مصير الصف التقدمي… أو نقد ذاتي بصيغة أخرى

مصير الصف التقدمي… أو نقد ذاتي بصيغة أخرى

مصطفى المنوزي

             تشهد الساحة الوطنية تحولات عميقة، تتجلى في مظاهر ثقافية وسلوكية أغلبها غير معلن، لكنها توحي بتصاعد واضح للمد المحافظ، الذي يتسلل من تحت السطح ويكرّس اختيارات لا تخدم مشروع التقدم ولا حلم الإصلاح الذي رافق المغاربة منذ الاستقلال.

وإن كان هذا المعطى حاضرًا في قراءات العديد من المحللين، فإن ما يغيب عن خطابات عدد من المثقفين هو أن الأدوات التي يدّعون بها “الجذرية” لمواجهة التحالف الطبقي المهيمن، هي في جوهرها أدوات محافظة الطابع، يمينية النزعة، وفي أفضل الأحوال، يسارية ساذجة ومراهقة. فهم لا يسعون إلى إعادة بناء الوعي التحرري، بقدر ما ينخرطون في تحالفات ظرفية، هجينة، تجمع الأصوليات المتضادة، في محاولة لترجيح كفة واحدة ضد الأخرى، مما يُفرغ الصراع من محتواه الاجتماعي والسياسي، ويُلبسه طابعًا شخصانيًا وعدوانيًا.

وهكذا يُشوّه منطق الاصطفاف: بدل أن يكون عموديًا يرتكز على التناقضات البنيوية داخل المجتمع، يُختزل في اصطفافات أفقية، تحكمها الولاءات الزبونية والمرجعيات الشخصية: هذه جماعة تابعة لمسؤول نافذ، وتلك لأحد الوزراء، وأخرى لمستشار أو أمير. فتُستنزف الطاقات في معارك فارغة، وتُجهض إمكانيات التراكم، وتُعطّل عملية فرز سياسي حقيقي.

وسط هذا المشهد، تحوّلت الأحزاب السياسية إلى مجرد وكالات انتخابية موسمية، تُفعَّل قبيل الاستحقاقات ثم تعود إلى سباتها، دون أن تُنتج فكرًا أو تُبلور مشروعًا مجتمعيًا أو تؤطر المواطنين. إنها تعيد إنتاج الرداءة وتُفرغ العمل السياسي من مضمونه التشاركي والتحرري.

أما موقع المثقف/المفكر، فقد تراجع أمام زحف وجوه جديدة من الفاعلين التقنوقراط، الإعلاميين، و”الخبراء الجمعويين”، الذين يتنافسون في حلبةٍ هجينة، بين من يُحسن تسويق المعارضة غير المؤسساتية، ومن يتقن الموالاة المؤسساتية. وهكذا نصل إلى قطيعة خطيرة مع المد التحرري، ونُقايض المطلب الديمقراطي بمشاهد فلكلورية تُجمّل السلطوية أكثر مما تفضحها.

شارك هذا الموضوع

مصطفى المنوزي

رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!