في انتظار موقف لبناني حاسم لجهة التطبيع
أحمد مطر
لم تنفع القرارات الحكومية الكبيرة بحصرية السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش اللبناني تنفيذ هذه المهمة على كامل الأراضي اللبنانية، بعد النجاح الذي حققه جنوب الليطاني باعتراف الطرفين الأميركي والإسرائيلي في التخفيف من حدة العربدة الجوية المعادية، بل أمعن الاحتلال في منع عودة أهالي القرى الجنوبية إلى مناطقهم، أو تفقد أراضيهم الزراعية.
توقف المساعي الأميركية بين بيروت وتل أبيب أعلن بشكل غير مباشر الوصول إلى طريق مسدود في تنفيذ مندرجات القرار 1701 .
الرئيس جوزاف عون طرح مبادرة التفاوض في زمن التسويات، ليصيب أكثر من هدف في وقت واحد: إعلان استعداد لبنان لركوب قطار التسويات بعد وقف النار في غزة. العمل على وقف غارات التدمير والاغتيال التي يشنها العدو الإسرائيلي يومياً. التأكيد للعواصم المعنية بالوضع اللبناني أن بيروت تريد تسوية الخلافات الحدودية واعتماد تجربة ترسيم الحدود البحرية في ترسيم الحدود البرية .
بغض النظر عن حجم التنسيق الرئاسي مع الثنائي الشيعي، فإن هذه الخطوة الاستراتيجية المستجدة تحتاج أولاً إلى وحدة الموقف، رسمياً وشعبياً، لدخول المفاوضات بقوة وثبات توفر للمفاوض اللبناني ما يحتاجه من دعم وصلابة في التعاطي مع الطرف الإسرائيلي، ورعاته الأميركيين .
يبدو أن جولة رئيس الحكومة بين بعبدا وعين التينة وضعت اللبنة الأساسية لوحدة الموقف الرسمي، الذي من المفترض أن يتظهَّر في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل .
لكن اللافت هذا التجاهل الأميركي للمبادرة اللبنانية غير العادية، تارة بحجة انتظار وصول السفير الأميركي الجديد إلى لبنان، وتارات أخرى بسبب إنشغال الفريق الرئاسي الأميركي بمتابعة تنفيذ اتفاق وقف النار في غزة .
الواقع أن التجارب الماضية أثبتت أن بقاء لبنان وحيداً بمواجهة الديبلوماسية الأميركية المنحازة أساساً إلى الجانب الإسرائيلي، أضعف الموقف اللبناني، وترك الموازين تميل لمصلحة الفريق الآخر، كما حصل في وساطة توم باراك الذي تنكَّر لإقتراحه في اعتماد سياسة الخطوة ..خطوة لتنفيذ بنود اتفاق 27
تشرين الثاني 2024 ، والقرار 1701 وملحقاته. فكان لا بد من خطوة لتطويق المراوحة الراهنة، بعد الجمود الذي أصاب الوساطة الأميركية .
وأعلن صراحة أن واشنطن لا تستطيع الضغط على تل أبيب، لتنفيذ تعهداتها إزاء إتخاذ لبنان خطوتي قرار حصرية السلاح وتكليف الجيش بتسلُّم سلاح حزب الله .
إن نجاح مفاوضات وقف الحرب في غزة بمساعي عربية قادتها مؤخراً مصر بمشاركة قطرية، وتعاون مباشر مع الإدارة الأميركية، يمكن أن يشكل نموذجاً مهماً بالنسبة للبنان الذي يستعد للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي، بحيث تؤدي الإستعانة بالمساعي العربية، وخاصة مصر، والسعودية التي تدعم أساساً الحكم الحالي في لبنان، إلى فتح قنوات تواصل ناشط مع الفريق الرئاسي الأميركي، تساعد على تذليل العقبات التي تعترض مسار التفاوض الشاق والمعقَّد مع العدو الإسرائيلي.
اعتماد القنوات العربية، في تدعيم المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البرية، من شأنه أن يوصل لبنان إلى احتفالية تتماهى مع تجربة شرم الشيخ في تكريس الاعتراف العربي والإسلامي والدولي بأحقية لبنان في ترسيم حدوده البرية وفقاً لإتفاقية الهدنة الموقعة مع الدولة العبرية سنة 1949 ، وإعادة الأمن والإستقرار إلى المناطق الجنوبية، التي تحمَّلت، ومازالت تتحمَّل، أعباء الإحتلال الإسرائيلي، واعتداءاته المتكرِّرة على البشر والحجر.
تأمين الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني يبقى مسؤولية سياسية عربية إيضاً، بقدر ما هو مسؤولية لبنانية طبعاً، لأن الوضع الجيوسياسي للبنان فرض عليه أن يكون دولة مواجهة حدودية مع الاغتصاب الصهيوني للأراضي الفلسطينية منذ حرب 1948 .
حتى اليوم، وبالتالي فمن البديهي أن يكون ثمة اهتمام ديبلوماسي عربي بدعم وطن الأرز في مفاوضاته لتحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي .
ختامًا لا داعي للقول بأن الشراكة الاستراتيجيّة الأميركية مع مصر والسعودية وقطر توفر للمفاوض اللبناني أوراق دعم وضغط يبقى بأمسّ الحاجة لها، في ظل ما تحظى به تل أبيب من دعم غير محدود من الجانب الأميركي .
فهل يفاوض لبنان على إيقاع التجربة العربية في وقف الحرب في غزة؟
