الحق في الفرح.. الحق في الوطن

الحق في الفرح.. الحق في الوطن

 عبد الرحمان الغندور

           خرج المغاربة إلى الشوارع منذ الساعات الأولى للفجر، مختزلين كل هواجس الغد وآلام الأمس في هتاف واحد، يملأ الفضاء ويصعد إلى السماء. لم تكن مجرد كرة تركل في شباك، ولا بطولة تُرفع فوق الأعناق، بل كانت جرعة فرح استثنائية، كأنما المغاربة كانوا ينتظرونها منذ دهور. لقد منحهم أشبال الأطلس، بنيلهم كأس العالم لكرة القدم للشباب أقل من 20 سنة، ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة طيلة سبعة عقود، منح الشباب للمغاربة، لحظة من المساواة في الفرح، منحوهم كبرياء جماعياً لم يُشعروا بمثله منذ عودة محمد الخامس وإعلان الاستقلال.

في هذه اللحظة، لم يكن هناك غني ولا فقير، لا حاكم ولا محكوم، ولا آمر ولا مأمور، ولا متعلم ولا أمي. كان هناك فقط مغاربة، تذوب هواجسهم في بوتقة الفرح العارم. لقد كشفت هذه اللحظة عن حقيقة عميقة: أن المغربي، في أعماقه، يبحث عن الفرح كحق من حقوقه المسلوبة. فرحة تبدأ من تفاصيل الحياة البسيطة: من عيش يملأ البطون، وتعليم يبني العقول، وتطبيب يشفي الأجساد، وسكن يؤوي الأسر. لكن هذه الحقوق الأساسية تحولت إلى أمنيات بعيدة في ظل سياسات لم تستطع، أو لم تُرد، أن تمنح المواطن كرامته الكاملة.

فإذا بالفرح، ذلك الحق الطبيعي، يُختزل في لحظات عابرة يمنحها أبناء الوطن بأنفسهم، من خارج دوائر السلطة والقرار. إنها مفارقة تؤلم: أن يجد المغاربة أنفسهم في أحضان وطنهم فقط حين ينتصر شبابهم في الميادين الرياضية، بينما يعيشون الغربة ذاتها داخل حدوده كلما عادوا إلى واقعهم اليومي. لقد حوّل المغاربة الملاعب إلى فضاء بديل للوطنية والمواطنة، حيث يشعرون بأنهم شركاء حقيقيون في النجاح، لا مجرد متفرجين على وطن لا يمنحهم من حقوق المواطنة سوى الواجبات.

وما حدث في الملاعب لم يكن مجرد منافسة رياضية، بل كان تجسيداً للروح المغربية المتطلعة إلى العلياء. تلك الروح التي تبحث عن مكان تحت الشمس، تريد أن تثبت للعالم، ولنفسها قبل ذلك، أنها قادرة على المنافسة والتفوق عندما تُمنح الفرصة. إن صورة المغرب التي تلمع في الميادين الرياضية هي ذات الصورة التي يتوق إليها المغاربة في مجالات الحريات والحقوق والعدالة والكرامة. إنهم يريدون وطناً يلمع داخلياً كما يلمع خارجياً، وطناً تكون فيه الكرامة الإنسانية هي اللعبة الأساسية، والعدالة هي الحكم النزيه.

إن إنجازات الشباب على أرضية الملاعب تطرح سؤالاً مصيرياً على الحكام والسياسيين: هل ستظل هذه الإنجازات مجرد مناسبات للفرح العابر، أم ستكون محفزاً حقيقياً لمراجعة شاملة؟ مراجعة تبدأ من إعادة تعريف المواطنة، لا كشعارات ترفع في المناسبات، بل كواقع معيش يضمن للفرد كرامته وحقوقه. إنها دعوة لتحويل الطاقة الهائلة التي أطلقها أشبال الأطلس إلى وقود لإطلاق طاقات المغاربة في كل المجالات.

لقد أثبت الشباب أن المعجزات ممكنة عندما تُمنح الفرصة، والثقة، والإمكانيات. فهل يستفيد الحكام من هذه الدروس؟ هل يدركون أن المغاربة لا يطلبون المستحيل، بل يطلبون فقط وطناً يكونون فيه شركاء حقيقيين، ليس فقط في لحظات الفرح، بل في صناعة هذا الفرح نفسه؟ الفرح الذي لا يكتمل إلا بمواطنة كاملة، تبدأ من التعليم الجيد، والرعاية الصحية الشاملة، والسكن اللائق، والشغل المنتج، وتنتهي بالشعور بالكرامة والعدالة في كل لحظة من لحظات الحياة.

إن الفرحة التي منحها أشبال الأطلس هي هبة ثمينة من شباب المغرب إلى شعبهم. لكن المغاربة لا يريدون الهدايا العابرة، يريدون الحق الدائم. يريدون أن تكون فرحتهم فرحة أبناء وطن يعيشون فيه بكرامة، لا فرحة أطفال استُرضوا بحلوى عابرة بعد حرمان طويل.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!