الملفات المطبوخة
محمد الأمين مشبال
ولج تعبير “الملفات المطبوخة” القاموس السياسي المغربي إبان سنوات الرصاص (امتدت من ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي)، ليحيل على نهج كانت تتبعه الدولة عبرأجهزتها القمعية لمجابهة المعارضة الجذرية (ممثلة آنذاك في اتجاه الفقيه البصري واليسار الماركسي اللينيني)، التي كانت تسعى إلى تغيير النظام الملكي، كل من منظوره الخاص.
في تلك الحقبة المظلمة كانت الاختطافات والاحتجاز في معتقلات سرية (درب مولاي الشريف، دار المقري…)، والتعذيب الجسدي (الذي يفضي أحيانا إلى الموت)، بهدف انتزاع المعلومات التي تخص المخططات والأنشطة السرية والهيكلة التنظيمية والمقرات لتلك المجموعات السرية.. التي تليها مرحلة تحرير محاضر البوليس والتوقيع عليها عملة رائجة.
لحسن الحظ لم تعد اليوم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان سياسة رسمية للدولة كما كان الأمر في الماضي، وبالمقابل لم تعد قوى المعارضة تضع قلب النظام كأفق لاستراتجيتها، فأضحى النضال الديمقراطي السلمي اختيارا استراتجيا، مما مكن المغرب من تحقيق مكاسب سياسية مهمة خصوصا في مجال الحريات العامة، وخلق مناخ وطني ملائم للدفاع عن ملف استكمال وحدتنا الترابية. بطبيعة الحال لم تكن الأمور تسير دائما كما هو مأمول ، إذ كانت تلجأ الأجهزة المختصة، أحيانا، إلى استعمال “الخشونة” ضد بعض الأصوات التي تريد الخروج عن طوق “الخطوط الحمراء”، أوتغرد خارج السرب، أو تخدم أجندة غير مقبولة.
ما يلفت النظر اليوم النظر كون بعض الجهات أرادت إنجاح خطة الضبط الإعلامي عبر توظيف تكتيك قديم لكنه صالح لكل زمان: العصا والجزرة! من هنا أصبحت أموال الدعم العمومي توجه بسخاء للحيتان الكبيرة في الاعلام، كما أن حصة الأسد من كعكة الإشهار يلتهمها كبار القوم داخل الجسم الصحفي تاركين فتات المائدة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي جعل معظمها، في غياب نموذج اقتصادي سليم، تظل تلهث عساها تضمن لنفسها حظوظ البقاء على قيد الحياة.
استكمالا لخطة الضبط الاعلامي، حصل توافق ما بين تلك الجهات التي تريد التضييق على حرية الصحافة (بلغت أوج ازدهارها مع بروز الصحافة المستقلة في نهاية حكم الملك الراحل وبداية العهد الجديد)، وما بين بعض الناشرين المقربين منها، وممثلين للجسم الصحفي الذين لم يتخلوا فقط عن القواعد التي بفضلها أصبح لهم الجاه والمال (ملايين السنتيمات دون احتساب التعويضات السمينة)، بل وضعوا خبرتهم في المجال رهن إشارة أولياء نعمتهم بغية إخراس كل صوت يغرد خارج السرب، وهذا ما انكشف أمره في قضية فيديو المهداوي حيث يظهر بالصوت والصورة كيف يتم طبخ الملفات باحترافية وعقلية مافيوزية مخيفة.
