حزب الله في لبنان يعتبر مصالح إيران فوق كل اعتبار

أحمد مطر
يتصرف حزب الله برفض قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة، بما فيه سلاح الحزب، وكأنه مايزال بقوته السياسية والعسكرية وامتدادته، كما كان عليه قبل حرب الاسناد التي اشعلها لدعم حركة حماس في حربها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، قبل ما يقارب من السنتين، ويستحضر كل مفردات التهديد والوعيد ضد الدولة، باختراع البدع، لمنع تنفيذ القرار والابقاء على سلاحه، تارة بحجة أنه عنصر قوة لمواجهة إسرائيل، وتارة اخرى للتصدى للعناصر السورية المتشددة للنظام الجديد، والهدف الابقاء على السلاح متفلِّتاً من اي ضوابط شرعية، للتهويل به بالداخل، كلما دعت الحاجة، واستغلاله بالاستقواء السياسي والهيمنة متى سنحت الظروف بذلك، وتوظيفه غب الطلب الإيراني، لتحقيق مصالح إيران وصفقاتها الاقليمية والدولية وباختصار، يحاول تكرار صيغة الحزب السابقة، دولة ضمن الدولة.
لم يقدم حزب الله اي حجة مقبولة او سبب موضوعي، لابقاء سلاحه خارج سلطة الدولة بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في شهر ايار عام الفين، واعلان يوم الخامس والعشرين من شهر ايار من كل عام عيدا للتحرير، وكل العناوين والذرائع الوهميةالتي تلطى وراءها بعد هذا التاريخ، كانت لتغطية وظيفة السلاح الإيراني، باستعمال الساحة اللبنانية، للمقايضات الإيرانية مع الغرب والولايات المتحدة الاميركية، والإطباق على الدولة اللبنانية، باستعمال السلاح بالترهيب والاغتيالات السياسية، والتحكم بالانتخابات الرئاسية وتأليف الحكومات واسقاطها، لغايات سورية وإيرانية، والمشاركة بالحروب الاهلية والمذهبية في سوريا والعراق واليمن، وتهديد امن دول الخليج، والزج بلبنان بالمحور السوري الإيراني عنوة وبالقوة، وباستعداء الدول العربية والحاق الاذى باللبنانيين بالخارج.
انقسام عامودي على قضايا جوهرية تشهدها الساحة اللبنانية، حيث إن الجميع بات على يقين أن لبنان بات عاجزاً من أن يخرج من دوامة التشرذم هذه، وسط زيارات مكوكية يقوم بها المبعوث الأميركي، سفير تركيا توم باراك، الذي يعتبر أن عدم تطبيق الدولة اللبنانية لخطة تسليم السلاح سيكون لها تراتبيات سلبية على الصعيدين العسكري، إذ وضح باراك أنه لا ضمانات أميركية بمنع إسرائيل من تنفيذ اعتداءات جديدة على لبنان، واقتصادية وهنا تكمن المعضلة إذ لا قدرة لحزب الله ولا للحكومة اللبنانية على إعادة الإعمار ودفع التعويضات بعدما مرّت منذ عام 2019 بأسوأ كارثة اقتصادية وانهيار مالي على الإطلاق.
بين سندان الضغط الإيراني على الثنائي الشيعي لعدم تسليم السلاح، ومطرقة أميركا في حصر الدعم بتسليم السلاح، يمرر باراك مخطط إدارته التي أفصحت عن ما يعرف بـ«المنطقة الاقتصادية» التي طالب بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة. تعتبر هذه المنطقة التي من الممكن تشييدها في القرى الحدودية الملاصقة للعدو والتي لم تسمح إسرائيل لسكانها بالعودة إليها رغم التزام حزب الله كاملاً بقرار 1701، إنها ستكون منطقة صناعة وسياحية تخدم الرؤية الأميركية للحل الشامل للمنطقة بما في ذلك تحويل قطاع غزة إلى ريفييرا الشرق.
وفي هذا السياق توقُّف الموفد الأميركي توم براك في الجنوب اللبناني لم يكن مجرد محطة بروتوكولية، بل خطوة تحمل أبعاداً سياسية وأمنية لافتة. فالرجل الذي اضطر إلى قطع جولته بسبب التظاهرات الشعبية الرافضة للحضور الأميركي، وجد نفسه في مواجهة واقع الجنوب الحقيقي: شارع ناقم على الانحياز الأميركي المزمن لإسرائيل، وجيش لبناني يواجه تحديات ميدانية معقدة، بين مراقبة الخروقات الإسرائيلية المتواصلة، وضبط السلاح غير الشرعي لحزب الله.
براك عقد اجتماعاً مطولاً مع ضباط الجيش اللبناني، واطّلع منهم على ما تحقق في نطاق جنوب الليطاني من كشف مخازن أسلحة ومستودعات ذخيرة تابعة لحزب الله. هذه المعطيات، وإن أراد الأميركي استثمارها سياسياً، تعكس حقيقة الجهد العسكري اللبناني في تطبيق قرار مجلس الأمن 1701، وسط ظروف ضاغطة وميزان قوى داخلي حساس، وإمكانيات لوجستية متواضعة.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تساعد هذه الزيارة فعلاً على وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة، أم أنها تندرج فقط في إطار الضغوط المتصاعدة على لبنان لحصر السلاح بيد الدولة التجربة السابقة لا تشجع كثيراً. فمنذ عام 2006، لم تتوقف إسرائيل عن الانتهاكات الجوية والبرية والبحرية للسيادة اللبنانية، رغم وجود اليونيفيل والالتزامات الدولية. والأسوأ أن الوساطات الأميركية غالباً ما اكتفت بممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية، بينما غضّت الطرف عن مسؤولية إسرائيل المباشرة في خرق القرار 1701.
زيارة براك تأتي إذاً في سياق مزدوج: من جهة، هي محاولة لتظهير واشنطن كوسيط مهتم باستقرار الجنوب، وطرح مشروع المنطقة الإقتصادية الحدودية، ومن جهة أخرى هي رسالة سياسية داخلية لإبراز الحاجة إلى سحب سلاح حزب الله تمهيداً لحصر القرار العسكري بيد الدولة. غير أن هذا المسار يصطدم بعقبة أساسية: غياب الضمانات الأميركية الجدية تجاه وقف العدوان الإسرائيلي. فلا الدولة اللبنانية قادرة على المضي قدماً في ملف السلاح من دون مظلة حماية وضمانات دولية حقيقية، ولا واشنطن تبدو مستعدة لفرض التزامات ملزمة على حليفتها إسرائيل.
إن زيارة براك إلى الجنوب تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الضغط السياسي أكثر مما تقدم حلولاً عملية. فوقف الخروقات الإسرائيلية يتطلب قراراً دولياً رادعاً لا مؤشرات إليه حتى الآن، بينما تطبيق قرار حصر السلاح بالدولة يحتاج إلى توافق داخلي لبناني ما زال بعيد المنال.
ختامًا بين هذين المسارين، يبقى الجيش اللبناني هو الضامن الوحيد للاستقرار، فيما يستمر الشارع الجنوبي في التعبير عن ريبة عميقة من كل وساطة أميركية لا توازن بين حقوق لبنان وسياسات إسرائيل العدوانية.