تونس: قيس سعيّد يجهز على مجلس القضاء
لم تنجح المناشدات الدولية التي وجهت للرئيس التونسي قيس سعيّد بعدم حل المجلس الأعلى للقضاء، إذ أعلن خلال اجتماع مجلس الوزراء اليوم الخميس، أنه “انتهى” وسيتم تعويضه بمجلس آخر، مؤكدا أن “لا مجال للتشكيك بهذا الخيار”.
ويأتي هذا القرار بعد أن كانت وزيرة العدل التونسية قد حاولت قبل يومين تدوير الزوايا بالقول إن الرئيس التونسي “لن يحل المجلس الأعلى للقضاء وسيغير القانون المنظم له”. لكن سعيّد خلال اجتماع مجلس الوزراء حسم موضوع حله بمرسوم، مبررا هذ الخيار “أن تونس يجب أن تطهر، ولا يمكن تطهير البلاد إلا بتطهير القضاء”، مؤكدا أن “هذه المسألة حيوية”. وهاجم سعيد “المفترين والمشككين” الذين “يريدون القراءة بين السطور، ولكن ليقرأوا بين اللوبيات التي تحركهم”، إن “القضاة لهم وظيفة في إطار الدستور وعليهم فقط أن يطبقوا القانون فقط بكل حياد على الجميع”.
وكشف قيس سعيد أن لديه ملفات كثيرة تتعلق بالأموال التي تلقاها البعض، مشيرا إلى أنها تفوق الخيال. مضيفا “وبعد ذلك يقول القضاء إنه مستقل ولا رقابة عليه”.
وشدد على أن “القضاء وظيفة وليست سلطة، والقضاة كلهم خاضعون للقانون ولا يمكن أن تكون هناك دولة خارج الدولة التونسية.. نحن نحترمهم، نقدر عملهم وجسامة المسؤولية التي يتحملونها ولكن عليهم أن يتحملونها بكل استقلالية”.
ولقي تأسيس المجلس في عام 2016 ترحيبا باعتباره تقدما كبيرا في توطيد سيادة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء في تونس. ويعتبر مؤسسة دستورية “ضامنة في نطاق صلاحياتها، ومن بينها اقتراح الإصلاحات الضرورية في مجال القضاء. وكان يعد من بين عدد قليل من المؤسسات بالدولة بعد 25 تموز/ يوليو القادرة على ممارسة صلاحياتها بشكل مستقل عن سعيّد. ويتكون المجلس لمنحل من 45 عضوا معظمهم من القضاة المنتخبين من زملائهم إضافة إلى محامين ومختصين في القانون والمحاسبات المالية وأساتذة جامعيين. وعلى وقع هذا القرار المدان دوليا، نفذ القضاة التونسيون وقفة احتجاجية أمام قصر العدالة بالعاصمة، تعبيرا عن رفضهم قرار الرئيس قيس سعيد، بحل المجلس الأعلى للقضاء وتنديدا بما اعتبروه تدخلا في السلطة القضائية.
وجاءت هذه الوقفة بالتزامن مع الإضراب الذي نفذ بجميع محاكم البلاد، حيث رفع القضاة شعارات: “الشعب يريد قضاء مستقلا”، و”لا للمساس الانفرادي بالبناء الدستوري للسلطة القضائية”. وقال رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس حمايدي، في كلمة ألقاها خلال التحرك الاحتجاجي، إن القضاء التونسي اليوم صار في حالة حصار، مشددا على رفض “القضاة حل المجلس الأعلى للقضاء، كونه قرار أحادي ومسقط”. وعبر عن مخاوفه من تدخل الرئيس سعيد في السلطة القضائية. وكان سعيّد قد وجه انتقادات لمجلس القضاء وجمد المنح المالية المسندة لأعضائه، معتبرا أن العدالة تعمل بـ”بطء” في قضايا فساد “بقيت في الرفوف لسنوات طويلة”.
وحذر ناشطون تونسيون من احتكار سعيّد للقضاء كما يحتكر معظم السلطات منذ فرضه الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021. فهو بموجب التدابير الاستثنائية، جمد عمل البرلمان وأقال حكومة هشام مشيشي المنبثقة عنه، قبل أن يقرر تعليق العمل بأبواب دستورية برمتها، مديرا البلاد بأوامر “استثنائية”.
وبحسبهم إن سعيّد يعمل بالتدريج للتخلص من الهيئات المستقلة الدستورية واحدة تلو الأخرى، من خلال انتقاد أدائها قبل أن يجهز عليها نهائيا.
نورا المسعودي