في وداع رفيقي مولاي علي القرشي الذي دلّني على مباهج الحياة

أحمد حبشي
اكتملت النوائب وتوالت الاأحزان، فقد آخر يدمي الفؤاد ويعلي من صخب الاشجان، رفيق عزيز ودود دمت الأخلق يرحل، تطفو بسمته الباذخة وهو يرتل وصاياه ممزوجة بأنين وزفرات، أوصانا بالوطن عزة وفخرا وبتوطيد روابط المودة وفاء وفيض عطاء.
اقتفيت وقع آلامه وصلابة ردة فعله منذ استوطن الوهن حركاته، كلما قابلته تفتقت أساريره واتسع بريق عينيه، يغمرني بعناق طافح بالمودة وبهي الكلمات، نتبادل الرشق بما علق في الذاكرة من عسف الطغيان، أيام نستعيد فورة صخبها ونحلق في وهج الاستعلاء، ما كان للقيد أن يصد فورة عنادنا ولا الحد من عزمنا على تحدي كل الهزات والنوائب، اكتملت روابط مودتنا ونحن في قبضة من استباح دمنا وسعى للنيل من سمو عزتنا وصلابة هبتنا في تآزر وانسجام. تعلو أصواتنا طربا واناشيد للرفع من منسوب العطاء، كان يتلو الشعر ويدعوني للغناء، يبسط معاني الكلمات لكشف دلالة العبارات وسياق تركيبها، ونحن من حوله نصيخ السمع ونطلب المزيد من جميل الكلام ووهج العبارات.
واليوم ونحن على مسافة أبدية، ارتشف الأسى وأمج مرارة الفراق، يصلني صوته الممزوج برنات بهجته، وهو يكشف سر الكلمات، يبرز المعنى ودلالات العبارات. هكذا توطدت علاقاتنا وسط لهيب المعاناة، كانت أحاديثه بلسما لما كنا فيه من هلامية الآفاق، يحثنا على ألا يخف وقع سعينا في تمتين الأواصر وأن لا نحد من عزمنا في بسط مداخل الحقيقة وإن تكالبت الأهوال. فالأفق يتسع لأكثر من سؤال. هي لحظات باذخة تقاسمنا بهاء رتابتها، وعلمتنا أن في توطيد العلائق سر تجاوز وقع النكبات، وأن الرفقة الطيبة تعيد للنفس عزتها وتحمي من كل مناحي الاستصغار والاستسلام.
وداعا رفيقي العزيز، لا يقوى الدمع ولا آهات الحسرة، أن تعيد بهاء أيام كنت فيها نبراسا للسلوك القويم والتواضع اللافت، لا تغريك المظاهر ولا تتردد في بسط أفكارك والكشف عن مصادر معارفك وتطلعاتك. محرابك المقدس أن تكشف كل خفايا الكلمات وأبعاد دلالتها، حتى ينجلي المعنى وتعم البهجة.
سأظل مدينا لك بكل ما قدمته لي من دعم، بكل تلقائية ودون تردد. هي لحظات لا تنسى، تجسد سمو العلاقات الإنسانية والرفاقية، بصرف النظر عن تفاصيل لا ترقى إلى سمو النبل الإنساني ودواعي التضحيات، فلروحك الطاهرة أزكى تحية عزاؤنا أنا صادفنا في مجرى أيامنا إنسانا شهما خلوقا، دلنا على مداخل بهجة الحياة.