في نقد التأويل الحقوقي لممارسة حق التظاهر السلمي!

اسماعيل طاهري
في سياق الاحتجاجات التي انطلقت في المغرب من 27 شتنبر الماضي، من طرف شباب جيل زيد/Z, أكد بيان أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم السبت 4 أكتوبر 2025 أن المظاهرات التي شهدتها المدن المغربية خلال يومي الخميس والجمعة الماضيين “جرت في أجواء سلمية”، مبرزًا أن ما سُجّل من تفاعل بين المتظاهرين والقوات العمومية يجسد “تفعيلًا للتأويل الحقوقي للحق في التظاهر السلمي، باعتباره مسؤولية مشتركة بين الطرفين”.
توقف العنف ناتج بشكل مباشر عن توقف القوات العمومية عن منع التظاهر وتفريق التظاهرات باستعمال القوة والاعتقالات العشوائية والمبالغ في كميتها. علاوة على استفزاز المتظاهرين من طرف أعوان السلطة.
تفريق التظاهرات بالقوة كان خطأ تكتيكيا واستراتيجيا في نفس الوقت، لم تحسب السلطات لعواقبه حسابا دقيقا وكاد يتسبب في مزلق أمني خطير. في الوقت الذي كانت الحكومة صامتة وغير قادرة على مواجهة مطالب الجماهير الغاضبة.
وأتساءل لماذا لم تأخذ وزارة الداخلية الدرس من عدم منع مظاهرات حركة 20 فبراير قبل 14 سنة؟ أليس تعقل السلطات هو الذي جنب البلاد أمرين:
1_ عدم دفع الحركة الى رفع سقف المطالب لتجاوز مطلب الملكية البرلمانية ومحاربة الفساد والاستبداد.
1- عدم جنوح أنصارها الى العنف.
وفي النهاية حضرت السياسة وغاب العنف بعد تدخل سريع للملك ودعوته الى انتخابات سابقة لأوانها وإدخال إصلاحات على الدستور وتضمينه بعض مطالب حركة 20 فبراير.…
تخريجة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتبرير تراجع وزارة الداخلية عن منع التظاهر السلمي، يبقى مقبولا لحفظ ماء الوجه. فالمهم هو نتيجة هذا التراجع الذي تم في الوقت المناسب.
والذي يبقى مطلوبا هو ضرورة التدخل السريع لحلحلة الأزمة عبر مبادرات سياسية مبنية على الحوار والتوافق وتفهم مطالب المحتجين التي يكاد يجمع الجميع على شرعيتها وعدالتها ودستوريتها.
وفي هذا السياق يتعين لجم بعض وزراء الحكومة الذين يستفزون المتظاهرين خصوصا من حزبي البام والأحرار وأن يتقيدوا بواجب التحفظ حتى لا يشوشوا على مبادرات حل الأزمة، علاوة على تماديهم في إنكار الواقع قد يؤدي الى تفاقم الأوضاع.
كلفة منع التظاهر السلمي واعتقال المئات من المتظاهرين وتوقيف العشرات من المخربين واحالتهم على المحاكم الجنائية.، كلفة كان يجب تفاديها. وهذا سيمارس ضغطا على السلطة القضائية، وعلى سجل المغرب في مجال حقوق الإنسان. وقد سجلت الكاميرات بالصوت والصورة وجود تجاوزات من القوات العمومية وبعض رجال السلطة وأعوان السلطة أثناء تفريق المظاهرات وأثناء اعتقال المتظاهرين ولم نسمع عن فتح تحقيق قضائي في الموضوع، أو صدور عقوبات إدارية في حقهم. وهذه إجراءات كانت كافية للدفع بتهدئة الأوضاع الى الأمام في انتظار الحل السياسي.
والمجلس الوطني لحقوق الإنسان اعترف بوجود تجاوزات للسلطة العمومية عندما أقر في بيانه بتسجيل: “بعض أشكال التدخل غير الملائمة أو المناسبة” دون أن يفصل في الموضوع.
مشكلتنا في المغرب هو أن السلطة لا تعترف بأخطائها، بل تبحث عن تبريرها بمبررات متعددة لا تصمد أمام الواقع الذي لا يرتفع. ومنها تبرير تأويل الحق في التظاهر السلمي على أساس حقوقي وليس على أساس قانوني مستمد من نص صريح في الدستور تم لي عنقه في القانون التنظيمي لتصبح ممارسته تأتي من باب التأويل وليس من باب التقرير. وكأن بند هذا الحق في الدستور نص أدبي. وهذا للأسف ما قام به بيان السبت للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عندما أوصى بـ:”الحرص على إعمال التأويل الحقوقي للحق في التجمع السلمي، بغض النظر عن التصريح أو الإشعار وضرورة ربطه بضمان سلمية التجمع والتظاهر واستحضار خصوصيات التعابير الرقمية الناشئة في هذا الإطار” *
فلماذا لم يوصي المجلس بكون هذا القانون الذي يقيد حق التظاهر والاحتجاج السلمي مخالف لروح ومنطوق الدستور وبالتالي يجب مراجعته.
ولهذا المجلس سوابق في تبرير سلوك السلطة وتأويله على أساس حقوقي وأشهره تعريف أمينته لمفهوم الاعتقال السياسي ونفي وجوده في المغرب.
*بلاغ صحفي: خلاصات وتوصيات أولية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن الاحتجاجات التي تشهدها عدد من المدن المغربية.
https://cndh.ma/index.php/ar/blagh-shfy-khlasat-wtwsyat-awlyt-llmjls-alwtny-lhqwq-alansan-bshan-alahtjajat-alty-tshhdha-dd-mn-0