دعوة للمساهمة في العدد الثالث من مجلة تفكيك
مجلات:
سيحمل العدد الثالث من مجلة تفكيك للدراسات الأنثروبولوجية والثقافية وقضايا الهجرة الذي سيصدر في بداية شهر آذار/مارس 2026 عنواناً مركزياً هو: “تفكيك الاستعمار المعرفي: إشكاليات السلطة، الهوية، وإنتاج المعرفة بين المركز والهامش“.
إن اختيار هذا العنوان لم يأتِ اعتباطاً، بل جاء استجابة لحاجة ملحّة إلى مساءلة البُنى التي تتحكم في إنتاج المعرفة وتوزيعها، وإلى تفكيك آليات الهيمنة التي تجعل من المركز موقعاً حصرياً للشرعية العلمية، فيما يُدفع الهامش إلى موقع الاستهلاك أو الصمت. إننا نعيش اليوم في زمن تتقاطع فيه السلطة السياسية مع السلطة المعرفية، حيث تُعاد صياغة الهوية وتُبنى المفاهيم تحت شروط غير متكافئة، تُقصي التجارب المحلية وتُعلي من المرجعيات العالمية بوصفها معياراً وحيداً.
من هنا، يسعى العدد الثالث إلى فتح نقاش نقدي حول الاستعمار المعرفي بوصفه امتداداً للاستعمار الكلاسيكي، لكنه يعمل بآليات أكثر خفاءً: اللغة، التمويل، النشر، والمفاهيم. إننا ندعو الباحثين والكتّاب والمفكرين إلى المساهمة في هذا المشروع التحريري عبر مقالات ودراسات وحوارات تُضيء على جدلية المركز والهامش، وتكشف كيف تُنتج المعرفة تحت شروط الهيمنة، وكيف يمكن إعادة توزيع السلطة المعرفية بما يتيح تعدد الأصوات وتكافؤ الشرعيات.
بهذا العنوان، نعلن أن مجلة تفكيك لا تكتفي بالنقد، بل تسعى إلى بناء أفق جديد للمعرفة، حيث تتحول الكتابة إلى فعل مقاومة، والبحث إلى أداة تحرير، والهوية إلى مشروع مفتوح يعيد الاعتبار للهامش باعتباره فضاءً منتجاً لا تابعاً.
ندعوكم إذن إلى الكتابة معنا، وإلى المشاركة في هذا الحوار الجماعي الذي يضع العدالة المعرفية في قلب مشروعنا الفكري، ضمن تصنيفات النشر العلمي:
ـ الأبحاث الأصلية (Original Research Articles)
ـ المقالات النظرية أو التحليلية (Theoretical/Analytical Papers)
ـ المراجعات الأدبية أو المنهجية (Review Articles)
ـ الدراسات التطبيقية أو التجريبية (Applied/Experimental Studies)
1ـ تعريف المفهوم وحدود الاشتغال
سينطلق العدد الثالث من سؤال ملحّ: كيف تُنتج المعرفة، ولمن تُنتج، وتحت أي شروط تُشرعن وتُعتمد؟ ما نسعى إلى طرحه ليس مجرد نقد للمحتوى المعرفي السائد، بل مساءلة جذرية للبُنى القيمية والمؤسساتية التي تحدّد من يتكلم باسم “العلم” ومن يصمت، ومن يُصنّع المفاهيم ومن يُستهلكها. سوف نكتب بلغة أكاديمية واعية ومسؤولة، لكن بروح نقدية تسعى إلى إعادة توزيع السلطة المعرفية بين المركز والهامش، دون الوقوع في رومانتيكيات معكوسة أو قطيعة شعاراتية مع التراث العلمي.
تفكيك الاستعمار المعرفي لا يعني رفض المعرفة الحديثة أو العلوم برمّتها، بل كشف طبقات الهيمنة التي سكنت عمليات إنتاجها وتداولها. المقصود هو تفكيك شبكات السلطة التي تهيمن على:
ـ المرجعيات: من يمنح الشرعية للاقتباس والتراكم، وما يُستبعد باعتباره “غير علمي”.
ـ المفاهيم: كيف تُستورد الأطر النظرية بوصفها كونية، فيما تُجرّد السياقات المحلية من حقها في توليد مفاهيمها.
ـ المؤسسات: الجامعات، دور النشر، المراكز البحثية، والمجلات المحكمة بوصفها مصافي للقول المعرفي ومعايير القبول.
هذا التفكيك يشتغل على مستويات ثلاث: نقد القواعد الإجرائية، تعرية المصالح والاقتصاد السياسي للمعرفة، واقتراح بدائل بنيوية تسمح بتعدد مصادر الشرعية.
2ـ الجينيالوجيا التاريخية للاستعمار المعرفي
المسار التاريخي للاستعمار المعرفي يتغذى من ثلاث لحظات كبرى:
ـ التوسع الإمبريالي: حيث ترافق الغزو المادي مع تصنيف الشعوب والمعارف ضمن هرم تطوري يُعلي من المركز ويُدني الهامش.
ـ المأسسة الحديثة للعلم: تحويل المعرفة إلى نظام معايير عالمي، مع احتكار لغات ومناهج بعينها بوصفها “المعيار الذهبي”.
ـ العولمة الرقمية: إعادة إنتاج علاقات القوة من خلال منصات ومؤشرات وتأثيرات تُضخّم أصوات المركز وتُقزّم مبادرات الأطراف.
هذه الجينيالوجيا تُظهر أن إزاحة الهيمنة لا تنجح عبر تغيير الخطاب فقط، بل تحتاج إلى إعادة ترتيب البنية التحتية للمعرفة ومصادر تمويلها وحوكمتها.
3ـ آليات الهيمنة المعرفية المعاصرة
الهيمنة اليوم تعمل بآليات دقيقة وغير صادمة، لكنها فعّالة:
ـ المركزية اللغوية: فرض لغات بعينها كحامل حصري للشرعية العلمية، مع تهميش الإنتاج بلغات الهامش.
ـ اقتصاد النشر والتأثير: مقاييس الاستشهاد والتأثير تُعيد توزيع القيمة لصالح دور النشر والمجلات الكبرى، وتحوّل البحث إلى سوق تنافسي غير متكافئ.
ـ الاستيراد المفاهيمي: تعميم أطر نظرية من سياقات محددة باعتبارها “كونية”، ما يُنتج سوء قراءة للواقع المحلي ويُقصي إمكان توليد مفاهيم بديلة.
ـ التمويل والحوكمة: المنح والأجندات البحثية تحدّد موضوعات “الاهتمام العالمي”، وتدفع الباحثين نحو أولويات لا تنبع من حاجات مجتمعاتهم.
تفكيك هذه الآليات يستلزم مساءلة معايير التقييم ذاتها، لا فقط مضامين الأبحاث.
4ـ جدلية المركز والهامش: نحو توزيع جديد للسلطة المعرفية
المركز ليس جغرافياً فقط؛ إنه بنية رمزية من الامتيازات المعرفية. والهامش ليس ضعفاً ذاتياً؛ إنه موقع إنتاج مُقيّد بشرط خارجي. إعادة توزيع السلطة المعرفية تمر عبر:
ـ تعدد الشرعيات: الاعتراف بمسارات مختلفة للتحقق العلمي والتقييم، تسمح بترجمة المعارف دون فقدان خصوصيتها.
ـ بناء مؤسسات وسيطة: منصات تحرير وتحكيم مستقلة في الجنوب، تقيم جسوراً ندّية مع مؤسسات الشمال بدل علاقة تبعية.
ـ توطين المفاهيم: تطوير قواميس مفاهيمية نابعة من التجربة المحلية، قابلة للحوار مع الكوني دون الخضوع له.
هذه الجدلية لا تهدف إلى قلب الهرم فحسب، بل إلى تفكيكه وإعادة تشكيله كشبكة متعددة المراكز.
5ـ رهانات أخلاقية وسياسية
الاستعمار المعرفي ليس تقنية نفاذ؛ إنه مسألة عدالة. الرهان الأخلاقي يتمثل في حق المجتمعات في تعريف مشكلاتها وصياغة معارفها. والرهان السياسي يتمثل في تمكين الفاعلين المحليين من إدارة أجنداتهم البحثية، بعيداً عن هندسة الأولويات من الخارج. أي مشروع للتحرر المعرفي يجب أن:
ـ يحمي الاستقلالية: يمنع تحويل الباحثين إلى مُنفّذين لبرامج ممولة لا تعبّر عن بيئاتهم.
ـ يربط المعرفة بالفعل: يضمن أن البحث لا يبقى في الأوراق، بل يتجسّد في سياسات عامة وممارسات تربوية ومبادرات اجتماعية.
من دون هذه الرهانات، يتحول التفكيك إلى نقد بلا أثر.
6ـ منهجية العمل والبرنامج التحريري للعدد
يقترح هذا العدد مسارات عملية متوازية:
ـ خرائط هيمنة: دراسات تُحلّل البنى المؤسسية والاقتصادية للنشر والتمويل والتحكيم، وتكشف اختلالات القياس والتقييم.
ـ قواميس محلية: أوراق نظرية تُنتج مفاهيم من سياقات عربية وإفريقية وآسيوية، مع مقارنات نقدية لأطر “كونية”.
ـ دراسات حالة: بحوث ميدانية عن الجامعات والمراكز في الجنوب، وأنماط التعاون أو التبعية مع مؤسسات الشمال.
ـ نقد الأدوات: مراجعات منهجية للمؤشرات، لغات النشر، سياسات الوصول المفتوح، واقتراح بدائل عادلة ومستدامة.
العدد يلتزم بمعايير صارمة للتحكيم والتوثيق، لكنه يُجرّب أدوات تقييم تراعي التعدد اللغوي والمنهجي. أي الصرامة الأكاديمية والابتكار في طرق التقييم.
دعوة إلى تأسيس أفق جديد
لا ندعو إلى قطيعة مع المعرفة العالمية، بل إلى شراكة متكافئة تُعيد الاعتبار لحقّ الهامش في أن يكون مركزاً لخبرته. تفكيك الاستعمار المعرفي هو مشروع بناء: بناء مؤسسات، بناء معايير، وبناء مفاهيم. ندعو القرّاء والباحثين والمحرّرين إلى الانخراط في هذا الأفق، حيث تتحوّل المعرفة من سلعة تُباع وتُشترى إلى حق عام مُوزّع بعدالة، ومن خطاب أحادي إلى حوار متعدد الأصوات، ومن مركز متضخم إلى خرائط متداخلة من المراكز.
ترسل المساهمات الى البريد الالكتروني: infotafkikjournal.org
آخر موعد لاستلام المساهمات: 15 شباط/ فبراير 2026
د. حسن العاصي، رئيس تحرير مجلة تفكيك
