هل دخلت “حركة Z” مرحلة الكمون..تكون أو لا تكون؟؟

اسماعيل طاهري
تعيش حركة Z/زد المغربية في مفترق طرق غير معبدة بالورود، إما أن تكون أو لا تكون.
إن الحركة بالفعل تعيش لحظات حرجة بعد طول فترات انسحابها من الميدان، فالميدان هو مصدر قوتها، وليس الخطاب والسجال في علبة دسكورد، وأعتقد أن استدعاء محاورين، من سياسيين وصحفيين وناشطين، للحديث عن الوضع السياسي الراهن في المغرب هو استنزاف لطاقتها وهذا عرقل وسيرعرقل فرز قيادة للحركة وجعلها غير قادرة على حسم توجهاتها الإيديولوجية والسياسية.
الميدان هو المحدد. إذا انسحبت حركة Z من الميدان فلا قيمة لخطابها سواء كان مخزنيا أو يساريا أو إسلاميا. سواء كان راديكاليا أو محافظا. فالساحة مصابة بتضخم في الخطاب السياسي المتشابه.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على وجودها لم تبلور الحركة خطابا سياسيا متماسكا، ومعظم وثائقها ضعيفة من الناحية الأدبية. وهناك تضارب في توظيف بعض المفاهيم نظير استعمال مفهوم الاستراتيجية في غير محله، علاوة على توظيفها لأساليب لغوية بسيطة قريبة من الدارجة بل واستعمال الدارجة بشكل فج.
لا أكتب هذا أوأقوله من منطق أنني ضدها أو معها. بل من باب البحث عن تحليل موضوعي لهذه الظاهرة الاجتماعية وإنصافها ووضعها في الميزان الذي تستحقه. فقد صارت جزءا من التاريخ السياسي للمغرب.
لهذا أعتبر هذه الحركة حركة اجتماعية توفرت في سلوكها الإحتجاجي كل شروط الشرعية وأسباب الوجود الموضوعية بعيدا عن احتمالات أخرى كوجود أجندة داخلية أوخارجية أمرتها بالتحرك وهذا استبعده لغياب دلائل قاطعة عند مروجيه من أزلام السلطوية وإعلامها وذبابها الإلكتروني المقيت.
لقد حركت الحركة البركة الجامدة للحياة السياسية في المغرب، وذوبت الدماء المتجلطة في عروق الطبقة السياسية. ووضعت حدا لحالة تغول السلطوية والتحكم الذي يرافقها كالظل والذي انبرت الحكومة لتحويله الى سياسة عمومية رأسمالية متوحشة عبر استهداف الجانب الاجتماعي والمضي قدما في تفويت وخوصصة التعليم والصحة. والركوب على مشروع التغطية الصحية ومشروع الدعم الاجتماعي للترويج علنا بتبني شعار “الدولة الاجتماعية” والممارسة تدل على عكس ذلك أمام ضرب القدرة الشرائية وارتفاع معدل البطالة الى مشارف 14% وفشل المنظومة الصحية والتعليمية وانسحاب الدولة التدريجي من توفير الخدمات الإجتماعية التي كانت تقدمها الى عهد قريب. فقد وضعت كل اختيارات الدولى فوق سؤال وجودي بما فيها المشاريع الكبرى فوق حكومية التي رهنت المالية العمومية باستراتيجات قطاعية تمتد لعقد وعقدين مما يرهق الخزينة بالديون الداخلية والخارجية. وكل هذا خلق خللا بينا على مستوى التوازنات الإجتماعية. فاختل الميزان وكاد العقد ينفرط.
أعترف لحركة زيد الشبابية بشرعية مطالبها لكونها ولدت في مناخ احتقان سياسي واجتماعي واقتصادي أساسا كان عدة خبراء وسياسيون ومحللون مغاربة يتنبؤون بحدث انفجار اجتماعي بسبب هذا الإحتقان الذي تفاقم سنة بعد سنة وتفاثم منذ تنصيب حكومة السيد عزيز أخنوش في 2021. حكومة تحالف السياسة بالمال والريع والسلطوية التي ساهمت في توتير الأوضاع ودفعها الى الإنفجار. وكانت الحكومة تقلل من أهمية هذه التحذيرات بل إن مسؤولين يكذبونها وينكرون الواقع الأليم الذي تعيشه الطبقات الشعبية واندحار الطبقة الوسطى الى أسفل سافلين.
***
إذا خفتت حركة شباب زد أو ماتت، فهذا لا ولن يعني نهاية الاحتقان. أو نهاية أسباب وجوده، فهي موجة من موجات الإحتجاج التي تتحرك كالتكتون في قاع المجتمع المغربي كل عقد ونيف منذ استقلال المغرب سنة 1956 فداء العطب قديم. وربما قد تظهر حركة أكثر راديكالية اذا لم تنجح الدولة في مشروع الإنتقال الديمقرطي الشامل.
ربما لم تكن الحركة ناضجة بالشكل الذي يجعلها تنتبه الى أن العطب القديم هذا يقع في السياسة العامة المعتمدة في المغرب منذ الإستقلال. وليس فقط في السياسات العمومية المطبقة في مختلف القطاعات الحكومية التي يتناطح عليها كبشا الأغلبية والمعارضة في البرلمان والمجالس والغرف المنتخبة. لذلك رأينا شعارت الحركة الأولى ترتبط بمطلب إصلاح الصحة والتعليم ومحاربة الفساد والمطالبة بحكومة جديدة في إطار الشرعية الدستورية لدستور 2011. كما ان رسالة الحركة التي وجهتا الى الملك تضمنت مطالب ذات صلة بالسياسات العمومية وبعيدة عن السياسة العامة. فدفتر مطالبها كان خاليا تحديدا من المطالبة بإصلاحات ديمقراطية، سياسية ودستورية. وحتى لو فعلت ذلك فلن تخرج عن الصندوق فدستور 201 أدرج الخيار الديمقراطي كثابت من ثوابت الدولة الى جانب ثالوث: “الله الوطن الملك” ولكن لم يدرجه في شعار المملكة حسب الفصل الدستوري ذي الصلة. فالمطالبة بالإصلاح الدستوري والسياسي يمكن أن يكسب شرعيته انطلاقا من دستور 2011. وليس بالضرورة أن يتم خارجه.
***
وإذا كانت حركة Z/ز عنوان عودة الوعي الى شباب كنا نصفه الى وقت قريب بغير المسيس، المهووس بالألعاب الإلكترونية والمدمن على التسلية والترفيه وكذلك الغارق في تقليعات الشعر وملابس الموضة وموسيقى الراب والهيب هوب، والعاشق المجنون لتتع مباريات كرة القدم العالمية وغير المتواني في ازدراء كل القيم التي يراها تكبل حريته وحكمنا عليه بكونه ضحية ل”نظام التفاهة”، فإن تبلور “عودة الوعي” هذا عبر حركة احتجاجية شبابية سيغير المشهد السياسي في المغرب الى غير رجعة.، مهما كانت مناورات السلطة والنخب التي تدور في فلكها.
***
هل تمتد عودة الوعي الى مطالبة الحركة بإصلاحات سياسية ودستورية؟
هل ستعي أهمية التحالف مع قوى التغيير الديمقراطي وعدم إغفال التراكم الحاصل على مستوى قوى النضال الديمقراطي؟
هل ستعود الى الميدان بعرض سياسي متماسك وتخرج من علب ديسكورد ومواقع التواص الاجتماعي؟
هذه هي بعض الأسئلة الحارقة التي يتعين على الحركة الإجابة عنها لكي تحدد مصيرها الوجودي!