الرياضة عنوان خراب العمران في الدول السلطوية

الرياضة عنوان خراب العمران في الدول السلطوية

إسماعيل طاهري

           عندما تصير الرياضة قضية دولة، فاعلم أن الدولة، ان كانت ديمقراطية فان بذور السلطوية بدأت تنمو فيها، وإن كانت الدولة غير ديمقراطية فالرياضة وسيلة لتكريس السلطوية وللتغطية على الدكتاتورية وإلهاء الجمهور عن التفكير العقلاني في حل مشاكله الحقيقية ذات الصلة بتوزيع السلطة والثروة.

إن ممارسة الرياضة تنفع الجسم وتقويه. ولكن متابعتها فقط كفرجة ومصدر للذة العابرة للمباريات والبطولات تعيق العقل وتضعف الجسم وتجعل الشباب مهووسين ومخديون بقرص الفراغ المستدير ويعيشون خارج الزمان وعلى هامش التاريخ.ةالتغريداتمك٩ط

الأمر كان عقيدة عند الفاشي موسيليني في إيطاليا التي فاز فريقها بكأس العالم لسنة 1936 والبنادق على صدغ كل لاعب..

كذلك الأمر  حدث في مختلف الأنظمة العسكرية في أمريكا اللاتينية منذ نصف قرن، وقد تطورت فيها كرة القدم ومع ذلك ظلت في معظمها دول متخلفة اقتصاديا.

لا أحتاج الى التذكير بالتجربة الجزائرية التي جعلت الرياضة قضية دولة، واستحالت معها الفرق الرياضية الى كتائب حربية لتلميع صورة النظام العسكري الديكتاتوري، واستغلالها في محاربة المغرب بواسطة الرياضة.فما يعجز عنه قادة الجزائر سياسيا يتكفل به صحافيون بلا ضمير مهني..

هذا المرض السلطوي انتقل تدريجيا الى المغرب في السنوات الأخيرة، فبعد مغادرة الأمنيين للمناصب الحساسة في تدبير وتسيير مؤسسات الرياضة وأنديتتها، بعد رياح التغيير التي هبت مع حكومة التناوب مع عبد الرحمان اليوسفي منذ 1998، جيء بمدنيين بورجوازيين بعقلية أمنية سلطوية وهمهم هو السهر على تحويل المشاريع الرياضية الكبرى- غير المجدية اقتصاديا- الى عقبة أمام تحقيق حلم الدولة الإجتماعية، ويلهثون وراء السراب الذي قد يتسبب في الخراب.. خراب العمران الذي تحدث عنه ابن خلدون في كتاب المقدمة.

لم نقبل منهم المشاريع الإقتصادية الكبرى التي استنزفت المالية العمومية، وأغرقت البلاد في الديون الخارجية رغم عائداتها الاقتصادية المتواضعة، فكيف نقبل منهم مشاريع رياضية كبرى، يوكد كبار الاقتصاديين (وعلى رأسهم الدكتور نجيب أقصبي) على عدم جدواها الاقتصادية وقد تقود البلاد الى الإفلاس، وتهديد السلم الاجتماعي، والمبرر هو اعتبار الرياضة قضية سيادية للدولة.

ونهمس في آذانهم أن الإحتجاجات والحراكات المهنية والمناطقية وأخيرا الجيلية مع شباب Z علامة على مخاض الإنفجار الإجتماعي الذي يعتمل داخل أعماق المجتمع المغربي.

فلا تجعلوا الرياضة ومشاريعها الفرعونية الكبرى وقودا لهذا المخاض!!

فإذا وصلت المشاريع الإقتصادية الكبرى الى نهايتها الحتمية الفشل، فانتظر الساعة، “وإن الساعة آتية لا ريب فيها” صدق الله العظيم.

***

نحن لا ولن نسرق الفرح البريء من أطفالنا بفوز منتخب وطني، لأنهم أطفال أولا وأخيرا، وهم بالملايين محرومون حتى من حصة الرياضة في المدارس العمومية ولا يعرفونها الا في يافطة “وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة“.

 نحن لن نسرق الفرح العابر كذلك من محكوم بالإعدام في ليلته الأخيرة قبل تنفذ الحكم عند الفجر. كما ورد في رواية الكاتب الفرنسي فيكتور هيغو  Le dernier jour d’ un condamné أو في رواية الأجنبي L’etranger لألبير كامو. وان كان بطلي الروايتين واعيين بنهايتهما المحتومة ويتحديان مصيرهما المسطور، ولكن المسؤولين عندنا في المغرب، ربما غير واعين بالنهاية المأساوية للمشاريع الإقتصادية الكبرى التي لا تنتج فائض القيمة: التشغيل والعملة الصعبة، في الرياضة وفي غيرها..الخ. فهي مشاريع فاشلة إذا تمت على حساب التوازنات الإجتماعية، وعلى حساب مشاريع الإنتقال الديمقراطي المنقلب عليه.

فقد علمتنا التجارب أنه: “كلما انتصر منتخب مغربي في كرة القدم، زاد الكومبرادور في الضغط بحذائه الثقيل على رقاب الشعب الأمي، الفقير والمريض الى حد الموت ؛؛؛؟

شارك هذا الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!