العلاقات الروسية الكازاخستانية: نموذج للجنوب العالمي
د. زياد منصور
يُعد إعلان الشراكة الروسية الكازاخستانية خطوة فارقة، إذ يعكس استراتيجية موسكو لتعزيز الروابط مع دول الجنوب العالمي وأوراسيا على حد سواء، ويؤكد على الدور الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دفع هذه الشراكات قدمًا، بما يعكس الإرادة السياسية الروسية وقدرتها على تأمين مصالحها في هذه المنطقة الحيوية. وقد أشاد الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف بمكانة بوتين العالمية، مؤكّدًا احترام القيادة الروسية كرمز لحماية الشعب الروسي والدولة الروسية، وهو ما ينعكس بدوره على مستوى الثقة والتعاون بين موسكو وأشقائها في الجنوب العالمي.
وعلى صعيد الثقافة واللغة، تُعتبر كازاخستان نموذجًا لرؤية روسيا الأوسع في تعزيز نفوذها الناعم داخل الجنوب العالمي. فقد أصبحت رائدة في نشر اللغة والثقافة الروسيتين عالميًا، من خلال تأسيس المنظمة الدولية للغة الروسية، وتدريس اللغة الروسية في أكثر من ألف مدرسة، وبناء جامعات تلبي المعايير التعليمية الروسية، ليس داخل كازاخستان فحسب، بل بما يخدم أيضًا مصالح روسيا التعليمية والثقافية.
إن العلاقة الروسية الكازاخستانية تمثل اليوم نموذجًا واضحًا لطبيعة الجنوب العالمي بالمنطق الروسي: شراكات استراتيجية مع دول غير غربية، تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي، وحماية المصالح الثقافية واللغوية الروسية، في مواجهة محاولات الهيمنة الغربية، مع تركيز على استقلالية هذه الدول واحترام سيادتها، بما يضمن استمرار روسيا كلاعب محوري في النظام العالمي متعدد الأقطاب.
تعميق الشراكة الروسية الكازاخستانية: الثقافة والتعليم رافعة لنفوذ موسكو في الجنوب العالمي
يكتسب الارتقاء بالشراكة الروسية الكازاخستانية إلى مستوى جديد أهمية بالغة في الوقت الراهن، حيث كثّفت الدول الغربية جهودها مع دول آسيا الوسطى، سعيًا لترسيخ وجودها في قلب الفضاء الأوراسي. في هذا السياق، تبرز روسيا كلاعب رئيسي يحافظ على نفوذها التقليدي ويُعمّق علاقاته مع حلفائها ضمن رؤية موسكو للجنوب العالمي كمجموعة من الدول غير الغربية التي تمثل حلفاء محتملين ضد الهيمنة الغربية، وتشكل سوقًا سياسيًا واستراتيجيًا حيويًا.
يُعد إعلان الشراكة الروسية الكازاخستانية خطوة فارقة، إذ يعكس استراتيجية موسكو لتعزيز الروابط مع دول الجنوب العالمي وأوراسيا على حد سواء، ويؤكد على الدور الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دفع هذه الشراكات قدمًا. وقد أشاد الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف بمكانة بوتين العالمية، مؤكدًا احترام القيادة الروسية كرمز لحماية الشعب الروسي والدولة الروسية، وهو ما يعزز الثقة والتعاون بين موسكو وأشقائها في الجنوب العالمي.
وعلى صعيد الثقافة واللغة، تدعم موسكو هذا التوجه بشكل عملي واستراتيجي. فقد تم افتتاح فروع لجامعات روسية رائدة في كازاخستان، مع اقتراح موسكو توسيع نطاق المشاريع التعليمية الرائدة العاملة في روسيا. وقال بوتين خلال لقائه مع توكاييف:” إنه لمن دواعي السرور أن اللغة الروسية تُستخدم على نطاق واسع وبحرية في كازاخستان. وأود أن أشكر رئيس كازاخستان على ذلك. ووفقًا للدستور، تتمتع اللغة الروسية بمكانة رسمية، ويحظى استخدامها في مختلف مجالات الحياة بدعم قيادة الجمهورية”.
جزيرة الاستقرار في فضاء متقلب: كيف تعمّق روسيا وكازاخستان تحالفهما
بدوره أكد توكاييف أن توقيع الإعلان كان الحدث الأبرز هذا العام لبلاده. وهذا أمر مفهوم، فتوقيع اتفاقية شراكة طويلة الأمد كهذه يُعزز صورة كازاخستان كـ”جزيرة استقرار” في عالم غير مستقر، ومركز جديد للتنمية. ومن الواضح أن جهات عالمية أخرى ستسعى للاستفادة من هذه الشراكة، وترحّب موسكو وأستانا بهذا الاهتمام، لكن الجانبان يتفقان على أنه لا ينبغي أن يكون على حساب العلاقات الثنائية القائمة على المصالح الاستراتيجية والقيم والتاريخ المشترك.
كما أكد الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف أن توقيع الإعلان الروسي الكازاخستاني كان الحدث الأبرز هذا العام لبلاده، مشيرًا إلى أن الشراكة بين البلدين تقوم على تاريخ مشترك عريق، وروابط ثقافية وروحية، وقيم مشتركة، ورؤى متقاربة تجاه التحديات المعاصرة والتنمية المستقبلية. وأضاف أن إمكانات التعاون الكازاخستاني الروسي هائلة، وأن الجانبين قادران على معالجة جميع القضايا والتحديات من خلال التعاون الفعال والمسؤولية المشتركة.
وعلى صعيد الثقافة والتعليم، يعتبر تعزيز اللغة الروسية جزءًا جوهريًا من هذه الشراكة. فقد أُنشئت المنظمة الدولية للغة الروسية بمبادرة من كازاخستان، وتُدرّس اللغة الروسية في أكثر من ألف مدرسة ثانوية، ويتلقى نحو ثلث الطلاب تعليمهم بها. وقد افتتحت موسكو فروعًا لجامعات روسية رائدة في كازاخستان، مع اقتراح توسيع نطاق المشاريع التعليمية المشتركة لتشمل روسيا أيضًا. واعتبر بوتين أن “استخدام اللغة الروسية بحرية وعلى نطاق واسع في كازاخستان يعكس التقدير المتبادل والتعاون الطويل الأمد بين بلدينا”.
كما ركّز توكاييف على أهمية الشباب كضمان لاستمرار التعاون بين البلدين، مؤكدًا أن نقل شعلة الصداقة والمعرفة المتبادلة إلى الجيل الصاعد أمر حاسم لضمان استدامة الشراكة في ظل الواقع الجيوسياسي الجديد.
بهذا، تتجلى رؤية موسكو في التعامل مع دول الجنوب العالمي: تعزيز التحالفات الاستراتيجية عبر الدعم السياسي والاقتصادي والثقافي، حماية المصالح المشتركة، واحترام سيادة الشركاء، مع بناء قاعدة طويلة الأمد تستهدف الأجيال القادمة. وكازاخستان نموذج عملي ومتميز لهذا النهج، إذ تجسد شراكة متكاملة قائمة على المنفعة المتبادلة والثقة المتبادلة بين الدولتين.
أساس الصداقة والتعاون
كان الحدث الأبرز في زيارة الدولة الرسمية إلى موسكو توقيع إعلان انتقال العلاقات بين روسيا الاتحادية وكازاخستان إلى شراكة وتحالف استراتيجي شامل. تغطي هذه الوثيقة المهمة، بصفحاتها العديدة، أربع مجالات استراتيجية: السياسة والأمن، والتعاون والتكامل الاقتصادي، والصناعات المتقدمة المعتمدة على العلوم، والشؤون الإنسانية.
فيما يلي بعض المقتطفات من الوثيقة:
“-سيحافظ الطرفان على مستوى عالٍ من الاتصالات السياسية على جميع المستويات، وحوار قائم على الثقة بين قادة الدول ورؤساء الحكومات ورؤساء الهيئات الحكومية المركزية والإقليمية، وعلاقات برلمانية وعامة مكثفة، ضمانًا لحرمة العلاقات المتميزة بين روسيا وكازاخستان.”
-“يعتبر الطرفان تسييس التعاون الإنساني الدولي والتمييز ضد الشخصيات الثقافية والعلمية والرياضية لأي سبب من الأسباب أمرًا غير مقبول.” سيعمل الطرفان معًا على تطوير حوار ثقافي منفتح ومحترم، ينبذ التمييز.
-ويظل الطرفان ملتزمين بهدف بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر تمثيلًا وعدلًا، قائم على احترام القانون الدولي، بما في ذلك جميع الأهداف والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
-ووفقًا للرأي الموحد للرئيسين، فإن تنفيذ الأهداف والغايات المذكورة آنفًا سيُصبح “أساسًا راسخًا للصداقة والتعاون بين الشعبين الشقيقين”، ونتيجة منطقية لـ33 عامًا من جهود التكامل بين موسكو وأستانا.
وأشاد الخبراء الروس بالخطاب الرسمي في الكرملين. إذ اعتبر البعض منهم إن الصيغة الجديدة – “الشراكة والتحالف الاستراتيجي الشامل” – مُلزمة للغاية. فـ”الشركاء الاستراتيجيون لا يتاجرون فحسب، بل يعملون معًا على المدى الطويل نحو أهداف مشتركة ومتفق عليها. على هذا فإن التحالف يعكس المسؤولية المتبادلة بين كازاخستان وروسيا تجاه أمن ورفاهية كل منهما.
كما تم التأكيد على السياسة الإنسانية، حيث يُعَد التعاون بين الجامعات في البلدين مثالًا استباقيًا وناجحًا. وركزت اللقاءات على ضرورة ضمان ترسيخ روح التفاهم المتبادل والتحالف القائم على الاحترام في العقليات الوطنية لكلا البلدين، بحيث تنتقل هذه الروح بشكل طبيعي إلى الأجيال المتعاقبة. التعليم الجامعي وبيئة التواصل بين الجامعات بحد ذاتهما عالم من الأفكار الجديدة والإبداع النابض بالحياة، ويوحد الشباب الموهوبين بشكل أكثر موثوقية من أبرع دعاية. ويُنظر إلى كازاخستان كشريك رئيسي لروسيا في آسيا الوسطى، “ليس رسميًا، بل فعليًا” .
تجربة التعاون التاريخي: ضمان استقرار كازاخستان عبر شراكة قوية مع روسيا
لم تكن زيارة الدولة مجرد حدث عابر، بل كانت مرحلةً في ترسيخ مسار استراتيجي. ومن الواضح أن هناك تحولًا جارٍ نحو بناء هيكلية تعاون براغماتية وطويلة الأمد، وقد أبرزت الزيارة التحول من حوار سياسي تقليدي إلى نموذج تفاعل اقتصادي مكثف.
ويُلاحظ أن الفارق الرئيسي بين هذه الزيارة وأحداث مماثلة في مؤسسات دولية أخرى يتمثل في “غلبة القرارات الملموسة على التصريحات والإشادات”. ففي حين اتسمت بعض الاجتماعات الخارجية بطابع سياسي ورمزي، أظهرت زيارة موسكو عمل الدبلوماسية العملية، حيث أصبح الاقتصاد والنقل والتعليم والعلوم ركائز ملموسة.
ويؤكد المحللون أن اهتمام كازاخستان بازدهار روسيا “أكثر من مجرد كلام”. فروسيا تؤثر على العالم أجمع، وهذا ينعكس بشكل كبير على جيرانها. كلما كانت روسيا في أفضل حال، كان وضع كازاخستان أفضل سياسيًا واقتصاديًا. القرب الجغرافي والروابط التاريخية تتطلب معرفة وفهم متبادلين، مع التركيز على التعاون لا التنافس.
كما أن المصلحة الوطنية لكازاخستان تتطلب وجود جار مستقر وقابل للتنبؤ ومرتبط بعلاقات اقتصادية وثيقة. وبالحديث عن الخطط المستقبلية، يمكن التأكد من تحقيقها نظرًا للأساس المتين للتجربة السابقة في التفاعل المبني على الذاكرة التاريخية المشتركة.
زيارة الزعيم الكازاخستاني إلى روسيا
أتت زيارة الرئيس الكازاخستاني إلى موسكو بعد أسبوع من زيارة بلاده للولايات المتحدة يومي 6 و7 تشرين الثاني-نوفمبر، حيث التقى الرئيس الأمريكي. وخلال الزيارة، وُقّعت اتفاقيات تجارية بين كازاخستان والولايات المتحدة تزيد قيمتها عن 17 مليار دولار. كما شارك الوفد الكازاخستاني في قمة آسيا الوسطى والولايات المتحدة الأمريكية (بصيغة C5+1). وتجدر الإشارة إلى أن قمة آسيا الوسطى وروسيا عُقدت في دوشانبي في 9 أكتوبر.
وأشار مسؤول في معهد الدراسات الدولية الروسي المختص بشؤون آسيا الوسطى إلى أن زيارة كازاخستان إلى موسكو كانت مُخطط لها مسبقًا، قبل قمة C5+1 في واشنطن بوقت طويل. وأضاف أن التفاعل بين روسيا وكازاخستان تقليدي، حيث يُجري رئيسا الدولتين محادثات ثنائية وجهاً لوجه مرة واحدة على الأقل سنويًا. وأوضح أن الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية الشاملة يعكس الحرص على التأكيد على العمق الاستراتيجي المتنامي للعلاقات الثنائية بين موسكو وأستانا.
كما يرى خبراء شؤون آسيا الوسطى أن المفاوضات الروسية الكازاخستانية متوافقة مع السياسة الخارجية متعددة الاتجاهات لأستانا، مما يوضح أن القيادة الكازاخستانية تظل شريكًا موثوقًا به لروسيا، على الرغم من المشاركة في القمم الدولية الأخرى. وفي الوقت نفسه، تُدرك السلطات الكازاخستانية أنه في حال نشوب صراع محتمل على النفوذ في آسيا الوسطى بين القوى الكبرى، فإن موقع كازاخستان يجعلها طرفًا محوريًا وذو قيمة استراتيجية عالية.
بوتين يرد على ترامب: موسكو لا تنوي مغادرة آسيا الوسطى رغم ما يجري في أوكرانيا
بعد قمة الولايات المتحدة مع رؤساء دول آسيا الوسطى، لم يقف الكرملين مكتوف الأيدي، إذ استضاف الرئيس الروسي الرئيس الكازاخستاني لتعزيز نفوذ روسيا في المنطقة.
بعد أسبوع واحد فقط من اجتماع قادة دول آسيا الوسطى مع الولايات المتحدة في البيت الأبيض، بدا واضحًا أن الكرملين يسعى للرد. استقبل الرئيس الروسي الرئيس الكازاخستاني في زيارة دولة إلى موسكو استمرت يومين. وكان الهدف واضحًا: تعزيز نفوذ روسيا في آسيا الوسطى، والتصدي بمهارة لمحاولات التقارب الأخيرة لدول أخرى مع دول المنطقة. وخلال اللقاء، أشار الجانب الروسي إلى “لحظة مميزة من الصداقة والثقة”. كما أفادت وكالات أنباء روسية وكازاخستانية بأن البلدين اتفقا على شراكة وتحالف استراتيجيين.
وعلى الرغم من الترحيب الرسمي، تتصاعد التوترات خلف الكواليس في العلاقات بين روسيا وكازاخستان. إذ تقع كازاخستان، تاسع أكبر دولة في العالم، في قلب صراع جيوسياسي بين روسيا والصين وتركيا ودول الخليج والغرب، مع التركيز على الوصول إلى الموارد الحيوية والبنية التحتية الاستراتيجية.
بدا واضحًا أن موسكو تسعى للرد سريعًا. إذ استقبل الجانب الروسي الرئيس الكازاخستاني في زيارة دولة استمرت يومين إلى موسكو، وكان الهدف تعزيز النفوذ الروسي في آسيا الوسطى والتصدي لمحاولات القوى الأخرى للتقرب من دول المنطقة. خلال اللقاء، تم التأكيد على “لحظة مميزة من الصداقة والثقة”، وأفادت وكالات أنباء أن البلدين اتفقا على شراكة وتحالف استراتيجي.
في أوائل تشرين الثاني -نوفمبر، استضافت الولايات المتحدة قمة مجموعة الدول الخمس زائد واحد (C5+1) التي جمعت دول آسيا الوسطى. وخلال الاجتماع، تم توقيع عدة اتفاقيات تتعلق بتعدين المعادن الأرضية النادرة، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات اللوجستية، لا سيما مع أقوى اقتصادين في المنطقة. وقد وُصفت هذه الخطوة بأنها محاولة من الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها وتأمين الوصول إلى مصادر مهمة للمواد الخام التي كانت تهيمن عليها سابقًا روسيا والصين.
وجاء الرد الروسي بعد أيام قليلة من القمة، بدعوة الرئيس الكازاخستاني إلى موسكو لإجراء محادثات رسمية وتوقيع عدة إعلانات في مجالات الأمن والفضاء والتعليم والزراعة، وسط حديث وسائل الإعلام الروسية الرسمية عن “حقبة جديدة من العلاقات الثنائية”.
بينما ينظر إلى استقبال الولايات المتحدة كخطوة لإطلاق “بداية جديدة” في العلاقات مع دول آسيا الوسطى، تعتمد موسكو على الروابط الاقتصادية القائمة والولاء السياسي. وأكد الجانب الروسي قبل بدء المحادثات أن جميع القضايا ذات الأهمية الخاصة ستُناقش في إطار غير رسمي، في إشارة إلى أن المقترحات الأمريكية ستكون موضوع اهتمام، ولكن مع التأكيد على ضرورة عدم تقارب كازاخستان بشكل مفرط مع القوى الغربية، نظرًا لدورها التقليدي في الاتحاد الاقتصادي الإقليمي ومنظمة الأمن الجماعي، المنافسة لحلف الناتو.
منذ اندلاع النزاع في أوكرانيا، اهتمت كازاخستان بسياسة دولية مستقلة ومتوازنة، ساعية للتفاوض مع جميع القوى الكبرى بما في ذلك روسيا، والولايات المتحدة، والصين، وتركيا، للحفاظ على مصالحها الوطنية. ومع ذلك، اعتُبرت زيارة كازاخستان إلى واشنطن والاتفاقيات المتعلقة بالموارد بمثابة إنذار لموسكو، مما دفعها لتعزيز التعاون الاستراتيجي معها بسرعة وفعالية.
بينما يُنظر إلى استقبال ترامب في واشنطن على أنه “بداية جديدة” في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول آسيا الوسطى، تُعوّل موسكو على الروابط الاقتصادية القائمة والولاء السياسي. حتى قبل بدء المحادثات بين بوتين وتوكاييف، أكد زعيم الكرملين أن “جميع القضايا ذات الأهمية الخاصة ستُناقش في جو غير رسمي”. هل يعني هذا أن المقترحات الأمريكية ستكون أيضًا موضوعًا مهمًا لموسكو؟
لا ترغب روسيا في أن تتعاون كازاخستان – الشريك التقليدي المهم لبوتين في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وهي منافس لحلف الناتو – بشكل وثيق مع الغرب والولايات المتحدة. منذ بداية الصراع في أوكرانيا، لفت توكاييف الانتباه بسياسته الدولية المستقلة تمامًا، والتي تُعرف بسياسته الخارجية متعددة الاتجاهات. تسعى كازاخستان، مثل أوزبكستان، إلى إجراء مفاوضات مع الأمريكيين والروس والصينيين والأتراك على حد سواء. ومع ذلك، فقد اعتُبرت زيارة توكاييف البارزة إلى واشنطن واتفاقيات التعاون في مجال الموارد مع الولايات المتحدة بمثابة إشارة تحذير واضحة في موسكو.
يرى المحللون أن التحرك الدبلوماسي الروسي يُعد محاولة لمنع خطر فراغ السلطة في آسيا الوسطى. ويسعى الكرملين، وفقًا لمراقبين سياسيين، إلى التأكيد على أنه لن يتخلى عن المنطقة بسهولة. ومن جانبها، تحرص كازاخستان على الحفاظ على التوازن بين الشرق والغرب، مؤكدة حضورها الدولي بشكل متزايد، وهو ما تجلى بوضوح خلال الزيارة إلى موسكو يوم الأربعاء.
الجنوب العالمي والكنز الاستراتيجي: فرصة روسيا لتعزيز نفوذها الدولي
الخبر الجيد في هذه اللقاءات هو أن روسيا، في تحركها نحو الشرق، تتمتع بميزة واضحة مقارنة بـ”الغرب الجماعي”، وهي خبرة الاتحاد السوفيتي في مواجهة تبعية دول الجنوب للغرب. فقد ساهمت السياسة الشرقية السوفيتية، رغم أبعادها الأيديولوجية، في تعزيز مكانة الاتحاد السوفيتي في العديد من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث لا يزال الكثيرون يذكرون المشاريع السوفيتية السابقة بامتنان.
اليوم، تواجه روسيا حاجة ملحة إلى سياسة شرقية جديدة لتجنب المخاطر المرتبطة بالاستهداف الخاطئ، التي قد تؤدي إلى هدر الوقت والموارد.
كما قال “لومونوسوف” وهو أحد المفكرين الروس في القرن الثامن عشر: “ستنمو القوة الروسية عبر سيبيريا”. وتظل هذه الرؤية صالحة حتى اليوم، مع توسع مفهومها ليشمل الجنوب العالمي، حيث يكمن كنز من الموارد الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية. لكن، للوصول إلى هذا الكنز، يتطلب الأمر فهمًا دقيقًا واستراتيجية واضحة. ومن خلال ذلك، يمكن لروسيا استعادة مكانتها كزعيم للجنوب العالمي على مدى عشرين إلى ثلاثين عامًا على الأقل.
