لبنان بين استحقاق السيادة وتحديات الميدان: قراءة في خيارات نهاية العام
أحمد مطر
أيام قليلة تفصل لبنان عن نهاية العام، وهي المحطة التي تنتهي معها المرحلة الأولى من خطة الجيش اللبناني لتطبيق حصرية السلاح في منطقة جنوب الليطاني. ومن المتوقع أن يقدّم قائد الجيش تقريره المفصل حول نتائج هذه المرحلة، مرفقاً بتصوره لإطلاق المرحلة الثانية، والتي تتضمن -وفق الخطة الأساسية وتوجهات رئاسة الحكومة مؤخراً- البدء باستعادة الدولة لسيادتها الكاملة في المنطقة الواقعة شمال الليطاني، وتحديداً ما بين نهري الليطاني والأولي.
ستشكل هذه الخطوة مؤشراً بارزاً على مدى مصداقية الدولة في سعيها لبسط سيادتها الكاملة والوفاء بالتزاماتها، رئاسةً وحكومةً، بنزع السلاح غير الشرعي، سواء كان لبنانياً أو فلسطينياً. وكان رئيس الحكومة، نواف سلام، قد استبق هذا الاستحقاق بالوعد بانعقاد مجلس الوزراء قريباً لتقييم نتائج المرحلة الأولى، مؤكداً في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” على ضرورة قيام إسرائيل بخطوات مقابلة، تبدأ بوقف اعتداءاتها اليومية تمهيداً للانسحاب من النقاط التي تحتلها، وتسهيل عودة الأهالي إلى قراهم وفق ما طالب به رئيس الجمهورية مؤخراً.
تباين المواقف: الدولة في مواجهة “الاستراتيجية الدفاعية”
جاء كلام رئيس الحكومة في وقت لا يزال فيه مسؤولو “حزب الله” متمسكين بمقولة إن الاتفاق مع إسرائيل يبدأ وينتهي بعملية حصر السلاح في جنوب الليطاني، ولا يشمل المناطق الواقعة شماله، مع الإصرار على التمسك بالسلاح ودوره في الدفاع عن لبنان ضمن “استراتيجية دفاعية وطنية”. يطرح هذا الموقف تساؤلات ملحة حول ردود فعل الحزب عسكرياً وميدانياً في مواجهة خطوات الجيش للبدء بالمرحلة الثانية.
ومن المتوقع أن يتطلب الإعداد لهذه المرحلة بضعة أسابيع من التحضيرات العسكرية واللوجستية، إلا أن نجاحها يبقى معلقاً على “السلوك” الذي سيعتمده حزب الله؛ خصوصاً لجهة تفادي أي مواجهة مع الجيش أو القوى الأمنية، والإحجام عن أي محاولات لتعطيل مرافق الدولة أو المؤسسات الحكومية. ومن المرتقب أن يمارس الحزب ضغوطاً عبر تنظيم تظاهرات في الضاحية الجنوبية قد تمتد إلى بعض أحياء بيروت، على غرار “تظاهرات الدراجات” التي درج على استخدامها لرفض سياسات الدولة المتعلقة بنزع سلاحه.
قمة فلوريدا وتأثيرها الدولي
تعتبر هذه الطروحات مرتبطة بالنتائج التي ستسفر عنها اجتماعات “بنيامين نتنياهو” مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في فلوريدا في 29 من الشهر الجاري. وتتحدث مصادر إعلامية إسرائيلية عن أن نتنياهو سيعرض على ترامب معلومات استخباراتية محدثة تتعلق بإيران وحزب الله، لإقناعه بخطورة التسليح الإيراني المستمر عبر البحر أو شبكات العملاء، وذلك للحصول على “إذن مسبق” بشن عملية جديدة في حال تخلف الحكومة اللبنانية عن تنفيذ قرار نزع السلاح.
إن إعلان رئيس الحكومة عن اقتراب المرحلة الثانية جاء ليحصّن الموقف اللبناني ويدعم فريقه المفاوض برئاسة السفير السابق سيمون كرم، لقطع الطريق على إسرائيل ومنعها من اتخاذ “التقصير اللبناني” ذريعة للتصعيد. فإحجام السلطة عن إعلان نواياها الصريحة كان سيضع البلاد في “نقطة اختناق” بين تهديد إسرائيلي بحرب شاملة ورفض محلي من حزب الله للتعاون.
الخيارات الصعبة أمام لبنان
صحيح أن ما أعلنه الرئيس نواف سلام قد يضع الجيش أمام احتمال مواجهة شبه حتمية مع حزب الله، لكنه قرار لا بد منه لمنع إسرائيل من رفع مستوى عملياتها وتمديد مأساة المهجرين. ويدرك حزب الله أن الاستمرار في التمسك بسلاحه سيؤدي إلى انكشاف لبنان سياسياً وعسكرياً، كما أن أي مواجهة مع الجيش ستؤدي إلى عزله محلياً وعربياً ودولياً.
مع نهاية العام، يواجه لبنان خيارات أحلاها مرّ:
-
الاندفاع للتنفيذ: تطبيق المرحلة الثانية رغم مخاطر الاصطدام بين الجيش والحزب.
-
التريث بانتظار المفاوضات: تأجيل التنفيذ انتظاراً لمفاوضات “الناقورة” لعلها تؤدي إلى تبدل في الموقف الإسرائيلي.
-
التراجع عن القرار: وهو الخيار الأخطر الذي قد يفتح الباب أمام حرب جديدة مدمرة لكل لبنان.
ختاماً، بات المطلوب من حزب الله مراجعة مواقفه وتسهيل مهام الجيش في بسط حصرية السلاح على كامل التراب اللبناني قبل فوات الأوان.
