كاتبة إيطالية تنجو من اعتداء بمراكش: صدمة العنف ومراهم اللطف المغربي
مراكش- المغرب
في سرد قصصي مؤثر ومفصل، كسرت الكاتبة الإيطالية نيكوليتا بورتولوتي صمتها على منصات التواصل الاجتماعي، لتنشر تفاصيل مؤلمة لعملية سرقة عنيفة تعرضت لها هي وزوجها في أحد أزقة مراكش القديمة، في حادثة كان من الممكن أن تودي بحياتها.
بورتولوتي، التي كانت في زيارة خاطفة للمدينة، وجدت نفسها في رحلة قسرية بين رعب السرقة والعنف ودفء التضامن المغربي.
الارتجاج في ساحة جامع الفنا
كان من المفترض أن تكون إقامة بورتولوتي في مراكش “اختتاماً لخريف غريب”، لكن صباح يوم الجمعة 28 نوفمبر تحول إلى كابوس. عند انتظارها سيارة الرحلات في زقاق ضيق، على بعد أمتار من ساحة جامع الفنا، انطلقت دراجة نارية مسرعة تحمل رجلين مقنعين.
تروي بورتولوتي: “ما حدث بعدها رواه لي زوجي، لأنني لم أرَ شيئاً، رأيت ظلاماً،” . اصطدام عنيف ألقاها بشدة على الرصيف الحجري، تاركاً إياها فاقدة للوعي. زوجها، الذي سادته حالة من الهلع، رأى المنظر المفجع: “لديّ جرح في رأسي عرضه سنتان وطوله ثلاثة سنتيمترات يظهر منه العظم، والدم يتدفق بغزارة”.
تم تشخيص إصابتها بـ “ارتجاج في الدماغ مع فقدان مؤقت للوعي”. وتمكن زوجها من دفع تكاليف الإسعافات الأولية بسرعة: فحص بالأشعة، سكانير، خياطة الجرح، وتجبير يدها اليسرى المكسورة.
غثيان الجحيم وعرقلة القنصلية
على الرغم من الإجراءات السريعة التي اتخذتها الشرطة المغربية، والتي سجلت محضر الشكوى في المستشفى، تحول وضع الكاتبة إلى جحيم حقيقي داخل الرياض. فقد قضت ليلة كاملة ويومًا كاملاً تتقيأ بسبب الارتجاج، لتجد نفسها صائمة وغير قادرة على الاحتفاظ حتى بالمسكنات.
في المطار، واجهت بورتولوتي عقبة إجرائية منعت عودتها بالرغم من توفر تذكرة السفر: “موظف شركة “رايان إير” يقول إن ذلك غير كافٍ، لا يمكننا السفر، وأننا نحتاج إلى ختم من القنصلية الإيطالية”.
الأمر الأكثر إيلاماً كان موقف القنصلية الإيطالية التي كانت مغلقة بسبب عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، والتي أصرت الموظفة على تطبيق “القواعد” عليها، مطالبة الكاتبة المتعبة بالتوجه إلى الدار البيضاء لإتمام الإجراءات.
هذا الموقف دفع بشاب إيطالي للمساعدة على توجيه تساؤل حاد للقنصلية: “كيف يمكن لنا نحن الإيطاليين أن نشعر بأن قنصليتنا تحمينا؟”.
اللطف المغربي يمحو أثر الكابوس
الاضطرار للبقاء في مراكش حتى يوم الثلاثاء تحول، على نحو مفاجئ، إلى “استراحة صحية”، حيث بدأت حالة بورتولوتي تتحسن. والأهم، أنها بدأت تلاحظ “بلداً آخر” يحيط بها:
“نسيجاً من اللطف، والعناية، والتضامن المؤثر من الجميع: أصحاب المطاعم، أهل الحي، العاملون في الضيافة، رجال الشرطة، المشردون، سائقو التاكسي… يمنحونني مصافحات، عناقاً، قبلات على رأسي، يقولون: “نحن آسفون”.
أصابت الحادثة ضمير المدينة، إذ انتشر فيديو العملية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصار يُعرض عليها في المطاعم التقاط صور معها. حتى سائقو التاكسي عرضوا استضافتها للغداء في منازلهم، مؤكدين لها أن “هؤلاء اللصوص شوّهوا صورة بلدنا”.
وختمت بورتولوتي قصتها برحلة القطار المريحة إلى الدار البيضاء ورؤية المغرب المتوازن والمبتسم، معربة عن تقديرها العميق لمعنى كلمة “البيت” وتقديرها لـ “روح المغرب المعطرة بزهر البرتقال”.
آمال الكاتبة للمعتدين
في نهاية رسالتها، أشارت الكاتبة الإيطالية إلى أنه تم القبض على الجناة، معربة عن أملها في أن تكون العقوبة كافية لـ “يدركوا حجم الضرر الذي ألحقوه، والضرر الأكبر الذي كان يمكن أن يلحقوه”، معربة عن أملها في ألا “تدمّر العواقب مستقبلهم” إن كانوا شباناً في سن أولادها.
هذا الحادث الذي تعرضت له الكاتبة الإيطالية نيكوليتا بورتولوتي في مراكش، أثار ردود فعل واسعة في المغرب، خاصة بعد أن نشرت تدوينتها المؤثرة التي جمعت بين تفاصيل الاعتداء العنيف وتقديرها لـ “نسيج اللطف والتضامن” الذي أحاطها.
ردود الفعل المغربية على الحادث
حظي الحادث باهتمام إعلامي ورقمي واسع في المغرب، وتركزت ردود الفعل على أمرين أساسيين: إدانة الجريمة، وتثمين التضامن الشعبي والرسمي.
الإدانة والتحرك الأمني السريع
الإدانة الرسمية والشعبية: استنكرت العديد من المنابر الإعلامية المغربية الحادث، ووصفته بـ “التشويش على صورة المغرب” كوجهة سياحية آمنة، خاصة في مدينة مراكش التي تعتبر قِبلة للسياح.
وأكدت تقارير صحفية أن الشرطة المغربية (الأمن الوطني) تحركت بسرعة وفاعلية، حيث تمكنت من توقيف المشتبه بهما في عملية السرقة والاعتداء العنيف في وقت وجيز بعد وقوع الحادث، وهي النقطة التي أشارت إليها الكاتبة في تدوينتها بامتنان.
وتم تكييف التهم الموجهة للجناة بما يتناسب مع خطورة الفعل، والذي أدى إلى إصابات خطيرة (ارتجاج وفقدان وعي)، حيث أشارت بورتولوتي إلى أن التهمة قد تكون “محاولة قتل”، وهو ما يعكس جدية التعامل القضائي مع هكذا اعتداءات على السياح.
التضامن الشعبي العارم
انتشرت تدوينة نيكوليتا بورتولوتي على نطاق واسع في المغرب، وتفاعل معها المغاربة بشكل كبير، معربين عن تضامنهم واعتذارهم العميق لها.
إذ ركزت العديد من الصحف والمواقع الإخبارية على الجزء الإيجابي من روايتها، وهو “تضامن المغاربة الذي خفف ألمها”. تم تسليط الضوء على مبادرات اللطف والعناية التي تلقتها من المارة وأصحاب المحال والممرضات ورجال الشرطة، مما شكل رسالة مضادة لرسالة العنف التي أراد الجناة إرسالها.
كما ذكرت الكاتبة، أن المواطنين العاديين، بما فيهم أصحاب المطاعم وسائقو سيارات الأجرة، قاموا بمبادرات شخصية لإظهار اللطف والضيافة، محاولين “غسل” صورة مدينتهم التي شوهها اللصوص.
من هي الكاتبة نيكوليتا بورتولوتي؟
نيكوليتا بورتولوتي (Nicoletta Bortolotti) هي كاتبة وصحفية إيطالية معروفة، تركز أعمالها بشكل خاص على أدب الأطفال واليافعين، بالإضافة إلى كتبها الموجهة للبالغين.
اشتهرت بورتولوتي بأسلوبها الحساس في تناول القضايا الاجتماعية والتاريخية من منظور إنساني. وتخصصت في هذا المجال، وتهدف أعمالها إلى تثقيف الشباب حول قضايا مهمة مثل التضامن، والذاكرة، والتاريخ.
من أبرز أعمالها المنشورة:
رواية “Sulle onde della libertà” (على أمواج الحرية): من أشهر أعمالها، وهي رواية تاريخية تتناول موضوعات المقاومة والحرية.
رواية “Ognuno è una stella” (كل واحد نجمة): عمل آخر معروف لها، يتناول قضايا الأمل والتفاؤل.
أعمال أخرى: نشرت بورتولوتي العديد من القصص والمقالات التي تظهر اهتمامها بالسرد الواقعي والمؤثر، وهو ما اتضح جلياً في سردها لقصة الاعتداء في مراكش.
