ترجمة سعيد بوخليط لـ ”شظايا شعرية النار”

إصدارات:
ضمن حلقات ترجمة كلاسيكيات غاستون باشلار، التي بادر إليها الباحث سعيد بوخليط، أصدرت دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، عملا جديدا من تراث باشلار الشعري-النقدي، تحت عنوان: “شظايا شعرية النار”، بعد كتاب ”الهواء وأحلام الرؤى، دراسة في خيال الحركة”، الصادر سنة. 2023
انطوى العمل الجديد على ثلاثة فصول أساسية، تناولت حضور عنصر النار بين طيات أساطير”طائر العنقاء”، “بروميثيوس”، “أمبادوقليس”، عبر جملة إحالات شعرية، ومقدِّمتين شارحتين باستفاضة لسياقه الفكري، واحدة كتبها غاستون باشلار وأخرى بقلم ابنته سوزان. تخبرنا إحدى فقراتها عن حيثيات مراحل هذا المشروع:
”زمن قصير قبل وفاة أبي (16أكتوبر 1962)، استحوذ عليه هاجس عدم إنهاء عمله إبان سنواته الأخيرة. هكذا أمدَّني ببعض النصائح؛ أولها بمثابة نصيحة إلزامية عامة، مفادها عدم المبادرة بتاتا إلى إصدار عمل معين اتسم فقط بطابعه الشفوي (ملاحظات على ضوء دروس، لقاءات إذاعية أثيرية…). أما عن دراسته حول النار، التي تقاطعت بين طياتها مشاريع كثيرة، وإعدادها لا زال بعيدا عن الصياغة النهائية، فقد خاطبني بالوصية التالية: ”بعد كل شيء، يستحسن مراجعتها ثم دمجها بين دفتي أعمال متكاملة”. مشروع تبلور عمليا نهاية سنة 1961، بمبادرة من بول أنجولفينت، مدير المطابع الجامعية الفرنسية. استُلْهِم في هذا الإطار نموذج إصدار ”منشورات المائوية” لأعمال برجسون، وتقرَّرَ إخراج سيناريو هذا العمل من خلال ثلاثة أجزاء، تتضمَّن مقاربات نقدية وكذا مقدمات. ورش يتطلب وقتا طويلا مثلما يقتضي تعاونا بين مختلف ناشري مؤلفات أبي. تمثلت أولى مراحل هذا البرنامج الطويل، في ملخص للمقالات والمقدمات”.
كما هو معلوم، انصبَّ اهتمام غاستون باشلار، ضمن رافد مشروعه الثاني، المتعلِّق بالخيال الشعري، على العناصر الكونية الأربعة: النار، الماء، الهواء، الأرض.
غير أنَّ عنصر النار،حظي لديه بحظٍّ وافر من البحث و الاستقصاء،عبر ثلاث مناسبات دالَّة؛ضمن تطور أفق فكر شاعر الرياضيات وفيلسوف القصيدة الحالم.
*شكَّل كتاب ”التحليل النفسي للنار” (1938)، منعرجا نوعيا قياسا إلى التراث الباشلاري السابق، وإن اعتُبِرت هذه الدراسة حقيقة امتدادا لنفس منحى العقلانية العلمية، بحيث استلهم باشلار التحليل النفسي اليونغي أساسا، قصد تخليص الوعي الإنساني؛ بخصوص معرفة النار، من العوائق اللاواعية التي تعيق موضوعيا بلوغ نتائج يقينية، فكان تناوله لعقد بروميثيوس، أمبادوقليس، نوفاليس، هوفمان…
عنصر النار، الذي لعب دورا جوهريا على مستوى تشكُّلات كيمياء الفكر الإنساني. سيادة مادية ورمزية، على امتداد مختلف الحقب والأزمنة، تستدعي حتما إخضاع كنه النار، إلى فهم موضوعي، بهدف انتشال العقل من إمكانية السقوط في أخطاء نرجسية البداهة الأولى…
*سنة 1961، أصدر باشلار كتابه الثاني عن النار، تحت عنوان ”شعلة قنديل”، درس من خلاله، التأمُّل الشارد عند الحالم أثناء تأمُّله، منعزلا، منزويا، أمام لهيب شعلة، محيلا في هذا الإطار على نصوص هنري بوسكو، بليز دو فيجينير، جوهان أوغست ستريندبيرغ، جيوغ تراكل…
*أما اللحظة الثالثة والأخيرة، فتكشف عنها الترجمة العربية الحالية، المتاحة منذ الآن أمام القارئ، بفضل هذا الإصدار، قصد سبر أغوار، آخر مسودَّة دبَّجها باشلار حول موضوع النار، وفق عنوان ملهم للغاية، اختبر تغييرات أكثر من مرَّة قبل الانتهاء إلى صيغته المعلومة: ”شظايا شعرية النار”. دراسة لم تبرز مختلف جوانب تصوُّرها المفترض لدى باشلار، بحيث لم يمهله الموت، وتوفيَّ يوم16 أكتوبر 1962.
هكذا، استمرَّت الأوراق التي خَطَّها باشلار متوارية لسنوات ضمن أدراج أرشيفه، غاية سنة 1988، عندما بادرت ابنته الوحيدة سوزان باشلار- الأستاذة الجامعية المتخصِّصة بعمق في فكر إدموند هوسرل، وتوفيت في باريس يوم 3 نونبر2007 ، عن سنِّ الثامن والثمانين، ثم دُفِنَت إلى جوار أبيها في قريتهما الأصلية ”بار-سور-أوب”- إلى إخراج الوثيقة الثَّمينة، بعد تجميعها وترميم هيكلها وتنظيمها وتوضيبها، ثم كتابة مقدِّمة طويلة ومفصَّلة، تشرح في إطارها، مختلف مراحل المسودَّة أطوار كتابتها، والذِّكريات التي عاشتها رفقة باشلار غاية إخراجها النهائي، وفق بناء تضمَّن ثلاث فصول كبيرة، تناولت الأساطير التالية؛ انطلاقا طبعا من تيمة النار وإحالة لامتناهية على خيالاتها: طائر العنقاء، بروميثيوس، أمبادوقليس.