنيفرة ، ونادي القلم المغربي، وبتنسيق مع جماعة أولاد بوغادي قيادة بني خيران دائرة وادي زم.

27 مارس 2022: الملتقى الثاني عشر للسرديات الجهوية، بمشرع بلقصيري: الذات والهوية في الرواية الغرباوية (منطقة الغرب الشراردة بني حسن) بشراكة مع جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الأمير مولاي رشيد بمشرع بلقصيري.

15 أكتوبر 2022: الملتقى الثالث عشر للسرديات الجهوية –  الفقيه بنصالح. في موضوع ” سرديات الذات والبيئة” بتنسيق مع نادي القلم المغربي ومنتدى أطلس للثقافة والفنون بخنيفرة، ودار النشر فاليا ببني ملال.

22 فبراير 2025: الملتقى الرابع عشر للسرديات الجهوية. طنجة، سرود جهة الشمال: الذاكرة، التاريخ، التخييل، والمحلية،  بشراكة مع الجمعية المغربية لخدمة اللغة العربية (المكتب الوطني المركزي بطنجة).

Visited 3 times, 3 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة