“الصحافة أصبحت رياضة خطرة”: الصحفي المغربي عمر الراضي يندد

“الصحافة أصبحت رياضة خطرة”: الصحفي المغربي عمر الراضي يندد

وهوب الفيومي

تم العفو عن الصحفي المغربي المستقل عمر الراضي عام 2024، بعد أن حكم عليه القضاء المغربي بالسجن ست سنوات. واليوم يعود إلى الأوضاع المقلقة التي تعيشها حرية التعبير في المغرب.       

طاقة مذهلة، وابتسامة لا تتلاشى تقريبا… يبدو عمر الراضي، الصحفي الاستقصائي المغربي، أكثر تحفيزا من أي وقت مضى عندما التقينا به في بروكسل، بمناسبة زيارته إلى بلجيكا للمشاركة في مؤتمر لمنظمة العفو الدولية. قبل أربع سنوات، قدمت السلطات المغربية هذا الرجل باعتباره خطرا على الديمقراطية في البلاد.

تعريض الأمن الخارجي للدولة للخطر”، و”تعريض الأمن الداخلي للدولة للخطر”، و”الاغتصاب”، و”هتك العرض”. هذه هي التهم التي أدت إلى الحكم عليه بالسجن ست سنوات في عام 2022. وبعد أن قضى أربع سنوات في السجن، أُطلق سراحه بعفو ملكي العام الماضي.

لكن إدانته لا تزال تثير تساؤلات ملحة حول قمع الأصوات المعارضة في المملكة المغربية. وقد تعرضت هذه السياسة لانتقادات شديدة من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية في المغرب.

ولذلك وصفت منظمة العفو الدولية محاكمته بأنها غير عادلة. صرحت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب بأن “إدانة السيد عمر الراضي […] تهدف فقط إلى معاقبة أنشطته المشروعة في الدفاع عن حقوق الإنسان كصحفي.

بعد أن أصبح حراً، يلقي عمر راضي نظرة قاسية على حرية الصحافة في بلاده. هل لا يزال بإمكانك أن تكون صحفيًا في المغرب اليوم؟ نعم، لكن الأمر محفوف بالمخاطر. لقد أصبحت رياضة خطرة. الثمن موجود. والمخاطرة التي يتحملها الصحفي الذي يرغب حقًا في أداء عمله هي وظيفته بالتحديد، كما يوضح الرجل الذي فقدها، ولكنه خسر أيضًا أربع سنوات من حياته في هذه العملية.

التهديدات والمضايقات والإدانات

          في عام 2019 ظهرت الإنذارات الأولى بشأن عمر راضي. انهالت الإدانات على قادة حركة الاحتجاج القوية التي هزت منطقة المغرب في عامي 2016 و2017. اندلعت هذه الحركة، التي أطلق عليها اسم “حراك الريف”، بعد وفاة بائع السمك محسن فكري، الذي سُحق في شاحنة قمامة أثناء محاولته استعادة بضاعته التي صادرتها السلطات. وتبع ذلك مظاهرات واسعة النطاق طالبت بمزيد من العدالة الاجتماعية، من بين مطالب أخرى للسكان الريفيين في شمال البلاد.

وكانت العدالة المغربية بلا رحمة، حيث تم اعتقال المئات من المتظاهرين، وحكم على 42 منهم في عام 2019 بالسجن لمدد تصل إلى 20 عامًا لناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، ووسيم بوستاتي، وسمير إيغيد.

وفي هذا السياق المتوتر، لم تلق منشورات عمر الراضي المنتقدة لهذا القرار القضائي استحساناً، وحكم عليه أولاً بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ.

لكن الملاحقات القضائية سوف تتسارع. في البداية، كانت هناك حقائق صادمة من الصحفي ومنظمة العفو الدولية غير الحكومية: كان هاتف الصحفي قيد التجسس  باستخدام برنامج بيغاسوس، كما أظهرت التحليلات الفنية التفصيلية.

واستدعت السلطات عمر الراضي على الفور، واتهمته بالتجسس، وأمضى عامًا في الحبس الاحتياطي قبل أن يحكم عليه في عام 2021 بالسجن ست سنوات.

المنشورات الحساسة

         في وقت صدور هذا الحكم القاسي، كان عمر الراضي يعمل صحفيا استقصائيا في Le Desk، وهو موقع مستقل. يركز مجالات بحثه على الاستيلاء على الأراضي من قبل الأثرياء المقربين من السلطة.

الرجل مثير للقلق، وكشفه عن عمليات التجسس التي تعرض لها، حسب قوله، يشير إلى الوقت المناسب لإلقاء القبض عليه.

وتحدث لاحقًا عن تعرضه لمحاولة إهانته اجتماعيًا، مع اتهامات بارتكاب جرائم أخلاقية كان ينفيها دائمًا. وكانت اتهامات مماثلة قد وجهت إلى صحفيين مغاربة آخرين، مثل سليمان الريسوني، الذي صدر عفو عنه في نفس الوقت.

باختصار، طرح أسئلة معينة أمرٌ غير مقبول، فهو يعتقد: “من  يملك السلطة؟ ماذا يفعلون بها؟ إذا طرحتَ هذه الأسئلة، إذا كانت هذه وظيفة الصحفي، فستُعرِّضك لشتى أنواع الترهيب والمضايقة. ليس أنت أو عائلتك فحسب، بل أحباؤك أيضًا.

تحييد” الصحافة

         يمكن لوجه عمر الراضي أن يصبح منسحبا بسرعة، ليس عندما يتحدث عن قناعاته، أو عندما يستحضر سنوات اعتقاله في عزلة تامة، ولكن أكثر عندما يحلل وضع حرية التعبير في المغرب. “أود أن أقول إن الوضع لا يطاق، فهو يعيد إلى الأذهان سنوات حزينة للغاية كنا نعتقد أننا لن نعيشها مرة أخرى، والتي عاشها آباؤنا، وهو يدق ناقوس الخطر”، كما يعتقد.

إن صحافةً تمارس الرقابة الذاتية ومعارضةً غائبةً ترسم صورةً مُقلقةً للمجتمع المغربي اليوم، يقول: “أعتقد أن الاستبداد والقمع قد تجاوزا الحدود، وأن علينا الآن إعادة إرساء حدٍّ أدنى من الحرية النقابية، وحدٍّ أدنى من الحقوق، واحترام التنوع؛ لأننا اليوم أمام خطابٍ واحدٍ مفروض، وهذا الخطاب الواحد مُعزَّزٌ ومحميٌّ ومُروَّجٌ من قِبَل السلطة القائمة. خطابٌ يسحق، ويُدمِّر، ويُحبط كلَّ احتمالات الاختلاف مع هذا الخطاب […] خطابٌ واحدٌ لا تناقض فيه، وبالتالي لا مستقبل له. ويبدو لي أن السلطة لا تُدرك هذا، وتُخاطر بالتسبب في أضرارٍ في المستقبل.

هل يستحق الأمر أن تكتب شيئًا لن يكون له تأثير لأنك لا تتعرض للمضايقة؟”: السؤال يلح، ويعتبر عمر راضي نفسه نموذجا على “تحييد” العمل الصحفي الذي ينقل المعلومة للناس بهدف التأثير على مجرى الأمور، من خلال “تحييد” صاحب المعلومة.

ويعتقد أن أداء عمله كصحفي في هذا السياق أمر صعب، لكن عمر راضي لا يزال يعرّف نفسه على هذا الأساس. اليوم، يريد أن يبتعد قليلاً عن الأحداث العالمية: “حان الوقت لاتخاذ موقف، والعودة إلى شكل من أشكال الأممية والتضامن. لأن ما يحدث في فلسطين، وفي السودان مثلاً، أمرٌ مثير للاشمئزاز تماماً. وكذلك عودة اليمين المتطرف في العالم.

RTBF Actus

شارك هذا الموضوع

وهوب فيومي

صحفية بلجيكية من أصل لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!