طوفان أسفي.. مأساة المناخ وانهيار أولويات التنمية
عمر بنعطية
في يوم مشؤوم اهتزت مدينة آسفي لمأساة بيئية وإنسانية كشفت عن هشاشة البنى التحتية، وفتحت جرحًا عميقًا في الوعي الوطني… فجأة، تحول الهطول الغزير للأمطار الرعدية الاستثنائية إلى طوفان مُفاجئ وسيول فيضانية قوية اجتاحت المدينة.
الحصيلة، التي أعلنتها السلطات المحلية، كانت ثقيلة ومُفجعة: وفاة 37 شخصًا، وهي الحصيلة الأعلى للضحايا جراء أوضاع مناخية كهذه في المغرب منذ أكثر من عقد…
المنازل غرقت، والمتاجر تحولت إلى بحيرات، وشواهد الواقع كانت قاسية على الضحايا الذين لم يجدوا وقتًا للنجاة. وبينما تظل عمليات التمشيط الميداني والبحث والإسعاف مستمرة، لا يزال 14 شخصًا يخضعون للعلاجات الطبية في مستشفى محمد الخامس بآسفي، بينهم شخصان في قسم العناية المركزة، في تأكيد على فداحة الكارثة.
لم يكن هذا الحدث مجرد “حادث طقس”، بل كان ناقوس خطر يشدد على ضرورة الرفع من مستوى اليقظة واعتماد أقصى درجات الحيطة والحذر والالتزام بسبل السلامة، في ظل التقلبات المناخية الحادة التي باتت سمة المنطقة. لكن التحذير وحده لا يكفي.. فالكارثة تكشف عن أبعاد أعمق تتعلق بصلابة الدولة الاجتماعية وقوة البنية التحتية.
لا يمكن فصل مأساة آسفي عن سياق أوسع من الكوارث التي تضرب البلاد. فبعد زلزال منطقة الحوز قبل عامين، والذي ما يزال أغلب ضحاياه يعيشون في العراء، يأتي طوفان أسفي ليشهد على جهود التنمية المفترى عليها. هذه التنمية هي التي تملأ أبواق حكومة عزيز أخنوش، لكنها تنهار عند أول اختبار طبيعي.
لقد انتقد الرأي العام بشدة الأولويات الحكومية، التي بدا أنها مُوجّهة نحو الترفيه والواجهة الدولية، في مقابل إهمال القضايا الجوهرية للشعب. الحكومة تبدو وكأنها دوّخت الشعب بـمهرجانات “موازين” الصاخبة، ولعبة كرة القدم وتنظيم البطولات القارية والمونديالية الكبرى، بينما يتزايد الغرق في الفقر...
يأتي هذا الإفراط في التركيز على الواجهة الدولية في الوقت الذي ترتفع فيه مؤشرات الهشاشة والبطالة، وفي الوقت الذي يمارس فيه التضييق على الصحافيين النزهاء، ويواجه المعارضون الشباب والمدونون ومغنو الراب بأحكام السجن، بل وتُسجل حوادث قمع عنيفة للمتظاهرين… وصلت حد الرمي بالرصاص ضد ثلاث شبان من حركة Z، هذا التناقض بين الإنفاق الباذخ على الواجهة الخارجية وسوء الإدارة الداخلية يخلق فجوة عميقة من عدم الثقة.
إن جوهر الإشكالية يكمن في إصرار الحكومة على المضي في “مخططاتها اللاشعبية”، في حين أن الشعب ينتظر الكوارث من زلزال لآخر، ومن فيضان لأخطر منه.
كان من المفترض أن تكون البنى التحتية للمدن الساحلية مُجهّزة للتعامل مع التغيرات المناخية المتوقعة، لكن انهيار قنوات الصرف وعدم قدرتها على استيعاب السيول يشير إلى غياب استباقي في التخطيط.
إن المبالغ الطائلة التي تُصرف على استضافة المهرجانات والمنتديات الدولية أو تظاهرات الترفيه، كان يمكن توجيه جزء منها نحو تعزيز البنية التحتية الحيوية، وحماية الساكنة من أخطار الفيضانات والأمطار.
في حين تعيش المناطق الهشة، التي غالباً ما تكون الأكثر تضرراً من الكوارث الطبيعية، وضعًا مأساويًا بعد كل حدث، مما يعمق الفوارق الاجتماعية ويكشف عن عجز الدولة في توفير حد أدنى من الأمان.
إن مأساة آسفي ليست مجرد بيانات إحصائية عن الضحايا، بل هي جرس إنذار مزدوج.. إنذار بيئي بضرورة الاستعداد للتغيرات المناخية العنيفة، وإنذار سياسي بضرورة إعادة ترتيب الأولويات الوطنية لتكون حياة المواطن وأمنه في صدارة الأهداف، بدلاً من إغراقه في بحر من الترفيه المضلل والوعود التنموية الواهية.
لذلك، إن إعادة توجيه الأموال من “ترفيه النخبة وواجهة الدولة” إلى “حماية حياة المواطن وكرامته” لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة بقاء في عصر التغيرات المناخية العنيفة.
