ملاحظات حول الهجوم على الحفل اليهودي في بونداي – سيدني
علي حمدان
تمهيد أساسي:
بدايةً، ومنعاً لأي التباس، أُعلن رفضي التام لقتل أي مدني أو عسكري أو أمني أو ميليشياوي أعزل، في كل زمان ومكان، وذلك بمعزل عن جميع الخلفيات والدوافع المحتملة لأي فعل كهذا.
تفاصيل الموقع والحدث:
الموقع: كنت شخصيًا في المنطقة وغادرتها قبل وقت وجيز من بدء الهجوم، ولذا أعرف تماماً تفاصيل الموقع بدقة. تُعتبر منطقة بونداي مركزًا رئيسيًا لتواجد الجالية اليهودية في سيدني، إضافةً إلى أنها تضم شاطئاً جميلاً يقصده الناس من داخل أستراليا وخارجها.
توقع الهجوم: عبّر قادة الجالية اليهودية في أستراليا، بما في ذلك أكثرهم تعصباً للكيان الإسرائيلي، علانيةً عن توقعهم لمثل هذا الأمر بعد أحداث “طوفان 7 أكتوبر”. وأنا أتفق مع هذا التوقع، لكن لأسباب متناقضة تماماً.
تحليل الدوافع وتناقض التفسيرات:
- التفسير الإسرائيلي/اليهودي: ربطوا الموضوع بحركة الاحتجاجات العالمية والمحلية ضد الإبادة الإسرائيلية بحق أهل غزة، زاعمين أن هذه الاحتجاجات أججت اللاسامية والعنف ضد اليهود. يغيب عن رؤيتهم الدور الفظيع الذي تلعبه تل أبيب وما تقوم به بحق الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى خدمة العديد من اليهود الأستراليين في صفوف الجيش الإسرائيلي.
- التفسير المُغاير: على النقيض من ذلك، أرى أن الحركة الاحتجاجية الأسترالية الهائلة، والتي ضمت في صفوفها العديد من الأفراد اليهود، ضد حرب الإبادة، لعبت دوراً رئيسياً في التخفيف من الاحتقان المُوجَّه ضد الجالية اليهودية. خاصة وأن الاتجاه السائد في هذه الجالية كان مؤيداً علنياً للحرب وضد وقفها. ومع ذلك، كنت أُرَجِّح احتمال قيام البعض في الجالية الإسلامية الكبيرة والمستاءة جداً برد فعل عنيف ضد هذه الجالية اليهودية، وكنت متعجباً لتأخر وقوع هذا الحدث حتى الآن، نظراً للجرائم الفظيعة التي تحصل.
منطق القوة وتداعياته:
بعيداً عن الخطاب المثالي والجميل عن البشر والعلاقات الإنسانية، فإن الواقع يفرض نفسه: منطق القوة والبطش هو المنطق السائد في عالمنا، وهو أشد قسوة ووحشية من شريعة الغاب. ومن الأمور التي يُجيزها هذا المنطق، بين أمور كثيرة أخرى، أن تُعتبر البيئة التي تُنتج الأعداء هدفاً مشروعاً، بل ومحبذاً ومجدياً الاعتداء العنيف عليها. هذا هو السلوك الذي تمارسه إسرائيل بوحشية في غزة وفلسطين ولبنان. بالتالي، من الطبيعي توقع ردات فعل تقع في إطار المنطق ذاته، وطبعاً، في ظل خصوصية عدم وجود دول قادرة على الرد المباشر، ينحصر الأمر بالجماعات والأفراد، أياً كانوا وأينما وجدوا.
عودة لهجوم بونداي: نتائج وتحليل سلوك المنفذين
- الاستهداف المُحدَّد: كانت المنطقة المُستهدفة، أي شاطئ بونداي، مزدحمة بآلاف البشر، لكن الحفل اليهودي كان محدوداً في جزء من الجانب الشمالي للشاطئ.
- دقة الهدف: شاهدتُ عشرات الفيديوهات لرواد الشاطئ تُظهر عملية إطلاق النار من زوايا مختلفة، وكذلك لهوية الضحايا، الأمر الذي يُشير بوضوح إلى أن الحفل اليهودي فقط كان هو المُستهدف وليس كل رواد الشاطئ.
- احترافية التنفيذ: يُبين سلوك المنفذين، وهما الأب والابن ساجد ونافذ أكرم، وهما أستراليان من خلفية باكستانية، أنهما كانا يعرفان المنطقة والهدف بدقة. لقد تصرفا بوعي وأعصاب باردة وبحرفية عالية في إطلاق النيران، حيث أصابا حوالي 70 شخصاً، توفي منهم 15 شخصاً.
البطل غير المتوقع: أحمد الأحمد
- التدخل الحاسم: أول مواجهة جدية وشجاعة وفاعلة للمهاجمين كانت من قبل شخص مدني أعزل كان في المنطقة، وهو أحمد الأحمد، أسترالي مسلم من خلفية عربية سورية (يُعتقد أنه من منطقة إدلب). انقضّ أحمد من الخلف على المهاجم الأب ساجد وهو يُطلق النار، فانتزع منه البندقية. بعد هذه المشاحنة والبلبلة التي حصلت، تقدم أفراد من الشرطة المتواجدون في الموقع فقتلوا الأب وأصابوا الابن وألقوا القبض عليه.
- تخفيف الآثار السلبية: لقد لعب التدخل الشجاع والمثير والمُوثَّق بعدة فيديوهات لأحمد الأحمد، المسلم والعربي، دوراً كبيراً في تخفيف الآثار السلبية الهائلة لهذا الهجوم على الجاليتين العربية والإسلامية في أستراليا.
