القرار الأممي 2797: الشرعية الدولية تقبر الانفصال وتفتح الباب امام المغرب الكبير

القرار الأممي 2797: الشرعية الدولية تقبر الانفصال وتفتح الباب امام المغرب الكبير

 جمال الدين مشبال

           منذ عقود ظلّ نزاع الصحراء المغربية حاضرًا في أجندة الأمم المتحدة، محاطًا بتأويلات متناقضة ومواقف متباينة بين الأطراف المعنية. ومع اعتماد مجلس الأمن للقرار 2797 في 31 أكتوبر 2025، دون أي معارضة، دخل هذا النزاع مرحلة جديدة تؤكد أن الحل لم يعد ممكنًا عبر أطروحة الاستفتاء التي فقدت مصداقيتها، بل عبر مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007 باعتباره أساسًا جديًا وواقعيًا وموثوقًا للتفاوض. هذا القرار جاء ليضع حدًا لمحاولات الجزائر والبوليساريو التي سعت إلى ليّ المفاهيم القانونية وتوظيفها بشكل منحرف لتكريس تصور أحادي للاستقلال تحت شعار تقرير المصير، في حين ظل المغرب ملتزمًا بالشرعية الدولية ومبادرًا بحلول عملية ومنفتحة في اطار حماية وحدته الترابية بناء المغرب الكبير.

استعاد المغرب صحراءه بموجب اتفاق مدريد المؤرخ في 14 نوفمبر 1975 والمسجّل لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وقد أخذت الجمعية العامة علمًا به في قرارها 3458 ب مؤكدة حق السكان في تقرير المصير دون أن تُبطل نقل المسؤوليات. غير أن المسار الأممي تعثّر بسبب الوضعية العسكرية وحالة الحرب التي فرضتها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر وليبيا، والتي اختارت منذ البداية العنف الثوري والكفاح المسلح بدل الاستفتاء الحر والشفاف. ففي قمة منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1981، اقترح الملك الحسن الثاني تنظيم استفتاء لتقرير المصير وقَبِل حتى بإمكانية الاستقلال إذا كانت النتيجة كذلك. لكن الجزائر والبوليساريو رفضتا الاقتراح وطالبتا بالاعتراف بما يُسمّى “الجمهورية الصحراوية” ككيان سيادي، بل ونجحت الجزائر في إدخاله سنة 1982 إلى منظمة الوحدة الإفريقية رغم أنه لا يملك أرضًا ولا سيادة فعلية. وفي سنة 1984أعاد جلالته نفس الاقتراح في خطاب له بالأمم المتحدة

وأطلقت الأمم المتحدة خطة التسوية سنة 1991 عبر بعثة المينورسو، لكنها تحوّلت إلى سلسلة من المحاولات الفاشلة بسبب إصرار البوليساريو على فرض الانفصال من خلال استفتاء إقصائي مفصّل على المقاس. ومع استمرار الجمود، اقترح الأمين العام كوفي عنان ومبعوثه جيمس بيكر خيار الحكم الذاتي كصيغة لتقرير المصير وفقًا للقانون الدولي. ورغم أن المغرب أبدى انفتاحًا على التفاوض، رفضت الجزائر و البوليساريو هذه الخطة واقترحتا تقسيم الإقليم، في محاولة لإضفاء شرعية على مشروع انفصالي تم تقرير مصيره مسبقا عندما أعلنت البوليساريو عن جمهوريتها    في فبراير 1976

 في سنة 2007، وللخروج من الطريق المسدود الذي وصلت اليه الأزمة،  قدّم المغرب مبادرته للحكم الذاتي التي رحّبت بها جميع قرارات مجلس الأمن منذ ذلك الحين باعتبارها جدية وواقعية وذات مصداقية. هذه المبادرة لا تُقصي أحدًا، بل تدمج مبدأ تقرير المصير في إطار السيادة الوطنية، وتوفّر للسكان إدارة ذاتية واسعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع احترام وحدة الدولة. وجاء القرار 2797 ليكرّس هذه المبادرة كإطار وحيد للتفاوض ضمن السيادة المغربية، مؤكّدًا أن المقترح المغربي يشكّل أساسًا جديًا وموثوقًا وواقعيًا للتوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، وداعمًا بشكل كامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي لتيسير في اطاره مفاوضات مكثفة وجوهرية بين الأطراف.

هذا القرار وكسابقيه، لم يذكر الاستفتاء لأنه فقد مصداقيته، إذ كان منذ مطلع هذا القرن في حكم الميت واليوم أصبح مدفونا نهائيًا. كما أنه لم يعتبر الصحراء إقليمًا خاضع لمبدأ تصفية الاستعمار، بل تناول القضية باعتبارها نزاعًا سياسيًا إقليميا يتطلّب حلاً تفاوضيًا، وهو تطور قانوني توضيحي منسجم مع ميثاق الأمم المتحدة الذي تنص مادته 25 على إلزام الدول بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ومادته 103 التي تؤكدعلى أولوية التزامات الميثاق على أي التزامات دولية أخرى. بهذا المعنى، القرار يضع حدًا للتأويلات التي حاولت الجزائر و البوليساريو فرضها، ويؤكد أن الحل الوحيد الممكن هو في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

من الناحية السياسية، القرار يعكس دعم المجتمع الدولي للمبادرة المغربية ويُظهر فشل وعزلة الأطروحة الانفصالية التي لم تعد تحظى بأي سند فعلي.

فالحكم الذاتي، عندما يكون ثمرة اتفاق حرّ ومتوافق مع القانون الدولي، لا يتعارض مع تقرير المصير، بل يُجسّده، إذ يمثّل نقطة التوازن بين الشرعية الدولية والاستقرار الإقليمي والكرامة الوطنية، ويستجيب لمتطلبات التنمية والاندماج الإقليمي.

فمن الناحية الإقليمية، يفتح أفقًا جديدًا للتوافق والاستقرار في المنطقة المغاربية ويُعيد إحياء فكرة الوحدة المغاربية التي كانت جزءًا من مشروع التحرر الوطني في الخمسينيات. فلا يمكن قراءة القرار 2797 بمعزل عن السياق المغاربي، بل انطلاقا من روحه. إذ لا ينبغي أن ننسى أن بيان أول نوفمبر 1954 أعلن أن الثورة الجزائرية هدفها ـ”الاستقلال الوطني في إطار شمال إفريقي”، مؤكّدًا بذلك على رؤية مغاربية لنزعة الثورة الجزائرية. فهي تهدف للوحدة بين اقطاره وليس التفتيت لربوعه بخلق كيانات هشة بداخله. واليوم، يشكّل القرار الأممي فرصة لإحياء هذا الحلم عبر تجاوز الانقسامات وبناء اتحاد مغرب كبير ديمقراطي مستقر ومنفتح على العالم.

 إن القرار 2797 لا يُمثّل مجرد محطة في مسار نزاع إقليمي، بل يُجسّد تطورًا قانونيًا وسياسيًا يعيد التأكيد على أن الحل يكمن في مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي تحظى بدعم المجتمع الدولي وتعيد الاعتبار لمبدأ التفاوض، وتفتح الطريق أمام استقرار إقليمي ووحدة مغاربية طال انتظارها.

شارك هذا الموضوع

جمال الدين مشبال

دبلوماسي سابق وكاتب ومحلل سياسي، متخصص في قضايا المغرب الكبير والصحراء المغربية والهجرة. يكتب وينشر باللغات العربية والإسبانية، وله مساهمات دورية في صحيفة "أطليار" الإسبانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!