رسالةٌ إلى كلِّ الحَرائِر وَِالأحْرَار الذينَ أُشْبهُهُمْ ويشْبهُونَني

رسالةٌ إلى كلِّ الحَرائِر وَِالأحْرَار الذينَ أُشْبهُهُمْ ويشْبهُونَني

عبد الرحمان الغندور

             أيتها الحرائر، أيها الأحرار في كل مكان، أيها اللواتي والذين حملن وحملوا القلوب في أيديهم ورفعوا راية الكرامة ضد كل أشكال الاستبداد والاستسلام، إليكم وإليكن، أكتب هذه الكلمات من أعماق روح تؤمن بأن الحرية ليست مجرد شعار، بل هي جوهر الوجود الإنساني وشرطه الأول.

نحن نؤمن بالديمقراطية ليس لأنها نظاماً مثالياً، بل لأنها تعترف لنا بحقنا في أن نكون كائنات إنسانية جديرة بإنسانيتها، وتسمح لنا بأن نخطئ ونصيب، -وأن نختلف ونتفق، وأن نحكم ونُحاسَب، وأن نحاسب من يحكمنا… فهي التعبير الأرقى عن إنسانيتنا الفردية والجماعية.

نحب الحرية لأنها تمكننا من أن نكون أصحاب قرار، لا مجرد أرقام في سجل المواليد والوفيات. نحن نرى في الإعلام الحر صوت ضميرنا النابض، الذي لا يخشى في الحقيقة لومة لائم، يسائل الجميع دون خوف أو محاباة، ينير الطريق للناس في شؤونهم كلها، في الاقتصاد الذي يبني الحياة، وفي التربية التي تشكل العقول، وفي الثقافة التي تصوغ الهوية، وفي الأمن الذي يحمي الوطن لا النظام فقط. لأنه بدون حرية التعبير والمساءلة، يصير الوطن سجناً كبيراً، والحكام حراساً له، والشعب كتلة من المساجين مركونة على هامش التاريخ.

نرفض أن نكون رعاعا أو رعايا، ونتوق إلى المواطنة الكاملة غير المنقوصة، ونرفض أن يمن علينا أحد بحقوقنا التي تكفلها المواثيق والقوانين. المواطنة الحقيقية ليست في التطبيل للسلطة، بل في بناء جبهة داخلية قوية من المواطنين الأحرار والمواطنات الحرائر، الذين يدافعون عن وطنهم لأنه وطنهم، لأنه المكان الذي يجدون فيه أنفسهم، وكرامتهم، وحريتهم. وطن لا يسجنهم بل يطلق طاقاتهم، لا يُذلهم بل يُعزهم، لا يُسكتهم بل يسمع صوتهم.

نحن مع الحداثة السياسية التي تبني دولاً قوية مستقلة، دولاً تحترم مواطنيها وتحترم نفسها، دولاً تقوم على العدل لا على القمع، على الكرامة لا على الذل، على العقل لا على الخرافة. هذه الحداثة التي تنتج إنساناً كريماً، لا عبداً مطيعاً. لأننا نؤمن بأن الكرامة هي التي تجعلنا كائنات إنسانية، ومن فقدها فقد إنسانيته، حتى لو تملق للسلطان وادعى الوطنية.

أما أولئك الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان، وحولوا ألسنتهم وأقلامهم إلى حراس لأبواب السلاطين، فليعلموا أنهم لا يخدعون أحداً. إنهم يظنون أنهم يزايدون بالوطنية، ولكنها وطنية من لا وطن له إلا مصلحته، من لا كرامة له إلا عبوديته. إنهم حين يسبون الأحرار والشرفاء يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم عاجزون عن بلوغ شرفهم، عاجزون عن أن يكونوا بشراً مثلهم.

نحن لا نكرههم، بل نشفق عليهم، لأنهم ضحايا أنفسهم قبل أن يكونوا ضحايا النظام. ولكننا نعلم أن المستقبل ليس لهم، المستقبل لمن يمسك بكرامته كما يمسك بالجمرة، لا يتركها حتى لو احترقت يداه. المستقبل للمقاومين في غزة وفلسطين وكل أرض مغتصبة، للذين يرفضون أن يموتوا صمتاً، للذين يقررون أن يعيشوا أحراراً أو لا يعيشوا أبداً.

وحين نقف مع المقاومة، فلأن المقاومة ليست فقط بندقية في وجه محتل، بل هي أيضاً كلمة حق في وجه طاغية، هي رفض للاستسلام الداخلي والخارجي، هي إصرار على أن تكون سيداً في أرضك، في قولك، في حياتك. والتطبيع مع الاحتلال أو مع الاستبداد هو وجهان لعملة واحدة: هي عملة الاستسلام. ونحن نرفضها لأن الحرية كل لا يتجزأ.

فإلى كل من آمن بأن الحياة بدون حرية ليست حياة، وأن الكرامة أغلى من البقاء، إليكم نمد الأيدي والعقول والقلوب. لأن الحرية هي الطريق، وهي الهدف، وهي الجوهر الذي لا يحيا بدونه إنسان. والحرية لا تهبط من السماء، بل تُؤخذ بأيدي من يستحقونها، بقلوبهم العامرة بالإيمان، وعقولهم المتقدة بالوعي، وأرواحهم التواقة للتحرر.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!