عام 2025 يوقع أحداثه بالدم والنار والفضائح

عام 2025 يوقع أحداثه بالدم والنار والفضائح

تولوز- المعطي قبال

مراجعة أحداث العام: تراجيديا الراهن وتحولات السياسة

          جرت العادة في وسائل الإعلام الأجنبية على ممارسة “طقس الاستعادة”، وذلك باسترجاع أهم الأحداث التي طبعت العام وهو على وشك نهايته، وغالباً ما تطفو على السطح أخبار الشؤم والمآسي. في هذه السنة، أية أحداث يمكن الوقوف عندها؟ وما هي تلك التي وسمت العام الذي نحن على وشك توديعه، بين أحداث سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، ودينية؟

القضية الفلسطينية: صمود في وجه الإبادة

على رأس هذه الأحداث، تعتبر الإبادة المستدامة من لدن إسرائيل والولايات المتحدة الحدث المأساوي بامتياز؛ لأنها تخص محاولة “التشطيب” على شعب برمته. وبالرغم من العدد الهائل للضحايا في غزة (أزيد من 70,000 قتيل و171,000 جريح، بمن فيهم 45,000 من الأطفال)، كانت المقاومة بشتى أنواعها ومصادرها في المستوى، ولم تنجح الآلة الحربية الثنائية (إسرائيل والولايات المتحدة) في القضاء على روح البقاء التي ميزت الشعب الفلسطيني.

غير أن تداعيات الحرب سترخي بظلالها على العام الجديد؛ إذ لم يتغير شيء بالرغم من “الهدنة” الشكلية، فلا يزال التقتيل والتجويع والقمع على إيقاعهم المعهود. ويشار بالمناسبة إلى أن أحد مكاسب هذه المقاومة هو تضامن العديد من الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي والاجتماعي مع القضية الفلسطينية، وبخاصة ذوو الانتماء اليهودي منهم.

الزمن الترومبي”: تقلبات السياسة الأمريكية

شكل تبوّؤ دونالد ترامب لولاية ثانية (بدءاً من 20 يناير 2025) حدثاً سياسياً أدى إلى قلب العديد من الموازين على مستوى السياسة الداخلية والخارجية. وقد اتسم أسلوب حكمه بالتهور والخفة؛ حيث أضحى شعار “أمريكا أولاً” شعاراً تمييزياً وإقصائياً، وأصبحت السياسة مسألة “مزاج” أكثر منها مسألة فحص وتأنٍ؛ فمن لا يعجبه وجهه ومظهره يصبح في أعين ترامب شخصاً منبوذاً.

كما أحيا العداءات القديمة ضد خصوم لا يعدون في نظر المنظومة الأمريكية سوى “شياطين شيوعية” وجب القضاء عليها. وهكذا أصبحت مميزات السياسة الأمريكية في ظله هي التضييق على الحريات، ومحاربة التنوع، وفرض عقوبات اقتصادية وتأشيرات دخول مشددة، وصولاً إلى النيل من سمعة الدول الإفريقية. يعيش العالم اليوم على إيقاع “الزمن الترومبي”، ولربما لن يخرج منه سالماً.

الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات أوروبا

تبقى الحرب الروسية-الأوكرانية، بعد مرور سنتين من الاقتتال، أحد الأحداث البارزة. وبين المسيرات والمسيرات المضادة، استمر زيلينسكي -بيدق أوروبا- في تكديس السلاح والأموال، مما عمق الهوة بين الأوليغارشية الفاسدة والشعب الذي لم تعد له سوى الهجرة كلوحة نجاة. اقتصادياً، أدت الحرب إلى ارتفاع مستوى المعيشة في الدول الأوروبية وتأثر الفئات الشعبية بالغلاء نتيجة ميزانيات الدعم المخصصة لأوكرانيا.

وفي فرنسا، أدى غياب حكومة إجماع وطني إلى تناحر برلماني وعرقلة ميزانية العام القادم، مما وضع البلد “بين قوسين”. والجميع يتساءل اليوم عن مصير الانتخابات البلدية المزمع عقدها في مارس القادم، في ظل توقعات بصعود “التجمع الوطني” برئاسة بارديلا ولوبان. كما شكل إيداع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي السجن لمدة أسبوعين، على خلفية فضيحة التمويل الليبي، حدثاً كشف توغل الفساد في الحياة السياسية الفرنسية.

انتفاضة “جيل زد” والتحولات الدينية

شهد العام انتفاضة “جيل زد” في آسيا وإفريقيا (وتحديداً المغرب ومدغشقر التي أطيح برئيسها)، حيث حرك هذا الجيل منصات التواصل الاجتماعي للاستيلاء على الشوارع احتجاجاً على الأوضاع المزرية، وقوبلت هذه التحركات بردود فعل عنيفة من قوات الأمن.

وعلى المستوى الديني، كان انتخاب “روبير فرنسيس بريفو” (أمريكي الأصل) باسم “ليون الرابع عشر” خلفاً للبابا فرنسيس، حدثاً بارزاً لاستعادة موقع الفاتيكان بعد فضائح الاعتداءات. لكن البابا الجديد، ولترضية الجناح المحافظ، رفض الاعتراف بزواج المثليين أو ترسيم النساء كقساوسة، مما يبقي المواجهة مستمرة بين العلمانية والدين.

صعود اليمين وطفرة الذكاء الاصطناعي

عرف المد اليميني المتطرف استقواءً في أوروبا والهند وأمريكا. في هولندا، أصبحت الأفكار المتطرفة تصف المهاجرين بأوصاف مهينة، وترسخت نظرية “الاستبدال الكبير” لرونيه كامو. تقنياً، تميز العام بطفرة الاستثمارات في “الذكاء الاصطناعي” التي تجاوزت 1500 بليون دولار، وهي تكنولوجيا ستمنح القوى الكبرى إمكانيات هائلة للهيمنة.

المغرب: دبلوماسية قوية وفقدان قامات نضالية

حققت الدبلوماسية المغربية اختراقاً هاماً في ملف الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة، كما أظهر الاقتصاد المغربي صلابة في مواجهة الصدمات. سياسياً، فقد المغرب المناضل “سيون أسيدون” في 7 نوفمبر الماضي، وهو الذي قضى أزيد من 12 سنة في السجن (1972-1984)، وناضل بوفاء من أجل التعددية المغربية ومحاربة الصهيونية.

ثقافياً، نجحت الدورة الـ30 لمعرض الكتاب بالرباط، والتي احتفت بمغاربة العالم تحت إشراف “إدريس اليزمي”. كما شهد العام رحيل الشاعر والمؤرخ “عبد المجيد بنجلون” الذي خلف نتاجاً أدبياً غنياً، والفنانة القديرة “نعيمة سميح“.

ختاماً: فضيحة إيبستين

تظل “فضيحية إيبستين” مسماراً في رجل ترامب؛ فبعد كشف آلاف الوثائق، اتهم الحزب الديمقراطي ترامب بالتلاعب بالحقائق لتبرئة نفسه وتحميل المسؤولية لبيل كلينتون. وكما وصفتها “لوموند”، قد تبقى هذه الفضيحة هي “السم البطيء” لدونالد ترامب.

شارك هذا الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!