لبنان بين الانقسام الداخلي والتهديد الخارجي
أحمد مطر
في خضم الأحداث المتلاحقة وحركة المندوبين المتواصلة الذين يتنقلون بين التهديدات من جهة والتطمينات المشروطة من جهة ثانية، وكأن لبنان أضحى كرة صغيرة يتقاذفها الكبار في ملعب مفتوح على كل الاحتمالات، يبقى الحكم اللبناني مشرذمًا بين لا مبالاة من جهة ولا إرادة من جهة ثانية، سياسيون تعصف بهم رياح الانقسامات همهم ليس مصلحة البلد إنما تحقيق مصالحهم الضيقة من انتخابية ومالية وشعبوية. فكأن شعار المرحلة أصبح ليس إجراء الإصلاحات وإعادة الإعمار كما وعدوا إنما الإمعان في إذلال المواطن والإمعان في كشف البلد اقتصادياً وأمنياً. فلم يكفِ المواطن ما يتعرض له من استهدافات أمنية من قبل الدولة الصهيونية، حتى أن المسيرات وصلت إلى أجواء السراي الحكومي والقصر الرئاسي في بعبدا ولاحقت موكب رئيس المجلس النيابي، في تهديد لا ينطوي فحسب على انتهاك للسيادة، إنما يحمل في طياته كل معاني الإذلال لمن يفترض أن يقوموا هم بتولّي الدفاع عن الوطن والمواطنين، فإذا كانت المقرات الحكومية عرضة للانتهاك فماذا عن بيوت المواطنين وأملاكهم وأرزاقهم، وإلى من يلتجئ المواطن العادي ولا سيما الجنوبي طلباً للحماية، وهل من حماية لهم، أسئلة كبيرة وكثيرة يطرحها الناس ولكن لا جواب. إذن لم يكفِ المواطن كل هذه الخروقات إنما يجب إضافة الأزمة الاقتصادية والمالية التي لم تجد بعد حلاً لها.
يستفحل الانقسام الداخلي، ليشمل القضايا والمسائل الاساسية المطروحة، وفي مقدمتها تسريع خطى الدولة لتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة وحدها، تنفيذا لاتفاق وقف الاعمال العدائية بين حزب الله واسرائيل والقرار 1701 ، والبيان الوزاري للحكومة، بعد رفض حزب الله الامتثال لهذا القرار، بإيعاز ايراني واضح بالرغم من فشل هذا السلاح بحماية لبنان، كما كان يروج الحزب لذلك خلال السنوات الماضية، وسقوط كل وظائف وذرائع الاحتفاظ بهذا السلاح، بعد حرب الاسناد، ما تسبب بتذرع اسرائيل بهذا الواقع للاستمرار باعتداءاتها اليومية، واستهدافها لمواقع الحزب وعناصره، وما تبقى من مستودعات سلاحه اينما كانت، ما ابقى لبنان عموما والجنوب خصوصاً، في حالة متردية وغير مستقرة، تتطلب جهداً ومساعٍ، محلية وخارجية للخروج من هذه الوضعية المتردية، الى حال اكثر استقرارا .
لم يقتصر الانقسام حول تسليم سلاح الحزب فقط بل تعداه ليشمل طرح رئيس الجمهورية لاجراء مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل لحل المشاكل القائمة معها، وفي مقدمتها، التزام اسرائيل انهاء الاحتلال الاسرائيلي للتلال الخمس جنوباً، ووقف اعتداءاتها واستهداف عناصر ومواقع الحزب، داخل لبنان، واطلاق سراح الاسرى، وحل المشاكل والخلافات على الحدود، ما ادى الى عرقلة ملحوظة لتسويق هذا القرار بإيعاز من ايران، ومنع وضعه موضع التنفيذ الفعلي، الامر الذي ابقى لبنان، كما الحزب نفسه تحت نار القصف والاعتداءات وعمليات الاغتيال الاسرائيلي، وانكماش انطلاقة الدولة في مختلف المجالات، كم هي الحال في الوقت الحاضر .
تستمر التسريبات عن مخاطر محدّقة بلبنان وعن تحضيرات لعدوان إسرائيلي واسع لا يصل الى حد الحرب والمواجهة بالمعنى العسكري للكلمة لكنه سيكون موجعاً كما تقول التسريبات، وذلك بالتوازي أو من ضمن التسريبات عن تحذيرات عربية ودولية للبنان بضرورة الانتظام في مسارات التفاوض المباشر والتسويات مع كيان الاحتلال الجاري العمل عليها في المنطقة بدفع قوي من الإدارة الأميركية، ما يضع لبنان أمام خيارات صعبة وضرورة اتخاذ القرارات الملائمة قبل أن يتلقّى الضربات الجديدة الموجعة، برغم انه يسعى وينتظر تحركاً دولياً فاعلاً لمنع تمادي العدوان أكثر، ويترقّب ووصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى الشهر المقبل بعد تأخير فرضه الإقفال الحكومي في كل الإدارات الأميركية. لعل وعسى تسفر الزيارتين عن منع توسع العدوان .
ختامًا اتفاق اللبنانيين على انهاء الانقسام بينهم، وعلى صيغة موحدة لحل الازمة القائمة مع اسرائيل، يسقط الحجة الاخيرة، للتهرب من الحلول المطروحة، وابقاء ضغطها العسكري قائما على لبنان، ويضع الولايات المتحدة الاميركية والدول الصديقة امام مسؤولياتهم، للمساعدة، ولاخراج الحل المطلوب الى حيز التنفيذ أُسوة بما تحقق لانهاء حرب غزة مؤخرًا .
