مهرجان بغداد السينمائي.. خطوة ثانية نحو التكريس العربي والعالمي

مهرجان بغداد السينمائي.. خطوة ثانية نحو التكريس العربي والعالمي

 بغداد- عبد الرحيم التوراني

           تزامن اختيار بغداد عاصمةً للسياحة العربية هذه السنة، مع تنظيم الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي، في الفترة الممتدة من 15 إلى 21 سبتمبر 2025.

تميزت فعاليات المهرجان بإقبال جماهيري لافت، وبحضور غفير من الشخصيات البارزة. وضمت المسابقة الرسمية للمهرجان ما يقارب 67 فيلمًا من مختلف أنحاء البلاد العربية، تنوعت بين أفلام روائية وأفلام قصيرة ووثائقية وأفلام رسوم متحركة.

شملت المسابقات أفلامًا سبق أن نالت استحسانًا نقديًا في مهرجانات دولية. وهذا يُشير إلى سعي المهرجان لاستقطاب أفلام ذات قيمة فنية عالية و”لقيت استحسانًا نقديًا كافيًا”. كما  أن الأفلام المشاركة أبرزت تركيزها على القضايا الاجتماعية والإنسانية المعاصرة في المنطقة، بالإضافة إلى أفلام توثّق لأحداث مؤلمة في العراق والمنطقة.

تشكلت لجنة تحكيم المهرجان من أسماء وازنة وراسخة، تتمتع بخبرة واسعة في المجال السينمائي، يرأسها الممثل السوري الشهير غسان مسعود.

 تكريم نسائي فخم

 حرص منظمو المهرجان على توفير أسباب إنجاحه، فلم يذهب جهدهم سدىً، بل أثمر نجاحًا واضحًا ومتميزًا يليق بريادة العراق ومكانته الثقافية. هذا يؤكد التطلع المشروع نحو استمرار نجاح المهرجان رغم كل التحديات، وهو بلا شك إنجاز كبير بحد ذاته. كما يجب التنويه بالدعم الحكومي الذي يحظى به المهرجان، من رئيس الوزراء ووزارة الثقافة. ما يساهم في بلوغ مهرجان بغداد السينمائي مكانته المرموقة، ونيله مصداقية دولية، بسعيه إلى خلق حوار فني بين المخرجين العراقيين ونظرائهم العرب.

رئيس المهرجان هو نقيب الفنانين العراقيين د. جبار جودي، ومديره هو د. حكمت البيضاني، أما مقرر لجنته التحضيرية فهو عبد العليم البناء.

السينما التونسية كانت ضيف شرف هذه الدورة الثانية، بحضور وفد كبير من تونس الخضراء، أغلبه من النساء، لم ينافسه ضمن الحضور العربي الكبير، سوى الوفد المصري برئاسة المخرج الكبير خالد يوسف وحضور الممثلة داليا البحيري.

أما حفل الافتتاح، فقد حظي التكريم المبهر وغير المسبوق لثماني عشرة فنانة رائدة من المشهد الفني العراقي بإشادة وتقدير واسعين.

 منصة مؤثرة في المشهد السينمائي:

بهدف نشر الثقافة السينمائية بين شريحة واسعة من الجمهور في العاصمة، سعى المنظمون إلى توزيع العروض السينمائية على سينما الرشيد وسينما الجادرية مول.

واضح أن الهدف الكبير للمهرجان هو استعادة بغداد عاصمةً للإبداع والتواصل العربي، وتجاوز التحديات التنظيمية المتوقعة في أي بناء وتأسيس للسير على النهج الصحيح، عبر انتقاء جودة الأفلام المشاركة، ومصداقية لجنة التحكيم. لذلك تُعدّ الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي نقلة نوعية في مسيرة إحياء السينما العراقية والعربية، فالمهرجان لم يكن مجرد حدث فني عابر، بل هو فعل مقاومة ثقافية، أو ما سماه المنظمون بـ”الحراك الثقافي”.

لن يتأخر الوقت حتى يتحول مهرجان بغداد السينمائي ليصبح منصة مهمة ومؤثرة في المشهد السينمائي العربي.. إذ يتمتع مهرجان بغداد السينمائي بإمكانيات كبيرة للارتقاء إلى مصاف المهرجانات الكبرى في المنطقة والعالم، مستفيدًا من التاريخ السينمائي الغني للعراق ومن العمق الثقافي لعاصمة الإبداع والفنون، بغداد الشامخة مدينة السلام.

أعداد من النشرة اليومية للمهرجان
أعداد من النشرة اليومية للمهرجان

 إن دور المهرجانات السينمائية في الدول العربية معقد ومختلف جوهريًا عن دور المهرجانات في مناطق أخرى من العالم. فهو لا يقتصر على تعزيز الثقافة السينمائية فحسب، بل يمتد أيضًا إلى بناء صناعة عانت من انتكاسات طويلة، وكسر عزلتها عن العالم الخارجي. وبينما تُركّز المهرجانات الأوروبية والأمريكية على تسويق وإدارة الصناعات الراسخة، تتشارك المهرجانات الأفريقية والآسيوية في مهمة التطوير والنمو. أما المهرجانات السينمائية في الدول العربية فتؤدي دورًا مُحفّزًا ومُنقذًا للثقافة والصناعة، فهي لا تُقدّم الأفلام فحسب، بل تُمهّد الطريق أيضًا لجيل جديد من صانعي الأفلام والجمهور المُطّلع، الأمر الذي يتطلب تحقيق التركيز على محاور استراتيجية تجمع بين التميز الفني والبنية التحتية المهنية والاستدامة الاقتصادية.

 جوائز المهرجان:

أسدل الستار على حفل ختام مهرجان بغداد السينمائي الثاني، بتوزيع الجوائز من قبل وزير الثقافة أحمد فكاك البدراني، ورئيس المهرجان د. جبار جودي، ومدير المهرجان د. حكمت البيضاني، على النحو التالي:

أفلام الرسوم المتحركة: جائزة خاصة لفيلم الرسوم المتحركة الطويل (القناني المسحورة) إخراج أنس الموسوي من العراق، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم (نابو) إخراج حسين العكيلي من العراق، وجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة (أطفال البرزخ) إخراج أحمد خطاب من الأمارات.

والفيلم الوثائقي الطويل والقصير: جائزة لجنة التحكيم لفيلم (لن أغادرها أبداً) لليمني العلوي السقاف، وجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير لفيلم (إبراهيم) لعلي يحيى من العراق، وجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل (السودان يا غالي) للمخرجة هند المدب من تونس.

والفيلم الروائي القصير: ثلاث جوائز تشجيعية، الجائزة التقديرية الأولى، لفيلم (شكراً لأنك تحلم معنا) إخراج ليلى عباس من فلسطين، والجائزة التقديرية الثانية فيلم (دعاء العشاء) إخراج محمد كمال من السودان، والجائزة التقديرية الثالثة لفيلم (كان نفسي) لأسامة القزاز من مصر، وشهادة تقديرية أخرى لفيلم (الموعد) إخراج سفيان بن يوسف من الجزائر، وجائزة التحكيم الخاصة لفيلم (عَ الحافة) إخراج سحر العشي من تونس، وجائزة أفضل فيلم روائي قصير (سحر) لكحيل خالد من العراق.

مع الناقد السينمائي العراقي رضا الأعرجي، لحظة السلام على د. جبار جودي رئيس مهرجان بغداد السينمائي
مع الناقد السينمائي العراقي رضا الأعرجي، لحظة السلام على د. جبار جودي رئيس مهرجان بغداد السينمائي

الأفلام الروائية الطويلة: جائزة الجمهور، أعلى تصويت وإعجاب من الحضور لفيلم (جريرة) إخراج عمار الحمادي من العراق، وشهادة تقديرية لفيلم (شكراً لأنك تحلم معنا) إخراج ليلى عباس من فلسطين، تنويه خاص بالفنان العراقي وسام ضياء، عن دوره في فيلم (جريرة) وجائزة أفضل تصوير لفيلم (إبن آشور) إخراج فرانك كلبرت من العراق، وجائزة أفضل ممثلة للفنانة إسلام مبارك، عن فيلم (ضي) إخراج كريم الشناوي من مصر، وجائزة أفضل ممثل لبكر خالد من العراق عن دوره في فيلم (ندم)، وجائزة أفضل مخرج ريكا البرزنجي من العراق عن فيلمه (ندم)، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم (سلمى)” إخراج جود سعيد من سوريا، وجائزة أفضل سيناريو للسيناريست فيصل سام ولؤي خربش، عن فيلم (إرزة) للمخرجة ميرا شعيب من لبنان، وأسهم الوزير البدراني ورئيس المهرجان جودي ومديره البيضاني بتقديم مسك ختام الجوائز والمهرجان معاً.. الجائزة الثالثة لأفضل فيلم روائي طويل لفيلم (إرزة) ميرا شعيب من لبنان، الجائزة الثانية لأفضل فيلم روائي طويل لفيلم (أناشيد آدم) لعدي رشيد من العراق، الجائزة الأولى لأفضل فيلم روائي طويل لفيلم (ضي) إخراج كريم الشناوي.. من مصر.

  هامش:

لا ضرر من الإدلاء بهذه الملاحظة العابرة:

رغم أنه من الصعب تحديد سبب لعدم حصول الفيلم المغربي المشارك في المسابقة الرسمية على أي تنويه من المهرجان، لأن الافتراض يؤكد أن قرارات لجنة التحكيم غالبا ما تؤطرها معايير جمالية وفنية متفق عليها بين أعضائها، وليس بالضرورة العلاقات الخارجية أو الموضوع المطروح.

لقد تزامن إعلان جوائز المهرجان مع اليوم العالمي للسلام، إلا أن الفيلم الوحيد الذي تناول موضوع السلام صراحةً وبصيغة مباشرةً.. خرج خالي الوفاض. كان هذا الفيلم المغربي “وحده الحب” للمخرج المغربي كمال كمال (كمال بن عبيد)، وقد حضر المهرجان أحد أبرز نجومه، (الموسيقي والممثل المغربي الشهير يونس ميكري). ما أثار استغراب بعض الفنانين والنقاد المشاركين، الذين لم يخفوا إعجابهم بالفيلم المغربي، منوهين بقدرة مخرجه على توظيف قصة حب ومأساة عائلية، كمرآة نقدية للقرار السياسي بإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر والتوترات الدبلوماسية الناتجة عنه، توظيف يتجنب به الفيلم الدلالات السياسية والصراع المستمر منذ عقود بين البلدين الجارين، المغرب والجزائر، بدعوته إلى الحب والسلام. ولعلّ رمزية إسناد الدور الرئيسي في الفيلم المغربي “وحده الحب” إلى ممثل جزائري قد أُغفلت.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!