رسالة من فلسطيني في المنفى إلى الإنسانية التي لم تستسلم
						♦ قُرئت هذه الرسالة من الفلسطيني محمد يوسف، خلال عرض الفيلم الوثائقي “لشرف غزة”، ضمن فعاليات التضامن ضد الإبادة الجماعية في غزة. في إطار الفعاليات المنظمة من طرف جمعية التضامن مع فلسطين وفرنسا (AFPS) وجمعيات أخرى في الضاحية الجنوبية لباريس ♦
(أكتب إليكم من منفاي – بين الحنين وخجل عالم يولي وجهه شطر آخر.
لم يعد لي بيت، ولا أرض، ولا بحر، لكني ما زلت أمتلك لغتي، وذكرياتي، وذاك الغضب المهذَّب الذي ندعوه بالكرامة.
أكتب إليكم أنتم، يا من رفضتم تحويل النظر، يا من بذلتم وقتكم، وصوتكم، وقلوبكم، بينما القوى العظمى كانت تبذل السلاح.
لقد كنتم شرف الإنسانية. تلك التي لا تُباع على شاشات التلفاز، ولا في مجالس الأمن.
بينما الدبلوماسيون كانوا يحسبون توازنات الجغرافيا السياسية، كنتم أنتم تعدّون الأموات. وبينما المؤثرون كانوا يبشرون بالسلام مع فلاتر ذهبية، كنتم أنتم تبكون بصدق على غرباء. ولأجل هذا وحده: شكراً.
من منفاي، أنظر إلى هذا العالم الذي يستهلك فيه التعاطف أسرع من بطارية هاتف ذكي. ورغم ذلك، ما زلتم هنا. عنيدون. ثابتون. رائعون. تتظاهرون تحت المطر، تقاطعون بين فاتورتين، تجيبون على المتصيدين بالحقائق – وهو ما يرقى في أيامنا هذه إلى مستوى البطولة.
لا تظنوا أن الأمر لا يجدي. كل كلمة تكتبونها، كل لافتة تحملونها، كل صمت ترفضونه – هو حجر في حذاء الظلم. وأؤكد لكم: مع كثرة الحصى، حتى المستبد سيبدأ بالعرج.
المعركة طويلة، أجل. لكنها تتجاوز فلسطين. إنها تتحدث عن هذا النظام الكوكبي الذي يسحق الضعفاء، ويعيد طلاء جرائمه كـ “استراتيجية”، ويسمي ذلك “نظاماً دولياً”.
لقد أصبحنا مرآة العالم: ما يحدث هنا ليس صراعاً، بل هو اختبار. اختبار لمعرفة إلى متى يمكن للإنسانية أن تنظر إلى الفظاعة دون أن تصبح شريكة فيها.
فاثبتوا.. استمروا في الإزعاج، في التشكيك، في الحب بعكس التيار. لا تدعوا الروتين يخدر ضمائركم.
لأن هذه المعركة في النهاية ليست بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل هي بين ما تبقى من إنسانيتنا وما تريدنا القوة العمياء أن نصبح عليه.
في اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين – وستتحرر، ولو من باب العناد – سنستقبلكم بأذرع مفتوحة. سنقيم حفلاً ستحضر النجوم لمشاهدته. سنرقص، سنضحك، وسنروي للأطفال أنه في خضم الكارثة، أناس، في مكان ما، رفضوا أن يكونوا غير مبالين.
وفي ذلك اليوم، ربما، سنتوقف أخيراً عن مناداتكم بـ “داعمي فلسطين” لنناديكم بكل بساطة: الناجون من الإنسانية.
بكل حنان، وسخرية، وغبار في الحلق، فلسطيني في المنفى، ما زال صامداً.
محمد يوسف
* (ترجمة: محمد عبد الإله المهمة)
