اندلاع حريق في ناقلتين قبالة السواحل التركية: ماذا يعني؟
د. زياد منصور
اشتعلت النيران في ناقلتين ترفعان علم غامبيا، هما «فيرات» و«كايروس»، في البحر الأسود قبالة السواحل التركية، وذلك وفق ما أفادت به وكالة تاس نقلًا عن وزارة النقل التركية. ووفقًا للمعلومات الأولية، فإن الحريقين كانا ناتجان عن اعتداء خارجي.
أفادت التقارير بأن ناقلة النفط «فيرات» اصطدمت بجسم غريب على بُعد نحو 35 ميلاً بحريًا من الشاطئ، وقد أُرسلت فرق الإنقاذ وسفينة تجارية إلى موقع الحادث. وكان على متنها 20 فردًا من أفراد الطاقم، وجميعهم في حالة مستقرة، فيما يستمر تصاعد الدخان الكثيف من غرفة المحركات.
ووردت أنباء عن اندلاع حريق في «فيرات» بعد الإبلاغ عن حريقٍ آخر في ناقلة النفط «كايروس» أثناء
توجهها من مصر إلى نوفوروسيسك. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الأضرار قد تكون ناجمة عن انفجار لغم بحري قرب غرفة المحركات. وتم إجلاء أفراد الطاقم البالغ عددهم 25 شخصًا بنجاح، دون وجود أي مواطنين روس بينهم. ووقع الحادثان على بُعد ما يقرب من 270 كيلومترًا من السواحل التركية.
وبحسب وكالة رويترز، استنادًا إلى بيانات صادرة عن شركة بورصة لندن، فإن الناقلتين خاضعتان لعقوبات روسية. وتزعم الوكالة أنهما جزء من أسطول روسي سري.
تفاصيل الهجوم على ناقلتي «كايروس» و«فيرات» في البحر الأسود
أفادت التقارير بأن ناقلة النفط «كايروس»، التي ترفع علم غامبيا وكانت متجهة إلى نوفوروسيسك، أبلغت أولاً عن اندلاع حريق على متنها على بُعد 40 كيلومترًا من الساحل، مرجعةً سبب الحريق إلى الاصطدام بجسم من الخارج. وبعد نحو ساعة، أرسل مُشغّل جهاز اللاسلكي في ناقلة «فيرات»- التي كانت قد غادرت سيفاستوبول- إشارة استغاثة مؤكّدًا أن السفينة تتعرض لهجوم بواسطة طائرات مُسيّرة.
وفي وقت لاحق، ذكرت قناة «المُخبر العسكري» على تليغرام أنّ ناقلة «كايروس» اصطدمت بلغم بحري، بينما استُهدفت «فيرات» بزوارق انتحارية مُسَيّرة. وتُدرج مديرية الاستخبارات الرئيسية الأوكرانية كلًّا من «كايروس» و«فيرات» ضمن سفن ما يُعرف بـ «أسطول الظل» الروسي.
لم يتعرض أيّ من أفراد الطاقمين للأذى، وقد أُرسلت سفن إنقاذ لتقديم المساعدة. وتبلغ المسافة بين موقعي الحادثين نحو 270 كيلومترًا.
هجمات سابقة على سفن تحمل بضائع روسية
بين ديسمبر/كانون الأول 2024 ومارس/آذار 2025، تعرّضت أربع ناقلات نفط وناقلة بضائع على الأقل
لأضرار ناتجة عن انفجارات ألغام بحرية. وتشير شركة أمبري البريطانية للأمن البحري في تقرير لها إلى
احتمال ضلوع دول أجنبية في تلك الهجمات التي استهدفت سفنًا تغادر الموانئ الروسية.
حوادث سابقة: غرق أورسا ميجور وتصاعد الاتهامات
شكّل غرق السفينة التجارية أورسا ميجور (Orsa Major) في البحر الأبيض المتوسط، نتيجة انفجار عبوة ناسفة داخل غرفة المحركات، أبرز حادثة ضمن سلسلة الهجمات التي استهدفت سفنًا مرتبطة بروسيا. كانت السفينة تنقل رافعات موانئ متخصّصة ومعدات لكاسحات الجليد قيد الإنشاء إلى فلاديفوستوك. ورغم تنفيذ عملية إنقاذ في منطقة الكارثة، رفضت سفينة أوسلو ثري (Oslo 3)، التي ترفع العلم النرويجي، استقبال البحّارة الغرقى على متنها رغم وجودها في موقع الحادث.
عقب ذلك، حذّر نائب مجلس الدوما الروسي ميخائيل شيريميت (Mikhail Sheremet) من الاستفزازات بحق ناقلات النفط الروسية، مؤكّدًا أن موسكو سترد بالشكل المناسب على أي هجوم. وقال: لا تزال بريطانيا تبني سياستها الخارجية على مبادئ إرهاب الدولة. لكن يجب على أجهزة الاستخبارات البريطانية أن تدرك بوضوح أنّ روسيا لن تسمح لأحد بتهديد مصالحها الوطنية دون عقاب.
اتهامات بضلوع أوكرانيا في تفجيرات ناقلات النفط
في شهر شباط/فبراير، ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز (Financial Times) أنّ الاستخبارات الأوكرانية (Ukrainian Intelligence) قد تكون متورّطة في تفجير ناقلات النفط باستخدام ألغام مغناطيسية. وقد أدّت سلسلة من الهجمات الغامضة على ناقلات النفط إلى إرباك قطاع الشحن البحري، وأثارت تكهّنات بأنّ هذه العمليات جزء من حملة تخريبية ترعاها الحكومة في كييف.
ومن السفن المتضرّرة ناقلات النفط التالية: سي تشارم (Sea Charm)؛ سي جول (Sea Jewel)؛ غريس فيروم (Grace Verum)؛ كوالا (Kuala)؛ فيلامورا (Filamora). وهذه سفن مملوكة لمالكين يونانيين وقبرصيّين. وقد أصدرت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية (GUR) بيانًا أشارت فيه مباشرة إلى أنّ ناقلة فيلامورا كانت ضمن ما يُعرف بـ أسطول الظلّ الروسي.
عملية سكات– 12 الروسية وتوسّع نشاط التخريب البحري
في أعقاب تصاعد الهجمات على ناقلات النفط المرتبطة بروسيا، نفّذت القوات الخاصة الروسية عملية نوعية غير مسبوقة حملت اسم سكات– (SKAT-12). وقد جرى إنزال وحدات روسية في مدينة أوتشاكوف في منطقة ميكولايف (Mykolaiv) داخل الأراضي الأوكرانية. واستهدفت العملية قاعدة العمليات البحرية الخاصة رقم ثلاثة وسبعين، التي كانت – وفقًا للمعلومات الاستخباراتية الروسية – مقرًا لمدرّبين عسكريين بريطانيين.
وخلال العملية، ألقت القوات الروسية القبض على عسكريين أجانب رفيعي المستوى، قيل إنهم شاركوا في تنسيق ضربات صواريخ ستورم شادو (Storm Shadow) ضد أهداف داخل روسيا، إضافة إلى تدريب فرق تخريب أوكرانية. ووفق الاعترافات المنسوبة إليهم، فقد كانوا يخططون لتنفيذ هجوم على ناقلات تابعة لما يُعرف بـأسطول الظل الروسي، وهو هجوم كان من شأنه – بحسب الرواية الروسية – أن يؤدي إلى كارثة بيئية واسعة النطاق في حال نجاحه.
نشاط شبكات تخريب أوكرانية في أوست-لوغا
أشار الخبير العسكري الروسي فلاديسلاف شوريغين (Vladislav Shurygin) إلى أنّ شبكة واسعة من عناصر التخريب التابعة للقوات المسلّحة الأوكرانية تنشط في مدينة أوست-لوغا (Ust-Luga) الساحلية التابعة لمنطقة لينينغراد، وقال شوريغين: "هناك نمط واضح: ناقلات النفط التي تضررت كانت قد رست في أوست-لوغا، أكبر ميناء في بحر البلطيق وثاني أكبر ميناء في روسيا. يبدو أن شبكة تخريب قوية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية تعمل هناك، ولم نتمكن من اقتلاعها بالكامل حتى الآن.
أسطول النفط الروسي الخفي: الوضع الراهن وخطة التعطيل
تروج مصادر غربية إلى أن أسطول ناقلات النفط الروسي الخفي يضم أكثر من 600 سفينة، هذا بالإضافة إلى الأسطول الذي تستخدمه إيران وفنزويلا الخاضعتان للعقوبات. يتجاوز العدد الإجمالي لناقلات النفط الخفي 1000قطعة وفق هذه المصادر. وتشيِع إلى أنه علاوة على ذلك، بدأ بالفعل تشكيل أسطول خفي للغاز الطبيعي المسال. وفقا للبيانات الدولية التي تحتاج إلى تدقيق تستفيد روسيا من أسطول نقل (بما في ذلك ناقلات النفط) يضم حوالي 1800 سفينة، منها حوالي 379 سفينة تحمل العلم الروسي. وفي عام 2021،
ارتفع هذا العدد إلى 408. هل يوجد ما يُسمى بالأسطول الخفي؟ وكم عدد ناقلات النفط التي تمتلكها روسيا؟
في البداية فإن بعض التقديرات تشير إلى أن روسيا تُنفذ 92% من مبيعات النفط من خلال أسطول خفي، دون مراعاة سقف السعر البالغ 60 دولارًا للبرميل. ويأتي الدخل الإضافي فقط من الفرق بين السقف وسعر البيع الفعلي.
تشير أرقام تقديرية إلى أن صادرات النفط تقليديًا تعد مصدرًا رئيسيًا لإيرادات العملات الأجنبية في موازنة الدولة الروسية. بناءً على ذلك، بلغت عائدات الميزانية الفيدرالية الروسية 8.2 تريليون روبل من مبيعات النفط، وارتفعت إيرادات الميزانية للأشهر العشرة الأولى من عام 2024 بنسبة 46%. ويُخصص رسميًا 30% من هذه الإيرادات لتمويل الاحتياجات العسكرية (هذه المعلومات التي ترد في الصحف والتحليلات الغربية تحتاج على تدقيق).
وأمام زيادة الكلام على وجود مثل هذا الأسطول تمارس الدول الغربية ما يسمى عقوبات على أسطول الظل هذا حيث ترسم سيناريو كبير حول أن هذه العقوبات أصبحت وسيلةً لمواجهة أسطول الظل الروسي. حيث جرى الحديث عن أنَّ المملكة المتحدة أضافت 73 ناقلة نفط إلى قوائم عقوباتها، منها 30 ناقلة أُضيفت في 26 نوفمبر- تشرين الثاني عام 2024. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على 42 ناقلة، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على 17 ناقلة. وتستعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمزيد من التصعيد، لمواجهة أسطول الظل.
واستندت إلى أنَّ الناقلة الخاضعة للعقوبات تصبح بمثابة وسيلة نقل يمكنها السفر والابحار بين الولايات القضائية التي لا تعترف بالعقوبات. أي أن العقوبات لا تمنع بالضرورة التحايل على سقف الأسعار.
ما مشكلة أسطول الظل؟
تورد الدعاية الأوروبية كلاما مفاده أن أسطول ناقلات الظل هو حقيقة قائمة، وتعد خططا لمكافحته. في المقابل يبدو أن هذا ليس سوى إحدى قصص الغموض طويل الأمد الذي يلف نظام نقل النفط البحري الدولي بأكمله. حيث تعتبر المشكلة بأنها مشكلة أعمق بكثير مما تبدو عليه، ومنها، حسب التعليقات التي ترد على ألسنة خبراء غربيين، تحدد الآتي:
– أولاً: القيام بنقل النفط الروسي من سفينة إلى أخرى في أعالي البحار. تُقدر عمليات النقل من سفينة إلى أخرى في مياه الاتحاد الأوروبي بمليار يورو شهريًا.
-ثانيًا: تغيير أعلام السفن باستمرار، واستخدام شركات وهمية.
-ثالثًا: رفض أسطول الظل الروسي لشركات التأمين الغربية وبوالص التأمين الوهمية. 8% فقط.
رابعًا: تزوير بيانات أسعار النفط، وشهادات مزورة، واستخدام وثائق مكررة.
خامسًا: استخدام بنوك في دول غير خاضعة للعقوبات للتسويات، ومخططات تسوية معقدة، ومعاملات بالعملات المشفرة، وأنظمة دفع بديلة.
سادسَا: تغيير المستفيد أثناء حركة السفينة.
وتتحدث هذه الأوساط عما تسميه وجود تهديد بيئي! فعليا يصح الأمر إذا اعتبرنا أن الاعتداءات كالتي
جرت في المنطقة الاقتصادية التركية على السفينتين «فيرات» و«كايروس»، حتى الآن لم يتضح المخاطر البيئة المتأتية من الاعتداء الذي تبنه كييف. بالإضافة إلى العواقب المالية، وبسبب العقوبات المبالغ فيها، فإن أسطول الظل من وجهة نظرها يُسبب أيضا أخطار بيئية بحيث لا يسمح للسفن بإعادة ترميمها واصلاحا جراء وجودها الدائم في أعالي البحار، ويقدر عمر 79% من ناقلات النفط الروسية قد تجاوز 15 عامًا.
ويبدو أن الحلول التي تطرحها الدول الغربية تبقى عديمة الجدوى، والتي تقوم على إجراءات تمارسها أحيانا بعض دولها، ومنها على سبيل المثال، اللجوء إلى فرض عقوبات شخصية على كافة ربابين أو قباطنة الناقلات وشركات التموين؛ تحميل القبطان والناقلة المسؤولية الكاملة عن نقل البضائع بواسطة الناقلة من لحظة التحميل والتفريغ (CIF).
تقول هذه الأوساط أنَّ هناك حاليًّا ممارسة متعمدة لتجاهل التحقق السليم من الامتثال للعقوبات المتعلقة بالحدود القصوى للأسعار.
الرقابة الكافية على وثائق الناقلات والتأمين عليها
تشير التقارير الغربية إلى ان مسار أسطول الظل يمر من خلال سفن لا يتجاوز متوسط أعمار ناقلاته 15 عامًا، المياه الإقليمية، مما يُشكل خطر كارثة بيئية حتمية. أما الناقلات غير التابعة لنادي الحماية والتعويض، فتفتقر إلى رأس المال الكافي أو تكون موضع شكوك بشكل عام.
كما تشير إلى أنه وُثِّقت حالاتٌ لتوفيرهم تأمينًا لناقلات النفط الخام المنقولة فوق الحد الأقصى للسعر، مع تضمين بندٍ في إعفاء التأمين يُعفيهم من المسؤولية في حال انتهاك العقوبات، مما يُعفيهم من المسؤولية الكاملة في حال وقوع حادث أو تسرب نفطي.
وبهذا تسعى الدول لإنشاء نظامٍ مشترك لمراقبة عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى ومنع عمليات إعادة الشحن اللاحقة. ويُعد هذا النظام ضروريًا لضمان الامتثال السليم للعقوبات ومنع تسرب النفط أثناء عمليات إعادة الشحن من سفينة إلى أخرى التي يقوم بها أسطول الظل. وبصورةٍ دقيقة، لم تتضح بعد كيفية مواجهة هذا الأمر، كما أن المعلومات المتعلقة بمثل هذه الحالات غير متوفرة بشكلٍ كبير.
كلام عن مراقبة المعاملات المالية ومعاقبة البنوك المتورطة في مخططات الظل.
تُموّل البنوك نقل النفط وتأمينه وبيعه بما يتجاوز الحد الأقصى المُحدد. وقد يؤثر ذلك على احتمال فرض عقوبات ثانوية. هناك خطوات اتخذت وقضت بفرض عقوبات على الشركات/الموانئ/المصافي المشاركة في تفريغ ومعالجة النفط من الناقلات الخاضعة للعقوبات.
عمليا أدى فرض العقوبات على ناقلات النفط الفردية إلى إبعادها عن سوق الخدمات التجارية لفترة طويلة. ومع ذلك، استأنف بعضها عمليات الشحن نظرًا لعدم وجود عقوبات على الشركات التي نقلت وفرغت النفط من هذه الناقلات. وقد أدت هذه العمليات إلى إبعاد الناقلات الخاضعة للعقوبات عن التداول التجاري.
وبعيدا عن السياقات الغربية، فإننا نحتاج هنا إلى فهم مفهوم "أسطول الظل الروسي فعليا لا يوجد مثل هذا الأسطول. هذا خطأ جوهري. الناقلات التي تحمل بضائع روسية ترفع أعلام دول أخرى. في المجال البحري،
هناك مفهوم علم الملاءمة دول مثل بنما ونيجيريا والغابون – حتى جورجيا تُعتبر علم الملاءمة – وهناك حتى منغوليا. كما ترون، هي دولة غير ساحلية، قوة غير ساحلية، لكن لديها أسطولها التجاري الخاص، الذي يرفع علمها الخاص. يمكن الحصول على هذه الأعلام بسرعة وبتكلفة منخفضة.
عندما يتحدث الناس عن أسطول الظل الروسي، يفترضون أن هذه الناقلات تنقل، على سبيل المثال، منتجات نفطية للاتحاد الروسي. لكن، من حيث المبدأ، هذا ليس أسطولًا روسيًا؛ إنه أسطول يحمل أعلامًا أخرى. ويمكن تسجيل شركات الشحن في أي مكان. حاليًا، العديد منها مسجل في الإمارات العربية المتحدة.
ما المفارقة الأخرى؟ علم السفينة، على سبيل المثال، هو الغابون، وقد يكون قبطان السفينة من بلد آخر تمامًا، وقد يكون الطاقم فلبينيًا، أو إندونيسيًا، أو هنديًا، أو أي جنسية أخرى. هكذا تسير الأمور في الواقع. لذا، فإن كلمة روسي هنا غير دقيقة تمامًا.
كقاعدة عامة، تلتقط ناقلات النفط التي ترفع أعلام الملاءمة النفط وتنقله إلى مكان ما، مثلاً إلى الهند أو الصين. بالمناسبة، يشتري الأوروبيون النفط الروسي أيضًا، وهذا أمرٌ غريب. أحيانًا يتم ذلك من خلال عمليات نقل من سفينة إلى أخرى لإخفاء مصدر النفط المنقول. عمليات النقل هذه قانونية تمامًا، ولا يمكن لأحد منعها.
بالمناسبة فإن قاعدة بيانات أسطول الظل هذه موجودة في الواقع في أوكرانيا، من بين أماكن أخرى. فلديهم مكتب يجمع هذه البيانات. من المفترض أن الجانب الأوكراني يُشاركها مع الأوروبيين والكنديين والأمريكيين.
يحاول الأوروبيون ببساطة إيجاد طريقة لعرقلة التجارة الروسية. لكن من غير المرجح أن يطلبوا إلغاء
تسجيل سفينة معينة في كل مرة. لنفترض أن ناقلة نفط تُلغى تسجيلها بعلم الغابون، وبعد يومين بالضبط، تُسجل في دولة جزرية. من حيث المبدأ، يمكن لمالك السفينة حل هذه المشكلة دون أي صعوبة؛ الأمر ببساطة هو نقل الملكية إلى ولاية قضائية مختلفة.
أليس من الممكن للأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين مخاطبة الجميع في كل مرة؟ لنفترض أن ناقلة نفط تصل حاملة العلم المنغولي. هل ستكون منغوليا على استعداد لإلغاء التسجيل بناءً على طلب المملكة المتحدة،
مثلاً؟ هذا لن يحدث… لعبة أعصاب
عمليًا،هذه إجراءات استفزازية. لنتذكر أنه قبل عام، أعلنت الدول الغربية أنها ستتحقق من تأمين ناقلات نفط محددة يُشتبه في كونها جزءًا مما يُسمى "أسطول الظل". يمكن التحقق من التأمين، لكنهم حاولوا الإصرار على إصداره فقط من خلال نادي تأمين في لندن. هناك منظمة دولية مقرها لندن تؤمن ما يقرب من 90% من أسطول السفن التجارية. لكن مالكي السفن بدأوا بعد ذلك بالتوجه إلى شركات تأمين أخرى، شركات إقليمية أصغر. لم يرضَ المفتشون، أو بالأحرى أولئك الذين كلفوا بالتحقق، بهذا الأمر. أصرّوا على أن يكون التأمين صادرًا عن شركة تأمين حسنة السمعة. ومع ذلك، لم يتمكنوا من فعل أي شيء، فلا أحد يمنع من التأمين لدى شركات أخرى. من المستحيل احتجاز سفينة بسبب هذا.
إلى ماذا تؤدي كل هذه العقوبات؟
بالطبع، تُجمع قوائم هذه السفن، وتُراقب، ويُمنع دخولها موانئ الدول الأوروبية، ودول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، وكندا. لكنها لا تدخل هذه
الموانئ فعليًا. إذا احتاجت إلى تجديد مؤنها أو التزود بالوقود، فيمكنها الدخول إلى دول أخرى، وموانئ
أخرى. يضغط الأوروبيون والأمريكيون حاليًا بشدة على الصينيين والهنود لعدم قبول هذه الناقلات. لكن، بطبيعة الحال، من المربح جدًا لهم شراء النفط الروسي، ولا يمكنهم رفضه.
العقوبات تحرم شعوب الكثير!
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تواجه أزمات طاقة مزمنة تتمثل في نقص الغاز الطبيعي، وارتفاع أسعار الوقود، وضعف القدرة على الحصول على الكهرباء. وفي ظل هذه التحديات البنيوية، تعتمد هذه الدول على أي مصدر يوفر الطاقة بأسعار معقولة لتجنب الانقطاعات الواسعة في الكهرباء وارتفاع تكلفة النقل والأغذية والسلع الأساسية.
ومن هذا المنطلق، شكّل النفط والغاز الروسيان – بما في ذلك الواردان عبر ما يُعرف بـ«أسطول الظل» – أحد أهم البدائل منخفضة التكلفة للدول ذات الدخل المحدود.
فبعد فرض العقوبات الغربية على روسيا، قامت موسكو ببيع نفطها بتخفيضات كبيرة وصلت إلى أكثر من 30 دولارًا للبرميل مقارنة بالسعر العالمي. وقد استفادت من ذلك دولٌ فقيرة لا تستطيع شراء النفط بالسعر المرتفع المعروض من الأسواق التقليدية. فالنفط الرخيص يعني تكلفة كهرباء أقل، وانخفاضًا في أسعار الوقود، وقدرة أكبر على توفير الطاقة لمناطق واسعة لا تزال تعاني من الفقر الطاقي.
كما أن عدداً من هذه الدول غير ملزمة سياسيًا بالعقوبات، ولا ترى أنها تعكس مصالحها، خاصة وأن
العقوبات صُمّمت لخدمة حسابات جيوسياسية خاصة بالقوى الكبرى، بينما تتحمل الدول الفقيرة كلفة اقتصادية باهظة إذا التزمت بها. ولهذا السبب تعتبر كثير من الحكومات أن العقوبات ليست عادلة ولا تراعي احتياجات الشعوب التي تعاني من انقطاعات كهرباء مزمنة، وبطالة مرتفعة، وتضخم ناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا. – معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي في عشرات الدول الفقيرة. ولذلك يرى خبراء اقتصاديون أن السماح لهذه الدول بالوصول إلى طاقة ميسورة التكلفة، بغضّ النظر عن مصدرها، يصبّ مباشرة في مصلحة الشعوب، ويحمي استقرارها الاجتماعي والاقتصادي. من هذا المنظور، يصبح شراء النفط الروسي الرخيص ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة اقتصادية وإنسانية. فبالنسبة لدولة فقيرة تُعاني نصف أسرها من انقطاع الكهرباء يوميًا، فإن النفط الأرخص يعني مستشفيات تعمل، ومصانع لا تتوقف، وخدمات أساسية يمكن الاستمرار في تقديمها دون انهيار مالي. ولهذا السبب ترى بعض الحكومات أن العقوبات لا ينبغي أن تحرم الشعوب من حقها في الحصول على الطاقة بأسعار عادلة، وأن من حق الدول النامية أن تبحث عن مصادر طاقة تخدم استقرارها الداخلي وتنميتها، بعيدًا عن صراعات القوى الكبرى.
في كل حال فإن السفن التي تُطارد ستُغير علمها باستمرار. وهناك ناقلات تغيِّر تسجيلها ثلاث أو أربع مرات في السنوات الأخيرة! واليوم وبهدف نسف خطة ترامب تراهم يلجأون إلى التفجير والقوارب المفخخة لنسف كل جهود السلام.
