روحية الماضي تحاصر عمل العهد الجديد في لبنان

أحمد مطر
على رغم كل الإنجازات الداخلية التي تحققت خلال الأشهر الأولى من عمر العهد والحكومة الجديدين، لا تزال ملفات أخرى كبرى كملف السلاح وعودة النازحين السوريين وترتيب العلاقات بشكل نهائي مع سوريا، معلّقة على حبال تطورات الوضع الإقليمي ومسار الحلول فيه، من معالجة وضع الجنوب إلى دمشق وطهران مروراً بغزة فلسطين .
تندفع الساحة إلى العودة، وهي لم تخرج قط، إلى تداعيات ما ترتبعلى اشتراك حزب الله، أو تدخله في الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تحت مسمى طوفان الأقصى والذي خطط له ونفذه رئيس أركان حركة حماس، كبرى حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة، ذات الاتجاه الراديكالي الإسلامي، داعياً أطراف المحور، من المركز إيران الفصائل المسلحة من حزب الله، إلى الأطراف العراقية وصولاً إلى اليمن، ولم يذكر سوريا نظام الأسد التي آثرت الابتعاد عن المسرح العسكري، وحتى السياسي أو الإعلامي، واكتفت بنشر بيانات والتنسيق مع الفريق الإيراني، ممثلاً بالحزب .
يتلطَّى حزب الله وراء عملية إعادة الإعمار، الذي بات يعلم كما معظم أركان السلطة والسياسيين معاً، أن عملية إعادة إعمار ما هدمته الاعتداءات الإسرائيلية في لبنان، ليست سالكة وآمنة، كما يروج النائب فضل الله بعد الاستهدافات الإسرائيلية، التي تتناول كوادر ومسؤولي الحزب ومواقعه القديمة أو المستحدثة في الخفاء يوميا تقريبا، ومنع أي محاولات لإعادة تموضع عناصره على الحدود الجنوبية أو قربها، في حين أنه تم إبلاغ أركان الدولة، من قبل الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول العربية، بضرورة قيام الدولة اللبنانية أولا بنزع سلاح حزب الله، وبعدها تبدأ عملية إعادة الإعمار في كل لبنان .
هذا التشدد الأميركي في ربط إطلاق عملية إعادة الإعمار منذ البداية، بنزع سلاح الحزب، شمل أيضا منع التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار من معظم الدول والصناديق، لحين تحقيق هذا الشرط المسبق، تجنباً لتكرار ما حصل بعد حرب يوليو/تموز عام 2006 .
وهكذا أصبحت السلطة أمام معادلة الاستجابة، لنزع سلاح الحزب أولا، وإلا فإن عملية إعادة الإعمار تبقى معلقة بالرغم من التداعيات السلبية، وضررها الفادح على الذين تهدمت منازلهم، وعلى المناطق المتضررة وعلى لبنان كله .
لذلك، لن يفيد تذاكي الحزب في مهاجمة رئيس الحكومة وتسديد السهام إليه من بوابة التلكؤ في إعادة الإعمار، من دون غيره من المسؤولين الذين يتبنون نفس الموقف والتوجهات، للتهرب من تبعات مسوؤليته المباشرة بتعطيل هذه العملية، لرفضه شبه المطلق تسليم سلاحه، بموجب مبررات وذرائع تجاوزتها المتغيرات وموازين القوى بالمنطقة .
خطاب حزب الله التصعيدي ضد رئيس الحكومة، هدفه تخفيف وتيرة المطالبة بنزع سلاحه في الوقت الحاضر، أملاً في إرضاء جمهوره وتنفيس احتقانه ولو بالحد الادنى، في انتظار نتائج مفاوضات الملف النووي الإيراني وإبعاده على أذرع إيران بالمنطقة ومن ضمنها الحزب نفسه، ولكن مهما كانت النتائج، أصبح مستحيلا التغاضي عن بقاء سلاح الحزب كما كان قبل طوفان الأقصى.
ختامًا، وبرغم الكلام الإيجابي اللبناني والفلسطيني الرسمي في موضوع سلاح المخيمات، لم نسمع أي كلام إيجابي في موضوع سلاح حزب الله حتى الآن، سوى توجه رئيس الجمهورية جوزاف عون للحوار مع حزب الله، وموافقة الحزب على هذا الحوار، لكن في الوقت المضبوط على الساعة الإقليمية والدولية، إذا تحققت انفراجات في الضغط على كيان الاحتلال لتنفيذ المطالب اللبنانية المحقّة، وأهمها ضمانات حقيقة تنفيذية بوقف العدوان الإسرائيلي الذي باتت أهدافه محصورة فقط في الضغط على لبنان لتحقيق مطالب سياسية صعبة التحقيق.