اليابان صناعة غربية.. أو في نقد سردية المنجرة

اليابان صناعة غربية.. أو في نقد سردية المنجرة

 إسماعيل طاهري

            في مقال رأي لها تحت عنوان ” أوقفوا الزفت” على موقع سفيركم، قالت ابتسام مشكور: إن “اليابان أُبيدت بقنبلتين ذريتين لكنها اختارت أن تنهض من نقطة الإنسان لا من ناطحات السحاب.”

وانتقدت الكاتبة تركيز المغرب على الإسمنت والزفت وبناء الملاعب والفنادق والتهيئة الحضرية استعدادا لمونديال 2030. وطالبت بضرورة التركيز على بناء الإنسان من خلال تربيته على السلوك المدني في الشارع وفي مدرجات الملعب وداخل المدارس والرفع من وعيه قبل بناء ناطحات السحاب. وأعطت الكاتبة مثالا بتجربة اليابان.

ولكون إعطاء المثال بتجربة اليابان صار سردية تتكرر عند عدد من المحللين والباحثين والساسة المغاربة رغم نسبية التجربة، صار من اللازم نقد هذه السردية والنظر اليها من زاوية أخرى تربطها بالسياق الجيوسياسي والتاريخي الذي رافق نجاحها وجعل معها دولة اليابان خلال العقود الأربعة الماضية قوة اقتصادية كبرى.

لا أحبذ إعطاء المثال باليابان وحتى ألمانيا أو إيطاليا أو إسبانيا.. فمخطط مارشال( والإتحاد الأوروبي أيضا في حالة إسبانيا ) تحت المظلة الغربية هو من ساهم في إعادة بناء اليابان وألمانيا..وما نتج عنه من تراكم رأسمالي مذهل..

كيف ذلك؟

الرأسمالية الغربية وحلف الناتو يعيان جيدا حجم الجرح الروحي والنفسي الذي خلفته الحرب العالمية الثانية في نفسيات ونفوس هذه الشعوب والدول المنهزمة، لذلك رعتها الولايات المتحدة ووراءها الرأسمالية الغربية واستثمرت فيها وصارت برامج ورساميل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي رهن إشارتها.  كما حمتها عسكريا من خلال تحويلها الى منصات أمامية لمواجهة الخطر الشيوعي عسكريا واقتصاديا..

مخطط مارشال هو أكبر عملية تمويل استثماري في التاريخ، ويقال علنا أنه خصص لإعادة بناء أوروبا المهدمة، ولكنه في العمق احتواء لدول المحور المنهزمة في الحرب. ووسيلة ناجعة لعدم إعطاء اليمين المتطرف بها فرصة جديدة لإعادة النهوض أو الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع أو عبر الإنقلابات (لنعد الى عدة محاولات انقلابية عرفتها اسبانيا وفرنسا والمانيا وإيطاليا نفسها تسقط أغلبية الحكومة فيها بمعدل سنة ونصف منذ 1945).. بالاضافة كذلك الى منع دول المحور ذاتها من السقوط الحر في مخالب المعسكر الشيوعي المتربص بانجازاته العسكرية السوفياتية وانجازاته الإقتصادية الصينية، وديمقراطيته الإجتماعية الموزعة للثروة على عموم الشعب.

 الغرب ملأ خزائن اليابان والمانيا  كما ملأ موائد الدول المنهزمة بالجبن الهولندي والجعة الباريسية حتى لا يفكروا يوما في العودة الى الإنتقام ..خصوصا ألمانيا المنهزمة مرتين.

حتى فرنسا استفادت من الكعكة، وان ظل انتصارها في الحرب مجروحا ولم تخرج بعد من عقدة احتلال النازية لعاصمة الأنوار باريس، وتنصيب حكومة فيشي.. لذلك اعتمدت نظاما اقتصاديا مختلطا يجمع بين الليبرالية وقوة نظام الضمان الإجتماعي والحماية الإجتماعية. كما سعت الى الإستقلال العسكري عن حلف الناتو وتفجيرها للقنبلة النووية في عز أحداث ثورة الشباب في1968. وحافظت على موقف مستقل في مجلس الأمن من البؤر الساخنة في العالم وحرصت على تحقيق التوازن داخل مجلس الأمن الدولي، وظلت تقاوم الوصاية الأمريكية قبل ان تنهار مع نهاية العقد الأول الألفية الثالثة وتنضم الى حلف الناتو وتنخرط في التحالف الدولي ضد الإرهاب. وبذلك صارت فرنسا تابعة لأمريكا في العقد الثاني من الألفية الثالثة مع الرئيس مانويل ماكرون.

***

لقداستفادت اليابان من مخطط مارشال وفتح الأسواق الغربية أمام منتجاتها واستثمرت فيها كبريات الشركات العالمية لذلك حققت نموا اقتصاديا هائلا واستفادت من مناخ الأعمال الخارجي هذا، علاوة على كون سكان اليابان يحبون العمل كثقافة مجتمعية مستمدة من عقائد الساموراي..

ولو توفر لأي بلد ما توفر لليابان لحققت نموا اقتصاديا هائلا.

دعك من السردية التي كرستها كتابات الراحل المهدي المنجرة عن تجربة اليابان، والتي تحمل نزعة محافظة والتي ترجع تطور اليابان الى عبادة سكانه للعمل وحفاظ سكانه على ثقافته المحافظة وطقوسه الدينية التقليدية، والحقيقة التي لم ينتبه اليها المنجرة وكافة المحللين المحافظين أن نهضة وتقدم اليابان صناعة غربية وهناك عوامل خارجية ساهمت في ذلك.

ولو تخلى عنها الغرب الرأسمالي لتعرضت اليابان الى انهيار اقتصادي ولسيطرة قوى سياسية قومية ووطنية يمينية متطرفة على الحكم، وأعادت النظر في عقيدته العسكرية، بل وفتحت مشروع صناعة القنبلة النووية وفتحت الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وعلى جيرانها خصوصا الصين وكوريا الشمالية.

تراجع القيم وغياب الوعي الديمقراطي والتأخر التاريخي في المغرب  ومختلف دول العالم الثالث نتيجة مباشرة لعوامل التاريخ والجغرافية والاستعمار والاستبداد والاغتراب والعولمة ونظام التفاهة…للك فتطور الصناعة والفلاحة والخدمات والعمران والتهيئة الحضرية سيساهم في تطور الوعي التاريخي على المدى البعيد اذا ما اقترن بتطبيق سليم للنظام الديمقراطي. ووجود علاقات خارجية جيدة مع مختلف الدول مبنية على التعاون والسلم والاحترام المتبادل في كنف المواثيق الدولية لحقوق  الإنسان بمختلف أجيالها.

فالبنية الفوقية، بوصفها نتيجة، مرهونة بالبنية التحتية، بوصفها سببا. والعكس غير صحيح نسبيا.

شارك هذا الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!